ما يتعرض له الشيعة أقرب الى الابادة منه الى الشهادة: أسطورة السيد… هل هي النهاية؟
سواء نجا حسن نصر الله أو ارتقى في الغارة الاسرائيلية التي ضربت الضاحية الجنوبية، لم يكن أمام الرجل الكثير من الخيارات والبدائل التي تمكنه من الخروج سالماً من حرب كان يتوقعها حرب رسائل نارية متبادلة وضغوط مضبوطة، قبل أن يدرك أنها كانت فخاً محكماً وقع فيه من دون أي “دعوة” اسرائيلية مباشرة، وأن يواجه واقعاً يخيّره بين الموت شهيداً مع قادته ورجاله، أو التحول الى أسطورة من الماضي لا سحر لها ولا هيبة.
وليس في هذا العرض أي مبالغة من أي حجم، في وقت يتمسك رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو بفرصة ثمينة ينتظرها منذ حرب تموز العام ٢٠٠٦ للقضاء على القدرات القيادية والعسكرية والجغرافية التي يحظى بها “حزب الله” عند حدوده الشمالية أو تحجيمها أو شلها، والتي تحولت في حسابات العالمين الاقليمي والدولي، الى مانع لأمرين، الأول استكمال التطبيع العربي – الاسرائيلي، والثاني جسر عبور للثورة الاسلامية الايرانية نحو الحدود مع اسرائيل في الجولان والجنوب وغزة، ونحو دول عربية معتدلة وأوروبية متهاونة تسلل اليها لاستكمال الانتشار الثوري الاسلامي في صربيا وكوسوفو ووسط الجاليات العربية والاسلامية، وتعزيز الخلايا النائمة التي تعمل في مجال العمليات الأمنية الهادفة من جهة وتوفير التمويل اللازم الذي يحتاج اليه محور الممانعة المحاصر والمعزول من جهة ثانية.
والواقع، أن لا شيء في هذه الحرب يشبه ما جرى في حرب تموز، أو يجعل نتنياهو، على غرار سلفه ايهود أولمرت، مضطراً الى التنازل أو السعي الى أي وقف لاطلاق النار هو الذي يعتقد أنه يمسك برقبة “حزب الله” وقائده، وأن الهدف المزمن الذي كانت تسعى اليه بلاده منذ العام ٢٠٠٦، يوشك التحقيق، أي تأمين أمن المستوطنات الشمالية من خلال تحييد من يعتبرهم “رجال الخميني”، أو استعادة الشريط الحدودي الذي كان قبل الانسحاب منه في العام ٢٠٠٠، أو التوصل الى تسوية سياسية تفضي الى ترسيم الحدود البرية والى اتفاق سلام أو تطبيع ما بين بيروت وتل أبيب.
والواقع أيضاً، أن نتنياهو الذي دمّر غزة على رؤوس أبنائها ولجم من لجم في الضفة الغربية، يجد الساحة آمنة الآن للانقضاض على “حزب الله” الذي فقد عنصر المبادرة والقدرة على الردع والرد المتوازن بعدما حرمته اسرائيل من معظم قادته المخضرمين والمتمرسين، وجعلت كل عنصر فيه مشروع شهيد، وكل منزل مشروع أطلال، ملوّحة بقدرتها على الوصول الى حسن نصر الله الذي اختفى عن الشاشة تماماً وابتعد عن رجاله في الميدان، وسط أنباء تفيد بأنه ربما نقل الى ايران على عجل أو الى منطقة خارج الضاحية الجنوبية، بعدما بيّنت الوقائع أن جهاز “الموساد” الاسرائيلي قادر على الوصول اليه وتصفيته.
وما يساعد نتنياهو على المضي قدماً في حربه الشرسة والمجنونة، ومن دون أي اعتبار لأي قوانين دولية أو مبادئ انسانية، هو أولاً حجم الخرق الذي حققه تقنياً واستخبارياً في صفوف “حزب الله” من القمة الى القاعدة، وثانياً الحياد الايراني المشبوه الذي تأتى في ما يبدو عن أمرين جوهريين، هما أولاً اغراءات أميركية نقلها وسطاء الى طهران تتعلق اما باحتمال ابرام اتفاق نووي جديد وفك بعض العقوبات، واعتبار ايران شريكاً أساسياً في عمليات صنع القرارات في المنطقة، وثانياً تهديد أميركي يحذر الايرانيين من الدخول في أي قتال مباشر مع اسرائيل أو تحريك الساحات المحسوبة عليها، اذا كانت تريد فعلاً تجنب أي مواجهة مباشرة مع القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط.
هذه الأجواء بات يعرفها “حزب الله” جيداً لكن بعد فوات الأوان، وبات يستشعر حجم الصفقة أو الصفقات التي اتفقت في ما يبدو على ضرورة التخلص منه كقوة عسكرية سواء طوعاً أو قسراً، معترفاً في كواليسه بأن ما يخوضه الآن ليس الا معركة وجود لا يملك فيها فرصة واقعية للانتصار، وبأن سياسة التفرد والمكابرة التي اتبعها أمينه العام في السنوات العشرين الماضية، حوّلته أيضاً الى “سلطان متجبر” لا يتماهى مع أحد خارج بيئته الحاضنة.
ويتردد في أوساط الضاحية الجنوبية، أن ما بناه “حزب الله” بدا وكأنه حصن من ورق، وأن ما وعد به نصر الله لم يكن الا وعوداً وهمية، وأن القادة الذين اعتقدوا أنهم أقرب الى الأشباح منه الى الكيانات المحسوسة، لم يكونوا الا أهدافاً مكشوفة وعارية من أي حصانات استثنائية، وأن العالم السري الذي كانت تتميز به المقاومة الاسلامية، لم يكن الا مصدر معلومات دقيقة جداً لدى الاستخبارات الاسرائيلية والأميركية معاً.
ويكشف مصدر قريب من خط الممانعة أن حالاً من الهلع تسود من تبقى من قادة “حزب الله” الذين باتوا عاجزين عن ايجاد أي مكان آمن يلجأون اليه سواء في الأنفاق أو الجبهات أو المنازل، لا سيما بعد مقتل حسين سرور قائد القوة الجوية التابعة للحزب بعد ثلاثة أيام فقط من استدعائه الى بيروت من اليمن حيث كان يقود حرب المسيرات والصواريخ التي تستهدف الحركة التجارية في البحر الأحمر، واثر محاولة اغتيال علي كركي بعد أيام قليلة على تعيينه خليفة لابراهيم عقيل في قيادة “قوة الرضوان”.
وتقر مصادر قريبة من محور الممانعة، بأن نصر الله الذي لم يتنبه الى مغزى مقتل حليفه المتشدد الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، حاول عبثاً جر ايران الى إسناده في أكثر معاركه خطورة وإحراجاً، وأنه بات مقتنعاً بوجود صفقة ايرانية – أميركية تهدف الى واحد من أمرين، اما حمله على القاء السلاح جنوباً وهذا يعني نهاية جبروته، واما التحول الى مجرد قوة سياسية في الداخل اللبناني على غرار القوى السياسية اللبنانية الأخرى هذا اذا أراد عملياً ألا يتعرض لما تعرض له رفاقه في الحلقة القيادية الضيقة.
وتضيف المصادر: ان حالاً من الارباك والغضب تسود البيئة الشيعية التي باتت تطمح الى هدنة بأي ثمن تبعد عنها الانهيار الكامل بعدما وجدت نفسها فجأة في عالم لا يشبه العالم الذي اعتقدت أنها فيه، أي القوة التي لا تقهر، والمعارك التي لا تخيب، والانتصارات الأكيدة التي لا تنتهي، مشيرة الى أن ما يتعرض له الشيعة في لبنان يبدو أقرب الى الابادة منه الى الشهادة، وأقرب الى النكسة التي يصعب الخروج منها في وقت لم يترك لهم نصر الله نصيراً أو صديقاً في العالمين العربي والغربي، وفي وقت أكلت ايران لحومهم وتركتهم عظاماً.
وختمت المصادر: ان الشيعية السياسية تدفع الآن الأثمان التي دفعتها المارونية السياسية والسنية السياسية من قبل ولو في شكل نسبي، وما دفعه ياسر عرفات وبشار الأسد في لبنان، وأن حسن نصر الله، ما كان يمكن أن يبقى، مهما كانت نتيجة الحرب الحالية، تلك الأسطورة غير القابلة للتهشيم أو التهميش، مشيرة الى أن الرجل لن يتمكن من استعادة سحره وسطوته هو الذي وجد نفسه وحيداً في حصنه منتحباً قادته الكبار، ومفتقداً شعبه الذي توزع على ملاجئ كان يعتقد قبل التهجير أن سكانها هم الأعداء في مكان والعملاء في كل مكان.
انطوني جعجع- لبنان الكبير