“الحزب”… من حرب الحدود الى حرب الوجود “هيهات منا الذلة”: انها حرب الغالب والمغلوب!

من مأزق الى مأزق.. هذه هي حال “حزب الله” الذي وجد نفسه ينتقل من حرب مضبوطة بقرار اسرائيلي – ايراني الى حرب مفتوحة بقرار اسرائيلي وحياد ايراني غريب لا يستند الى أي تبرير منطقي يتجاوز منطق الهرب من الحروب المباشرة والابقاء على حروب الواسطة.

وهذه هي أيضاً حال حسن نصر الله الذي يقر في كواليسه بأن ايران تركته وحيداً في معركة وجودية يقاتل فيها بلحم رجاله، مدركاً أن الهزيمة فيها تعني انهياره مع محور الممانعة عن آخره من بيروت حتى طهران، وأن ما كان ممكناً في الأمس على مستوى التسويات لم يعد ممكناً اليوم، وأن عليه أن يكمل مهمته حتى النهاية سواء طوعاً أو قسراً.

والواقع أن نصر الله خسر ورقة القرار ١٧٠١عندما رفض وقف اطلاق النار مع اسرائيل والعودة اليه كشرط للهدنة بين الفريقين، ليجد نفسه أمام حرب شرسة مفتوحة على كل الاحتمالات وبينها حرب برية قد تدفعه ربما الى ما هو أبعد من شمال الليطاني، أو الى وضع عسكري وسياسي يرخي قبضته على السلطة في لبنان وعلى الساحات العسكرية في الشرق الأوسط.

والواقع أيضاً أن نصر الله خسر نظرية التوازنات التي يمكن أن تضبط ايقاع الخيارات الحربية، ووقع في الفخ الذي نصبه له رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو عندما تلطى خلف اعادة سكان الشمال الى مستوطناتهم، ليوجه ضربات لا تحتمل الى “حزب الله” ورجاله وقادته بهدف جره الى حرب مفتوحة يعرف أن ايران لا تريدها، وأن الولايات المتحدة لن تستطيع أن تقف حيالها على الحياد، خصوصاً عندما تدرك أن النيران بدأت تطوق اسرائيل من الجهات كلها.

ولعل القصف الذي انطلق من العراق واليمن في اتجاه اسرائيل هو التطور الذي يريده نتنياهو لجر أميركا الى الميدان، خصوصاً بعدما رفضت منحه الضوء الأخضر لفتح جبهة الشمال مع لبنان، معتبراً أن لواشنطن مصلحة في تفويضه أمر “القضاء” على “حزب الله”، وتحديداً المتورطون في تفجيرات طاولت جنوداً أميركيين ومؤسسات أميركية من أمثال فؤاد شكر وابراهيم عقيل.

وكشف مصدر ديبلوماسي غربي، أن الأمر لن يطول قبل أن يحصل نتنياهو على تأشيرة من البيت الأبيض للتوسع في الحرب، انطلاقاً من اقتناع متراكم في الدوائر الأميركية، بأن أي انتصار يسجله “حزب الله” يعني انتهاء الوجود الأميركي في لبنان.

وتابع أن لبنان بالنسبة الى الأميركيين يكاد يوازي أهمية تايوان على المستوى الجغرافي والاستراتيجي، مشيراً الى أن واشنطن لا تبني في بيروت أكبر سفارة لها في الشرق الأوسط كي تتخلى عنها عند أول طلقة، مكرراً ما قالته السفيرة الأميركية السابقة دوروثي شيا: “نحن هنا لنبقى”.

وسط هذا المشهد المعقد والمتشابك، يجد “حزب الله” نفسه مضطراً الى القتال دفاعاً عن وجوده لا حدوده، بعدما ألحقت به اسرائيل خسائر بشرية ومادية لم يتكبدها منذ انطلاقته في العام ١٩٨٢، ووضعته في زاوية ضيقة تخيّره بين أمرين: اما التعرض للمحاسبة أمام بيئته الجريحة واما فتح الحساب مع اسرائيل، وهو ما يفعله الآن محاولاً أن يستعيد ميزان الرعب من جهة وهيبته الداخلية والخارجية من جهة ثانية .

وليس سراً أن نتنياهو نفسه ليس أفضل حالاً، فهو لا يستطيع أن يتراجع عن الحرب المفتوحة التي بدأها مع نصر الله اذا لم تُعِد سكان الشمال الى منازلهم، تماماً كما عجز حتى الآن عن اعادة محتجزيه لدى حركة “حماس” في غزة، مشيراً، وفق أجواء تل أبيب، الى أنه بات ينظر الى “حزب الله” كمدخل الى ضرب ايران أو على الأقل لتحجيم دورها واعادتها الى حدودها الطبيعية بعيداً من الدولة العبرية.

ووسط هذا المشهد أيضاً، يبقى “حزب الله” وحيداً في مواجهة اسرائيل، الى أن تقرر ايران دخول الحرب الى جانبه، وهو أمر لا يتجاوز البيانات والاستعراضات العسكرية التي تظهر أسلحة تستخدم ضد أوكرانيا وليس ضد اسرائيل، في حين يمضي نتنياهو بحربه في غزة والضفة ولبنان واليمن مطمئناً الى أن أميركا لن تبيعه كما يمكن أن تفعل طهران مع حلفائها عندما يحين موعد الحصاد مع “الشيطان الأكبر”.

انها حرب الغالب والمغلوب يخوضها نتنياهو من باب الأمن الدائم للدولة العبرية، ويخوضها “حزب الله” من باب “هيهات منا الذلة” مقدماً الكرامات على الحسابات.

انطوني جعجع- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة