خاص شدة قلم: بعد تحوّلنا من جبهة إسناد إلى مواجهة.. ما ذنب الطفولة؟!

لم نكد نصل إلى المنزل أمس الجمعة عائدين من يوم دراسي طويل.. حتى سألتني في السيارة: “بابا عمّو إللي حكي مبارح على التلفزيون حيحكي اليوم؟!.. أنا كتير خايفة الطيران الإسرائيلي يعمل بالجو متل ما عمل فينا مبارح!”..

أجبتها بالنفي وحاولت طمأنتها.. لكن ماذا بمقدوري أنْ أفعله أمام هول العدوان الصهيوني على الضاحية الجنوبية؟!.. بماذا أجيبها وقد رأت بأم عينيها التوتّر قد سرق النوم من عيني؟!.. بماذا أجيبها وهي تسأل: شو يعني “قوّة الرضوان؟!”.. ليه العدو الإسرائيلي عم يعمل فينا هيك؟!.. شو ذنبهم الأولاد والناس اللي قاعدين ببيوتن يموتوا لأن إسرائيل تقصف؟!”..

والسؤال الأصعب كان: “بابا وين الجاموس؟.. وين الضاحية؟!”.. بماذا أجيب أأقول لها بأنّنا نعيش في وطن واحد صغير.. ومصابنا واحد مهما بعد أو اقترب.. أأخبرها أنّ الضاحية على مرمى حجر لا تبعد شارعين أو ثلاث عن منزلنا؟!.. أأخبرها بأنّ الصهيوني الذي لم يفرّق بين ممرض وطبيب ومنقذ يحملون أجهزة “البيجر” التي فجّرها يوم الثلاثاء.. أو بين المدنيين المشاركين في تشييع الشهداء الذين أصيبوا خلال تفجير أجهزة اللاسلكي يوم الأربعاء.. وبين إرهاب الأطفال والكبار بانتهاك أجواء بيروت يوم الخميس.. لا فرق عنده ولا أهمية لمصرعنا؟!..

أأخبرها بأنّ الجبهة اللبنانية لم تعد إسناداً.. بل أصبحت مفتوحة على كل الاحتمالات.. ومصيرنا أصبح أبشع وأصعب من أنْ يحتمله تفكير.. أأخبرها بأنّ مصيرنا قاب قوسين أو أدنى مما تراه في غزة وخان يونس والضفة الغربية ورفح.. ولا فرق فالدم العربي مسلماً كان أو مسيحياً رخيص جداً في نظر المجتمع الدولي.. فيما لو “نفقت” ثلة من الصهاينة “بتقوم الدنيا وما بتقعد”؟!..

والسؤال الأنكى: كيف يمكن الخلاص من شعور الخوف الذي عشعش في صدور الكبار قبل الصغار؟!.. وكيف يمكن ترك الأبناء يعيشون طفولتهم ويستقبلون عامهم الدراسي بفرح.. بعيداً عن القلق والتوتر؟!.. بعيداً عن الخوف على الغد وماذا يمكن أن يحصل بين لحظة وأخرى.. حين تدفع الطفولة ثمن فواتير المتصارعين وتنتهي فصول الحياة.. وهو أسهل ما يمكن أنْ ينفّذه العدو الصهيوني بكبسة زر؟!..

فما ذنب أطفال الجاموس الذين رحلوا في ساعة ذروة بين عائد من المدرسة.. أو متوجه إلى الدكان أو يلعب في الحارة والزقاق.. وما أدراك ما أزقّة الضاحية الجنوبية المتلامسة.. والتي يكاد يسمع في أرجائه المرء أنفاس جاره إذا تنفس..

رحم الله مَنْ رحلوا وجعلهم في أعلى جنانه.. لكن أعان الله الباقين من جرحى ومُصابين.. وأطفأ نيران الأهالي المكلومين.. والخوف كل الخوف على أنْ يُكتب غداً عنّا كما نكتب اليوم..

مصطفى شريف- مدير التحرير

مقالات ذات صلة