مَن يُهدّد باسم يوسف؟

تصدّر الكوميدي المصري المعروف بسخريته اللاذعة النقاشات على السوشال ميديا أخيراً بعدما ألغى تفعيل حسابه على موقع «إكس» (تويتر سابقاً). أثار هذا القرار، الذي أرجعه إلى مخاوف على سلامته وسلامة أحبائه، نقاشاً وتكهنات واسعة النطاق. لكنّ الأكيد أنّ منصّة إيلون ماسك ما عادت تحتمل الأصوات المناصرة لفلسطين…

عندما اختفى حساب يوسف بشكل مفاجئ قبل يومين، تكهّن عدد من معجبيه الذين يبلغ عددهم حوالى 12 مليوناً، بأنّ الحساب قد أزالته منصة «إكس» بسبب آرائه الصريحة حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وخصوصاً في ضوء موقف مالك المنصة إيلون ماسك الإشكالي بشأن حرية التعبير. مع ذلك، أوضح يوسف لاحقاً عبر إنستغرام بأنّ «إكس» لم تحذف حسابه ولكنه حذفه طواعيةً بسبب مخاوف تتعلق بسلامته. وأوضح يوسف الموقف على إنستغرام، قائلاً: «لا، لم تحذف إكس حسابي، ولا أريد أن ألعب دور الضحية باستخدام هذا الأمر». وأضاف أنه قد يفكر في العودة إلى المنصة في حال معالجة المخاوف المتعلقة بالسلامة. يمثّل باسم يوسف، الذي غالباً ما يُطلق عليه لقب «جون ستيوارت العالم العربي»، صوتاً قوياً يتخذ من السخرية أداةً لإيصال رسائله السياسية. وقد استخدم منصته لتحدي الوضع الراهن وانتقاد الأنظمة القمعية وفضح النفاق الغربي في الخطاب السياسي، مع التركيز على محنة الشعب الفلسطيني. ويخترق بسخريته الدعاية التي غالباً ما تحيط بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مقدماً وجهة نظر تلقى صدى عميقاً في العقول الغربية. وعبر معالجة تعقيدات الصراع والسياسة والواقع اليومي الذي يواجهه الفلسطينيون عبر المقابلات التي أجراها طوال الأشهر الماضية، تحوّل يوسف إلى أكثر من مجرّد كوميدي. إذ تُبرز أعماله الأخيرة عبثية المشهد السياسي، مذكراً العالم بأنّ الكفاح من أجل حقوق الفلسطينيين ليس مجرد قضية إقليمية، بل قضية عالمية. وقد عزّز ظهوره المنتشر في برنامج بيرس مورغان في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي دوره كمعلّق ناقد للوضع القائم.

ألغى يوسف تنشيط حسابه على منصة «إكس»، طواعيةً بسبب «مخاوف تتعلق بسلامته». جاء ذلك بعدما انتقد في آخر منشور له على «إكس»، مسألة استخدام اتهامات معاداة السامية بمنزلة تكتيك يقيّد الحديث عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. «كانت تهمة معاداة السامية تجمّد الدم في عروق الناس. أرى الكثير من الناس يدركون الآن كيف يُستخدم تكتيك الخوف هذا لإيقاف المحادثات وإخافة الناس»، كتب يوسف قبل إلغائه تفعيل الحساب.

دائماً ما كان يوسف من أشد المنتقدين للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ولا سيما في أعقاب حرب الإبادة على غزة التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني منذ 7 أكتوبر 2023. وفي مقابلاته، أكد على أهمية التمييز بين «معاداة السامية» و«معاداة الصهيونية»، داعياً إلى إجراء مناقشات دقيقة حول هذا الموضوع. وصحيح أن حساب يوسف على «إكس» لا يزال معطلاً، إلا أنه يواصل مشاركة المحتوى على منصات أخرى مثل تيك توك وإنستغرام وفايسبوك. وقد حذّر متابعيه من انتشار حسابات على «إكس» تدّعي أنها له، قائلاً: «أي حساب آخر ينتحل شخصيتي على إكس هو حساب مزيّف».

آخر تغريداته تتعلّق بشمّاعة معاداة السامية

ويأتي قراره بمغادرة «إكس» بمنزلة جرس إنذار لما آلت إليه المنصة التي كانت تُعرف سابقاً باسم «تويتر». فمنذ استحواذ الملياردير إيلون ماسك عليها أواخر عام 2022، أصبحت – بحسب مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» بتاريخ 12 آب (أغسطس) الحالي – منبراً لجماعات اليمين المتطرف ومكبّر صوت لحملة الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب. ويمكن اعتبار تدخّلات إيلون ماسك الأخيرة، ولا سيّما في انتخابات أميركا اللاتينية ومساعدة الحركات اليمينية المتطرّفة في المملكة المتحدة جزءاً من اتجاه أوسع تستخدم فيه الشخصيات القوية نفوذها لتشكيل المشهد السياسي، وغالباً ما يكون ذلك بطرق تقوّض الديموقراطية. وهذا ما يتناقض بشكل حاد مع شخصيات مثل باسم يوسف، الذي يتحدى عبر السخرية والكوميديا الأنظمة الاستبدادية ويبرز نضالات المجتمعات المهمّشة مثل الفلسطينيين.

في ضوء ما سبق، يمكن القول إنه رغم أنّ منصة «إكس» لم تحذف حساب باسم يوسف، إلا أنها لم تعد تسع لشخصيات مثله. فالمنصة التي يتشدّق ماسك على مستخدميها كل يوم تقريباً بأنها واحة ومنبر لحرية التعبير، تنتشر فيها حسابات يمينية أوكلت نفسها مهمة قمع الحريات والرأي الآخر. وخصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالقضية الفلسطينية.

الاخبار

مقالات ذات صلة