خاص شدة قلم: حين يُصبح الرعب سيد الموقف: “شو ذنب الطفولة بلعبة الكبار”؟!
حلَّ دوري لأدفع فاتورة مشترياتي في إحدى كبريات السوبرماركت في بيروت.. و”من بين كل شي في ناس بهالدنيا” سألتني عاملة الصندوق: “دخلك شو سامع أخبار؟!.. في ضربة؟!.. الخوف هلكنا!!”.. ولم أكد أفتح فاهي حتى عقّبت سيدة تقف خلفي: “كلّنا خايفين.. وعم نموّن بلكي ولعت الحرب وطوّلت”..
هذا الخوف المتفشّي عايشته قبل العدوان الإسرائيلي على حارة حريك بيوم واحد.. أما مساء أمس الأوّل وما بين “العدوان والإطلالة”.. اتصلت بي صديقة تعمل في الإمارات سبق وحجزت لزيارة بيروت يوم 15 آب الجاري.. لتقضي الأسبوعين الأخيرين من الشهر مع الأهل والأصدقاء قبل العودة إلى عملها..
سألتْ: “هل ألغي الحجز رغم شوقي إلى أهلي.. الذين لا ألتقيهم إلا مرتين في العام ولأيام معدودات؟!.. هل أكون انتحارية إنْ أتيت؟!.. أو أكون واقعية لكن جاحدة وبلا ضمير إنْ ألغيت؟! أشعرُ بالضياع والشوق يتآكلني!!”..
ببرود مَنْ يديه في الماء.. ولكن لا أدري إنْ كان ماءً مغلياً أو ثلجياً؟!.. أجبتها: “والله يا بنت الناس.. لا تشكيلي ببكيلك.. لسنا أكثر من بيادق شطرنج يتقاذفوننا.. تهديد من هنا ووعيد من هنا.. اغتيال من هنا وتفجير من هناك.. لستُ أدري إنْ كُنتُ أهلاً لنصحك بالزيارة المحفوفة بالمخاطر أو النجاة بنفسك والمثل يقول: يا روح ما بعدك روح!!”..
أجابتني بلهفة الخائف: “بس أهلي بعادلوا روحي”.. قاطعتها: “لو أنا مكانك بعد في 15 يوم لموعد الطيّارة.. يعني يخلق الله ما لا تعلمون.. وإذا ما خرب الوضع حتى منتصف آب.. اتكلي على الله واللي بصير علينا بصير عليكي”.. فختمتْ كلامها قائلة: “بصراحة معك حق.. لكن سأنتظر خطاب “الكبير” وأبني على الشيء مقتضاه”..
أغلقتُ الهاتف وأنا أتهكّم على نفسي.. وعلى زمن أصبحت فيه حتى “صلة الرحم” رهناً بـ”لعبة الأمم”.. فيما يستمر “الرعب سيد الموقف” بانتظار الإطلالة.. التي تمّت وحمّلت وعيداً بتكتيكٍ رفع من منسوب الخوف والهلع.. متى وأين وكيف؟!
وفيما كنّا لا نزال في رحاب الانتظار.. سمعتني ابنتي خلال الطريق من بيروت إلى عرمون.. فنظرتْ إليَّ وقالتْ: “بابا حيصير في حرب؟! أنا خايفة!!”.. ركنتُ السيارة جانباً وحضنتُ “وليّة عهدي” وأكدتُ أنّها بطلة ولا تخاف من الحروب.. ولكن “اطمئني يا عمر البابا إنْ شاء الله ما في حرب”..
ولم تمر 30 دقيقة على مغادرتي المنزل.. حتىُ تلقيتُ رسالة “واتساب” على هاتفي الجوال.. من ابنتي الوسطى تنقلُ عن لسان أختها الكبرى خوفها من وقوع حرب و”البابا بعيد عنّا”..
خوف ابنتي استعاد شريط آلام وأوجاع أطفال غزّة أمام ناظري.. ولسان حالي يقول: “شو ذنب الطفولة بلعبة الكبار؟!”..
مصطفى شريف- مدير التحرير