خاص شدة قلم: يا صديقي “السوري قعد على مقاعدنا”.. حتى نحن “مش كاين هيك نكون”!!
في ليل مُعتم ومهموم بأفكار المستقبل المُثقل بالأزمات.. والمصير المجهول للشعب اللبناني والأمة العربية أجمع.. رنَّ هاتفي.. إنّه صديق عربي الجنسية وُلد في بيروت وترعرع بين جنباتها.. حتى نطقه للهجة اللبنانية المحكية “القح” عرّضه للتهكم من بين أقرانه في وطنه الأم..
سألني عن أحوال وطنه الثاني الذي فارقه بدافع العمل.. غداة اندلاع ثورة 17 أكتوبر 2019 بأشهر قليلة.. استفسر عن “الهوا اللي نسّم على فيروز”.. وبحث عن “جسر اللوزية” و”القهوة العالمفرق.. والناس اللي بتنطر ناس”.. سألني “وينن؟!.. وين راح شادي؟!”.. سألني عن “القلعة الكبيرة اللي قلبها كبير وبتساع الدنيي كلها”.. سألني عن “أهل الأرض اللي هنّي ترابا”.. وكم تأمل إنو “بكرا يرجع يوقف معهم”..
وبعدما انتهى بث الشوق والحنين إلى مسقط الرأس ومربى الصبا ومرتع الشباب.. سأل كيف الناس؟!.. وهل صحيح ما نراه ونسمعه عبر الإعلام؟!.. هل ازداد التدهور والانحراف والدعارة والمخدرات.. واتجه لبنان نحو هاوية سحيقة ومصير أسود؟!
أجبته بعد زفرة “آهٍ” طويلة جداً.. لبنان سقط في أعماق الهاوية وليس على حافّتها.. لكن ليس بانتشار الدعارة فهي أصلاً موجودة.. ولعلها تراجعت بسبب تراجع منسوب السياح والقادمين من الخارج.. واقتصرت على شبكات تُفضح وتُكتشف بين الحين والآخر..
أما تجارة المخدرات – ولله الحمد – من الجميل الحديث عن مؤشّر إيجابي يُحسب لقوى الأمن الداخلي.. ولعله بسبب الوعود التي قُطعت للدول العربية الشقيقة بـ”قطع دابر” وصول وحش السم الأبيض إلى حدودها..
ولكن ما هو أبشع انتشار ظواهر مُنكرة وغريبة عن مجتمعنا اللبناني عموماً والبيروتي خصوصاً.. ألا وهي اغتصاب القُصّر.. إذ لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن فضيحة نازح سوري اغتصب قاصراً أو قاصرة وقتله أو قتلها..
يُضاف إلى ذلك انتشار السلاح بين أيدي النازحين السوريين من عرمون وخلدة والشويفات إلى النبعة وبرج حمود.. وما مصرع شرطي بلدي أمام حرج بيروت على يدي نازح سوري لعين إلا أكبر دليل على ما نقول.. ناهيك عن المعارك الدموية التي نسمع بها يومياً بين النازحين ببعضهم البعض أو مع اللبنانيين من أهالي المنطقة التي يتواجدون فيها..
ولا ننسى السرقات والنشل وزواج القاصرات وتجارة الرقيق الأبيض.. والأطفال التي تُرمى هنا وهناك وهنالك.. يُضاف إليها انتشار المرأة السورية النازحة بمظهرها المهلهل.. تسحب معها “عرّ ولاد” في كل مكان من كبريات المولات إلى أحقر الأماكن والأزقة..
وماذا أقول بعد.. اللبناني اعتاد على البدائل حرمونا الكهرباء أمّنا الطاقة الشمسية.. فرفعوا التسعيرات بالدولار ونحن لا نرى الكهرباء أكثر من ساعتين في اليوم.. فواتير المياه مليونية وأصلاً “ما في مَيْ دولة.. وإذا “عطونا ياها بتكون موحّلة”.. ومافيا السيترنات تتحكّم برقابنا.. ولن أروي حكايا المصارف والمحروقات والدولار.. والدواء “قصة القصص” بعدما أصبحت الطبابة حكراً على الأغنياء أما الفقراء فلهم الله أو الموت..
والأنكى أقساط المدارس الخاصة التي لم تعد تشبع وما مدارس جمعية المقاصد “اللاإسلامية واللاخيرية” إلا أكبر مثال مع تراوح الأقساط بين الـ2500 و5 أو 6 آلاف دولار سنوياً.. و”من وين بجيب رب العيلة”.. الذي يمتنع عن نقل أبنائه إلى المدارس الرسمية التي لا تخرّج طلاباً – اللهم إلا ما ندر – بل مجرمين وقتلة.. (ولا نشمل طبعا)
وبعد ماذا أخبرك يا صديقي.. الحفلات والسهرات والليالي الملاح لها ناسها.. إما مغترب وإما الـNouveau ou ancient riche.. والقسم الثالث فقير معتّر ومشحّر يتفرّج من برّا لبرّا ويكتفى بالصوت الصادر إلى الخارج..
شادي ضاع يا صديقي.. وهدير البوسطة صار “صرعة توك توك”.. والنازح السوري قعد على مقاعدنا.. و”حتى نحن يا صديقي مش كاين هيك نكون”..
بغصّة الموجوع ودّعني: الله الله يا لبنان.. الله الله يا بيروت.. هيدي آخرتكم؟؟
مصطفى شريف- مدير التحرير