خاص شدة قلم: عن المضائف العاشورائية: “اليوم منتغدى شاورما.. وبكرا منتعشّى رز بلحم ومعجنات”؟!
عام تلو آخر شكّلت “المضائف العاشورائية” ظاهرة جديدة.. وفدت من العراق إلى عادات إحياء الطائفة الشيعية للأيام الكربلائية الـ10 في لبنان.. تمثّلت بانتشار الخيم السوداء المزركشة بالعبارات الحسينية الحمراء والبيضاء.. ومصحوبة بتوزيع المأكولات المرتبطة بالمناسبة كـ”الهريسة، كعك العباس، البسكويت والراحة”.. إضافة إلى زجاجات المياه الباردة..
وينتشر الشباب الذين يشاركون في تحريك “الهريسة” التي تُصنع في قدر ضخم جداً.. بل أحياناً تنتشر الأقدار ومواقدها في مساحات واسعة.. حيث يؤمن المشاركون “عقائدياً” بنيلهم البركات بسبب طهي الطعام وتوزيعه.. كما توزيع المياه تيمّناً بشهادة الإمام الحسين عليه السلام عطشاناً..
كل هذا لا غُبَار عليه.. وأحترم وأُقدّر وأُجِل.. وحتى أنّ زحام السير الذي تتسبّب به هذه الأفعال في الطرقات قد أتغاضى عنها لأنّها مناسبة دينية لفئة من بلدي تستمر أياماً معدودات..
ولكن ماذا عن الإسراف والتبذير؟!.. وماذا عن سباق “شوفوني أنا عملت”؟!.. وماذا عن انتشار أسياخ الشاورما وصدور الأرز باللحم والكنافة.. وسندويشات المرتديلا والجبنة.. وسواها الكثير من التباهي ونشر الفيديوهات أو حتى البث المباشر على تيك توك وإنستغرام؟!
الكثير الكثير من المال يُنفق ويتسبّب بتجمّع طوابير من المتسوّلين من جهة والنازحين من جهة أخرى.. ناهيك عن التدافع والإشكالات التي تنجم عن الزحام.. فهل هذه الأمور ستمنح الأجر والثواب لفاعليها؟!.. وهل إنّ مَنْ يتناولون الطعام على “حُب آل بيت رسول الله”؟!.. أم إنّه تسوّل ومصلحة.. و”اليوم منتغدى شاورما.. وبكرا منتعشّى رز بلحم ومعجنات”؟!..
فعل الخير لا يحتاج إلى “بروبغندا” ووسائل تواصل.. فاعل الخير لا تعرف يمناه ما اقترفت اليسرى.. فعل الخير والإنفاق أوْلَى به أُسر مستورة.. وأطفال يحتاجون إلى العلاج والطبابة.. أو حتى دخول المدارس.. ومن الطائفة الشيعية هناك الكثير الكثير من المُعدمين مقابل الـNouveau Rich بسبب المال الإفريقي..
فعل الخير له أبواب كثيرة جداً ولا يحتاج إلى “الإعلان”.. سيارات عامرة بعلب الكيك والشوكولا من أفخر الأنواع.. تباهياً بأنّ “فلان وزّع من عند المحل الفلاني”.. بل والأنكى – وعلى مرأى عيني – علب شوكولاً مصنوعة من الفضة.. وفيها مسابح من العقيق بما يزيد عن 3 آلاف دولار.. اشترتها سيدة ترتدي “الشادور” وتقود “رانج مفيّم”.. والهدف توزيعها في مجلسها العاشورائي..
با جماعة الخير.. فعل الخير رسالة سماح ومحبة وعطف على اليتيم والمحروم وابن السبيل.. أما “البهورة وشوفة الحال” وتجمهر المتسوّلين وإطعام النازحين “الله لا يشبعهم”.. وسواهم من قوارض الشوارع ما عاد فعلاً للخير.. بل فعلاً لـ”عبدالله” وليس لله..
لذلك وخلاصة القول.. الذكرى العاشورائية التي يُجلّها كاتب هذه السطور.. المنتمي بفخر إلى طائفته السنيّة.. أجمل وأبهى وأرقى ممّا أصبحنا نراه في شوارعنا من صراخ “أنا ما أخدت وأنا ما طلعلي”.. أو كلام “نسوان المجالس: ضيافتنا أغلى من ضيافتها”..
وللحديث صلة عن قطع الطرقات ونشر الثقافة الهجينة وصولاً إلى التطبير والدم المسفوك!!
(الصور من غوغل)
مصطفى شريف- مدير التحرير