غادة عون تواجه “وحيدة”: وزير العدل صامت وباسيل يبدي تضامناً خجولاً جداً
في تشرين الأول العام 2022، طوى لبنان عهد ميشال عون، وانتهت ولاية التيار الوطني الحر الرئاسية، وبدأت حصانة المدعية العامة في جبل لبنان، القاضية غادة عون تتلاشى، وأعلنت السلطة القضائية عن انتهاء أيام رخائها، لتبدأ مرحلة الملاحقة والمساءلة. أحيلت عون عدة مرات إلى التفتيش القضائي، وقرر المجلس التأديبي صرفها من الخدمة. استأنفت هذا القرار، وبدأت معركتها مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.
وفي عهد القاضي غسان عويدات، ادعى عليها بجرم “التحقير والذم وإثارة النعرات الطائفية”، وأصدر تعاميم تهدف لتكبيلها ومنعها من متابعة ملفاتها المصرفية، فتمردت. ومع تسلّم القاضي جمال الحجار مهام المدعي العام التمييزي بعد عويدات، انقضّ القضاء عليها بشكل تام، وأصدر بحقها إجراءات عقابية قاسية جرّدتها من كامل صلاحياتها.
ومع تسريب قرار كف يدها، تحوّل الصراع القضائي بين القاضية عون، وأهل السلطة القضائية إلى سجال سياسيّ بين الأحزاب، وفرصة لتقاذف التهم على وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدًا على تطبيق “X” (تويتر سابقًا).
إجراءات قاسية
عمليًا، اتخذ الحجار إجراءات عقابية قاسية وجريئة بحق عون. كانت كفيلة بعزلها بشكل كامل وتطويقها، وتحويلها من قاضية “العهد القوي” إلى قاضية “ضعيفة” مكفوفة يدها. وكان متوقعًا أن هكذا إجراءات ستغضب عون. وكما جرت العادة، لجأت عون إلى صفحتها الرسمية على تطبيق “X”، لتفجير غضبها. ووصفت قرار الحجار بـ”المخالف للقانون والباطل، وأنه يتطاول على صلاحيات وزير العدل”.
وغضب عون دفعها إلى إلحاق الإساءة بالحجار وبالآلية التي كُلف بها في الثاني والعشرين من شباط الماضي، قائلةً: “تبقى مسألة تعيينه موضع تساؤل وقابلة للطعن، مع العلم أنني لم أتبلغ حتى تاريخه قرار تعيينه مدعي عام تمييزي حتى يبنى على الشيء مقتضاه..”، واعتبرت أن “المنظومة تريد التخلص منها لأنهم اعتادوا على سرقة الناس من دون أي محاسبة”. وحسب معلومات “المدن” فإن عون ستتواجد بداخل مكتبها يوم الإثنين 10 حزيران لمتابعة ملفاتها وجلساتها. علمًا، أن كافة الأجهزة الأمنية توقفت عن التعاون والتواصل معها بشكل نهائي، أي أن زيارتها لقصر عدل بعبدا ستكون بلا أي جدوى.
“حصانة وهمية”
سياسيًا، رُفع الغطاء البرتقالي عن عون، أو بمعنى أدق فُرض عليها مواجهة معركتها وحيدة، فـ”بيّ الكل” لم يعد موجودًا كسلطة. وبعد سنوات من المماطلة وصرف النظر عن تمرّدها، صدر القرار السياسي “بتصفيتها قضائيًا”، فالمخالفات تراكمت وحان وقت إنهاء اللعبة! فوجّه رئيس الحكومة في تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، كتابًا إلى الوزارات والإدارات العامة كافة لوجوب التقيّد والالتزام بالتعميم الذي أصدره النائب العام، والذي يهدف إلى تأمين إعادة الانتظام إلى عمل النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان. ببساطة، هذا يعني أن قرار الحجار حظي بموافقة سياسيّة واضحة. ما يعني أن السلطة قالت “حسنًا فعلت يا حجار”.
تقاذف التهم
على أي حال، اشتعلت المعركة مرة أخرى، واتهمت عون ميقاتي بأنه “يتدخل بشكل سافر في عمل القضاء” ودعت النواب “إلى ملاحقته جزائيًا”. وتعليقًا على عون، رد المكتب الإعلامي لميقاتي “إن دولة الرئيس هو المخول دستوريًا وقانونيًا إصدار التعاميم وتعميمها على الوزارات والإدارات.. لم يتدخل على الإطلاق في أي أمر يخص مضمون الكتاب والقرارات التي اتخذها النائب العام.. بل اقتصر دوره على تعميم مضمون طلب النائب العام التمييزي في شقه الإداري..”.
ومع اشتداد وتيرة الصراع القضائي-السياسي مع عون، غاب وزير العدل هنري الخوري عن الساحة بشكل تام، بالرغم من استنجادها به مرارًا منذ أيام، طالبةً منه التدخل الفوري وحسم هذا السجال. وقبل أيام من إصدار الحجار إجراءاته العقابية بحق عون، وبعدما ردّت عليه بورقة مكتوبة بخط اليد، رافضةً تسليمه ملفاتها المصرفية للإطلاع عليها، أو تبلغ دعاوى المخاصمة المرفوعة ضدها، حوّل الحجار ردّ عون الخطي إلى وزير العدل، طالبًا منه اتخاذ إجراءات بحقها، لكنه لم يحصل على أي إجابة منه حتى الساعة. ورجحت مصادر متابعة لـ”المدن” أن الخوري بانتظار قرار مرجعيته السياسية للتحرك.
“تضامن خجول”!
وكان لافتًا تعليق رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل الخجول، الذي اكتفى بطرح بعض الأسئلة على الرأي العام، من دون أن يعلن تضامنه الكامل مع القاضية عون، قائلًا: “كيف يحق لأي كان أن يمنع الضابطة العدلية من أن تستجيب لإشارات مدعي عام، أي أن يكف يده عمليًا؟ هذا الأمر يعود للمجلس التأديبي وليس لقاضٍ آخر..”. وعلى ما يبدو أن باسيل تناسى أنه جزء أساسي من المنظومة الحاكمة، القادرة على تعطيل البلد لغاياتها الشخصية، وباعتقاده أنه بعيد كل البعد عن أركان هذه المنظومة! وجاء في تغريدته: “لقد صحّ ما نبهنا منه مرارًا.. هذا ما يتم على يد المنظومة الحاكمة التي تريد إدامة إمساكها بالقرار المالي والاقتصادي والقضائي..”، “أين التدقيق الجنائي؟ أين ملف أوبتيموم؟ أين رياض سلامة المطارد دوليًا والمحمي محليًا في كنف هذه المنظومة..”.
ولعل عون كانت بحاجة ملحة إلى دعم علني وواضح في تغريدة باسيل، وهو ما لم يحصل، فأعادت نشر تغريدة سابقة له تعود إلى السابع من أيار العام 2023، وجاء فيها: “ما قام به قضاة مثل غادة عون وجان طنوس وكل قاض شريف آخر هو أنهم فضحوا الباقين الذين لم يجدوا في كل الأزمة التي نحن فيها إلا أن يلاحقوا القاضي الذي يلاحق المرتكبين”.
وإن أردنا تقييم أداء عون القضائي، فيمكن اختصاره بـ”الاستنسابية”. تعاطت مع الملفات والقضايا باستنسابية واضحة، غاصت في بعض القضايا المصرفية بينما تجاهلت الكثير من الدعاوى الموجودة داخل مكتبها. تمرّدت على أهل القضاء، ولجأت في كثير من الأوقات إلى الشعبوية بمعية مجموعة من المؤيدين للتيار الوطني الحر الذين ساندوها مرارًا أمام قصر عدل بيروت، وصفقوا لها عند اقتحامها مصرف لبنان المركزي للتفتيش عن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة داخل خزنة صغيرة وإلقاء القبض عليه. من جهة أخرى، وما لا يمكن التغاضي عنه هو الاعتراف أنها تعاطت بجرأة كبيرة في بعض الملفات، وهي وبحسب شهادة بعض القضاة “لم تقبل بالرشوة طيلة مسيرتها القضائية”.
المدن