في «وقت قاتل»: الإرهاب «دليفري»!
هذه المرة، القصة ليست «دليفري»، بل أبعد من ذلك بكثير. في المرة السابقة، وكان ذلك في العشرين من أيلول الفائت، أطلقت النار، من رشاش حربي، على مدخل السفارة الأميركية في عوكر، من مسافة عشرات الأمتار. تمَّ توقيف منفِّذ العمليّة، وتبين أنّه لبناني من مواليد العام 1997. وبنتيجة التوسع في التحقيق معه، اعترف أيضاً بإقدامه على إطلاق النار باتجاه مجمّع السفارات في محلة زقاق البلاط ليل الخامس والعشرين من آب الفائت، مبرِّراً فعلته أنّه تلاسن مع أحد المواكب خلال مروره قبل عدة أيام على جسر الرينغ، حيث أكمل الموكب طريقه ودخل إلى المجمّع المذكور. من خلال مقارنة السلاح المضبوط مع الرصاصات الفارغة التي عُثِرَ عليها في موقع إطلاق النار قرب مبنى المجمّع، المضبوطة سابقاً، جاءت النتيجة إيجابية. كما تبيَّن من التحقيقات أن مطلق النار آنذاك، كان عامل دليفري، ويعرف منطقة عوكر جيداً.
حادثة أمس أبعد من كونها «قصة دليفري»، إنطلاقاً من المعطيات التي توافرت، مطلقو النار كانوا ثلاثة وليس شخصاً واحداً، وهذا ما يعزز الاحتمالات أنّ إطلاق النار هو رسالة دموية إلى واشنطن، أرسِلَت عبر سفارتها في بيروت، فالسفارة الأميركية في عوكر هي منذ فترة ليست بقصيرة «صندوق بريد» تستخدَم لإيصال رسائل، إما بالصورة وإما بالتظاهرات وإما باستهدافها بالرصاص.
في أكثر من مرة تمَّ تصوير ونشر المبنى الجديد للسفارة الأميركية في عوكر، من الجو، وتمّت قراءة نشر هذه الصورة على أن مَن صوَّرها ومَن وزعها على مواقع التواصل الاجتماعي، قادر على الوصول إلى السفارة.
وفي وقتٍ لاحق جرى تنظيم تظاهرة في اتجاه السفارة، لكن المتظاهرين لم يصلوا سوى إلى ما قبل حاجز الجيش اللبناني أي على بعد أكثر من كيلومتر في اتجاه السفارة، ومع ذلك، أقدموا على إحراق أكثر من متجر في المنطقة التي وصلوا إليها.
ثمة قراءتان لِما يجري مع السفارة الأميركية في عوكر، بحسب مصادر أمنية موثوقة، القراءة الأولى تشير الى أنّ عملية أمس ليست بالاحتراف الذي يتميّز به هذا النوع من الأعمال، بدليل سرعة انكشاف خيوطها، وهنا لا بد من تسجيل السرعة اللافتة للجيش اللبناني ولا سيما لمديرية المخابرات، في تعقب كل الخيوط، كما لا بد من تسجيل التنسيق اللافت بين الأجهزة الأمنية والذي أعطى ثماره بسرعة.
مع ذلك، لا بد من طرح مسألة «الأمن الاستباقي»، لتفادي ما حصل أمس والذي يأتي في «وقت قاتل» على المستويات السياسية والسياحية والاقتصادية، فالبلد يعيش على صفيح ساخن، وأي حادثة شبيهة بحادثة أمس، من شأنها أن تنسف كل الآمال بالضربة القاضية، فليس سهلاً على الإطلاق أن تأتي الحادثة مع اقتراب موسم الصيف والاصطياف وبدء مجيء المغتربين والسياح. بهذا المعنى فإنّ الأمن الاستباقي بات حاجةً ملحة، وبدايته تكون من خلال إسقاط كل الخطوط الحمر أمام الأجهزة الأمنية، فالخط الأحمر الوحيد، الممنوع تجاوزه، هو استقرار البلد.
حادثة السفارة الاميركية «قطوع جديد»، ومع النجاح في كشف خيوطه، سيكون صعباً على الإرهاب أن يعتمد مجدداً الإرهاب بواسطة «الدليفري».
جان فغالي- نداء الوطن