الاعتداء على السفارة الأميركية: ساحة مفتوحة و”أحداث أمنية” غبّ الطلب
أن يستفيق لبنان يوم الأربعاء على خبرين أمنيين يتصلان بمقرات ديبلوماسية، لا بد له أن يستدعي الكثير من التحليلات والسيناريوهات، خصوصاً في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة والتي ترتبط فيها الأحداث اللبنانية. حدثان في سفارتين. الأول إطلاق نار على السفارة الأميركية في عوكر، هي المرة الثانية خلال أشهر. علماً أن المرة الأولى وضعت في خانة عامل “ديليفيري” تعرض لإهانة من أحد حراس السفارة. الحدث الثاني هو انتحار عنصر أمن في محيط السفارة السعودية في بيروت، وهو من عناصر حماية السفارة.
ساحة مفتوحة
يمكن للحدثين أن يكونا جنائيين. ويمكن أن يكونا بخلاف ذلك، لكن الأكيد انهما سيستدعيان الكثير من التحليل والربط. لا سيما أن دولتي السفارتين تنخرطان في مفاوضات منذ أشهر للوصول إلى اتفاقات استراتيجية، بينها اتفاقات أمنية ودفاعية والدخول في مسار سلام أو تطبيع. ومن بين التحليلات التي ستنسج أن هناك من يعترض على هذا المسار، وينتقد الموقف السعودي ويواجه الأميركيين. كما يأتي ذلك بعد تصريحات إيرانية رافضة لمسار التطبيع، وتؤكد أن جزءاً من عملية طوفان الأقصى كان يهدف إلى ضرب مسار التطبيع بين دول عربية وإسرائيل، وبعد تشكيك في إمكانية الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وإثر اتهامات وجهت إلى الولايات المتحدة الأميركية بأنها لا تضغط على اسرائيل بفعالية لوقف الحرب على غزة.
ما جرى يؤكد أن لبنان ساحة مفتوحة، ويراد له أن يتطابق مع الحالة الأمنية والعسكرية المعممة في البلاد، حول التخويف من عمليات إرهابية. فقبل أيام قليلة، أصدر الجيش اللبناني بياناً أفاد فيه أنه ألقى القبض على مجموعة إرهابية، كانت تستعد لتنفيذ عمليات على الأراضي اللبنانية. ومنذ فترة تتحدث التسريبات الأمنية في لبنان عن استعادة بعض المجموعات المتطرفة والمسلحة لنشاطها على الساحة اللبنانية. وهذا ما يدفع الكثيرين إلى نسج المزيد من التحليلات حول استعادة هذه الجهات لنشاطها وعملها غب الطلب ووفق المقتضى.
المثال العراقي
من بين السيناريوهات والتحليلات أيضاً، أن استهداف السفارة يأتي قبل ثلاثة أيام من إجراء قائد الجيش، جوزيف عون، زيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية. تلك الزيارة ستكون على درجة من الأهمية وفق المعايير السياسية والعسكرية. إذ أن قائد الجيش ستكون له لقاءات في الكونغرس، ومع مسؤولين عسكريين. وبالتأكيد، سيُبحث معه ملف الجنوب ودور الجيش في ضبط الوضع وتطبيق القرار 1701، وكيفية تعزيز الحضور العسكري من قبل الجيش اللبناني هناك.
هنا سيذهب كثر إلى التحليل بأن ثمة أطرافاً تعارض ذلك. وهذا الاعتراض لا بد له أن يمر من خلال هشاشة الوضع الأمني والعسكري في لبنان، وفي محيط المقرات الديبلوماسية الأساسية، التي أصبحت بنفسها عرضة للاستهداف. وطالما أنه لا قدرة على ضبط هذا الوضع في الداخل، فسيكون هناك صعوبة كبيرة في ضبط الوضع في الجنوب. لذا، لا بد للاتفاق أو التفاوض أن يحصل مع طرف آخر.
على الأرجح أيضاً، أن هناك من سيتذكر الكثير من الاعتداءات على السفارات الأميركية في دول عديدة، وأبرزها العراق. فلطالما تعرضت السفارة الأميركية في بغداد ومحيطها إلى اعتداءات وهجومات، وكان كثر يضعونها في خانة محاولات استدراج التفاوض أو ممارسة الضغط لاستدعاء التفاوض أو تسريعه، أو التهديد بأن أي خلل في العلاقة المرسومة لا بد أن ينعكس اهتزازاً أمنياً يطال السفارة وغيرها من المقرات. علماً أن استهدافات السفارة الأميركية في بغداد كانت تحصل إما بصواريخ أو مسيّرات أو بغيرها من الأسلحة، على الأرجح كلها غير متاحة حالياً في لبنان.
تحليلات كثيرة ستنطلق بانتظار التحقيقات التي قد تحسم وقد لا تحسم الأهداف والدوافع، إلا أن لبنان بلد مشبع بنظرية المؤامرة، وإن كان الأمر مسألة جنائية، سيبقى الشك قائماً بالنسبة إلى كثر، يعتبرون أن “العقل أو اللعب الأمني” قادر دوماً على الابتكار.
منير الربيع- المدن