“نعلم مكان حسن نصرالله… ويمكننا اغتياله إذا أردنا”: ماذا وراء هذا التصريح الإعلامي؟
على إسرائيل أن "تفطم نفسها عن عادة التهديد تجاه نصرالله، فإما أن تنفذ ذلك، أو تصمت"
لا شك أن خروج رئيس الموساد السابق، يوسي كوهين، بعد ثمانية أشهر من القتال الدائر بين “حزب الله” وإسرائيل، بتصريح إعلامي عبر إذاعة الجيش، كي يقول “إننا نعلم مكان حسن نصرالله، ويمكننا اغتياله إذا أردنا”، يُمكن فهمه وتفسيره في سياقين: عام وشخصي.
وتجلى السياقان في طريقة تفاعل وسائل الإعلام العبرية، والمنشورات الإسرائيلية في مواقع التواصل، مع الخروج الإعلامي غير المألوف لكوهين، بعد ثلاث سنوات من إنهاء مهمته رئيساً للموساد.
وبتحليل الرسالة والدافع، فإن توقيت مفاخرة كوهين بمعرفة مكان وجود الأمين العام لـ”حزب الله” وإمكانية اغتياله “متى شاءت إسرائيل”، يندرج في سياق عام متمثل في رسائل الترهيب المتبادلة بين الحزب وإسرائيل، خصوصاً مع تصاعد القوة النارية الميدانية بين الطرفين في الأيام الأخيرة.
وبدت الرسالة الإسرائيلية الرسمية مطلوبة على لسان رئيس سابق للموساد، لأن الأخير لم يخرج للإدلاء بمعلومة أمنية مزعومة، من دون تنسيق مع المستويات الأمنية الرسمية، كي لا يقول شيئاً “يحدث ضرراً لتل أبيب”، عدا أنه ترأس جهاز استخبارات المهمات الخارجية، ولم يمر كثير من الوقت على انتهاء مهمته، وهو عامل حاول كوهين أن يوظفه في سبيل إضفاء “وقع وأهمية على تصريحه”، ولو أنهى مهمته الاستخباراتية قبل 3 سنوات.
رغم ذلك، لاقى تصريح كوهين نقداً من صحافيين ومحللين إسرائيليين، منهم محرر الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، جاكي حوجي، الذي قال إنه يتعين على إسرائيل أن “تفطم نفسها عن عادة التهديد تجاه نصرالله، فإما أن تنفذ ذلك، أو تصمت”.
ولعلّ انتقاد حوجي لكوهين ينسجم مع انتقادات أخرى من محللين وصحافيين، من منطلق أن التصريح لا يردع حزب الله، بل يظهر أن إسرائيل هي “المردوعة”، وأنها لم تنفذ خطوة اغتيال نصرالله، رغم معرفتها بمكانه، لأنها تخشى التداعيات. وهنا، تابع حوجي: “عندما تهددون ولا تفعلون، فهذا يدفع العدو إلى الاعتقاد بأننا خائفون”.
واللافت أن حوجي شكك بقوة، بأن تكون إسرائيل قادرة على شن هجوم واسع النطاق ضد لبنان، معتبراً أن كلاً من نصرالله وإسرائيل يعلمان ذلك جيداً. وختم حديثه بنصح إسرائيل بـ”الصمت في مثل هذا الوضع”.
ومن غير المستبعد أن يكون هدف تهديد كوهين لنصرالله، ، هو الأمل في ردعه عن تصعيد عملياته ضد إسرائيل، نتيجة استفزاز إسرائيلي مما جاء في خطاب نصرالله الأخير، حينما قال في معرض تعليقه على استهداف موقع “الرامية” أن “المجاهدين باستطاعتهم الدخول إلى موقع الرامية إذا أرادوا”.
بموازاة ذلك، يُستشف من معالجات إعلامية عبرية، وتحليلات نخبوية إسرائيلية، بأن لسان حالها يقول: “ليت يوسف كوهن بقي صامتاً”، من منطلق أن أي لغة تصعيد وتهديد ضد حزب الله على لسان مسؤول إسرائيلي سابق أو حالي، تأتي بنتيجة عكسية، وبشكل سريع وعاجل، عبر تصعيد ميداني أكبر.
وجاءت تطورات القتال في الجبهة الشمالية، وما تلاها من حرائق هائلة في كيبوتسات إسرائيلية، لتشكل دعماً لأصحاب الرأي القائل أن “التهديدات الجوفاء من قبل مسؤولين إسرائيليين يقابلها تصعيد حزب الله للقوة النارية في القتال”.
وإلى جانب السياق الأمني العام لتصريح كوهين، هنالك سياق شخصي أيضاً، تطرقت إليه تغريدات كتبها إسرائيليون في موقع “إكس”، أشارت إلى غاياته السياسية من وراء الظهور في الإعلام، تحت غطاء التصريح ضد حزب الله، ونصرالله.
وبرزت تغريدة إسرائيلية مزجت بين التهكم والتشكيك في دوافع كوهين، اعتبرت أن ما قاله “استمرار للمؤامرة، وأن كوهين يخطط لأن يكون رئيساً للوزراء، لكنه يتحدث هراء”. كما نوه المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحيم، في تغريدة، إلى غايات كوهين السياسية من وراء تصريحه. وكتب: “أخذ يثرثر ويفاخر بدخوله النظام السياسي، والإشارة إلى الحكمة الصامتة”.
ووجدت شابة إسرائيلية فرصتها في توجيه نقد لاذع للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بقولها أن “كوهين يعلم أين يختبئ نصرالله لكن الموساد والشاباك لم يكونا على علم مسبق بهجوم 7 أكتوبر!”.
والحال أن إدلاء كوهين بتصريحه الإعلامي بخصوص نصر الله جاء بعد أيام من تسريبات لصحف دولية عن مهمة سرية تولاها كوهين عندما كان رئيساً للموساد، تركزت على تهديده المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السابقة، فاتو بنسودا، لمنعها من التحقيق في جرائم حرب إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل سنوات، بموازاة محاولاته استمالته بنسودا لجعلها “متعاونة مع الموساد”.
ويبدو أن الدافع من التسريبات استذكار “إنجازات كوهين”، وهو ما يثير التساؤل عن الغاية من إعادة ذكر اسمه، تارة بتسريبات متعلقة بالمحكمة الدولية، وتارة أخرى بتصريح علني للإذاعة العبرية عن حزب الله، وسبل ردعه.
ادهم مناصرة- المدن