المملكة الثابت وسط المتحوّلات: السّعوديّة ولبنان… لا شيطنة ولا شياطين
لا شيطنة ولا شياطين. هكذا تنظر المملكة العربية السعودية إلى الواقع السُّنّي في لبنان. هي لا تقلق من هواجس التطرّف والمتطرّفين، فالبيئة السنّيّة اللبنانية تراها المملكة غير قابلة ولا حاضنة ولا مشجّعة لأيّ تطرّف.
هي بيئة لفظت وتلفظ وستلفظ كلّ أشكال وأنواع المتطرّفين، وكلّ ما يُقال عن ذلك ويحاك في المسار إلى ذلك رغباتٌ وطموحاتٌ فردية وأحاديّة عند بعض الدول إلى استعادة دور أو إعادة صنع مرحلة انتهت ولم يعد هناك سبيل لإعادة إنتاجها.
السُّنّيّة اللبنانية التي أنتجت رياض وتقي الدين الصلح ورفيق الحريري وحسن خالد وصبحي الصالح ومحمد عساف لا يمكنها بأيّ شكل من الاشكال أن تنتج تطرّفاً. “شهداؤها سقطوا على مسرح الدفاع عن الاعتدال”، وهو المصطلح الخاصّ بالسُّنّة على مرّ السنين. اغتيلوا لإيمانهم بالتعايش والحفاظ على الوطن. لم يسقط للسُّنّة شهيد عند محاور التفرقة والتشدّد والغلوّ.
تتعاطى السعودية مع سُنّة لبنان عبر ثلاثة ثوابت:
1- السُّنّة هم المكوّن اللبناني الأوّل الذي خرج من عنق الزجاجة متقدّماً باقي المكوّنات عبر إسقاط الأحادية لمصلحة التعدّدية السياسية. خرج السُّنّة من عباءة الزعامة الواحدة إلى خيمة التعدّدية، وفي ذلك إثراء لهم.
2- المصاعب الاقتصادية ليست حكراً على سُنّة لبنان. بل أصابت كلّ المكوّنات اللبنانية من دون استثناء. وما أصاب السُّنّة أصاب المسيحيين والشيعة والدروز، لكنّ شعور السُّنّة بهول الأزمة الاقتصادية يأتي على خلفيّة أنّ أكثريّتهم تتمركز في المدن، والأزمات الاقتصادية تبلغ ذروة قساوتها في المدن قبل الأرياف.
3- لا وجود لبيئة سنّيّة صالحة لنموّ التطرّف وتمدّده، فهي بيئة تقوم على المؤسّسات العريقة التعليمية والخيرية والدينية التي تشكّل قلاعاً تسقط عند أسوارها كلّ أفكار التطرّف.
ترى المملكة العربية السعودية أنّ إلصاق شعار المظلومية بسُنّة لبنان فخّ يقود هذا المكوّن اللبناني الأساسي نحو اليأس والتيئيس بحيث يسهل بعد ذلك قضمه والهيمنة على مقوّماته واللعب بمشاعر الشباب فيه.
السُّنّة لم يتعرّضوا لمظلومية مطلقاً. نبضهم يرتبط بنبض الدولة ومؤسّساتها. إنّه ارتباط بنيويّ لا يخضع للظرفية ولا المزاجية. عندما يضعف نبض الدولة، يضعف نبض السُّنّة. وعندما يقوى نبض الدولة، يقوى نبض السُّنّة. شعروا بذلك عبر تاريخهم مع رئيس حكومة الاستقلال رياض الصلح، ثمّ مع الرئيس رفيق الحريري وقبله صائب سلام. لم يقوَ السُّنّة برفيق الحريري في حينه بل شعروا بالقوّة والحضور لأنّ رفيق الحريري عمل على تقوية الدولة وتعزيز حضورها.
لوحة الوطن الجامع
لا تنظر المملكة العربية السعودية إلى سُنّة لبنان كلوحة منفردة عن باقي لوحة الوطن الجامعة. تميّزهم بوجودهم في هذه الفسيفساء، وأيّ انفصال أو ابتعاد سيكون بداية تآكلهم. ومن خلال هذه النظرة الشمولية للسعودية في لبنان تنظر المملكة بتفاؤل كبير على الرغم من كلّ الصعوبات والمعوّقات لأنّها تدرك أنّ السير باتّجاه استعادة الدولة ومؤسّساتها وإصلاح الوضع الاقتصادي لا يحتاج إلى وقت طويل كما تحتاج باقي الدول المتعثّرة.
مساحة لبنان هي 10,452 كلم2، لكنّ المنطقة المأهولة لا تتجاوز 6,500 كلم2، أي أنّ المساحة التي تحتاج إلى التنمية والعمل الحثيث لإنهاضها اقتصادياً واجتماعياً وخدماتيّاً تقارب مساحة مدينة جدّة السعودية عروسة البحر الأحمر.
تنظر المملكة إلى الواقع اللبناني باطمئنان مستندة إلى ثلاث وقائع:
1- البديل الوحيد عن اتفاق الطائف هو تنفيذ اتفاق الطائف.
2- الثابت الواجب المحافظة عليه من دون أيّ تعديل هي وثيقة الوفاق الوطني التي لا يجوز مسّها، لكنّ لا عيب في النظر والتشاور حول أي ثغرات إدارية في تطبيق الدستور. وهي تأتي في سياق الأداء الإداري الذي تسعى كلّ دول العالم بما فيها السعودية إلى تعديله وتطويره عند الحاجة.
3- الأطراف الرئيسية في لبنان باتت في مرحلة ليست بقادرة فيها على التقدّم ولا التراجع، وطوق النجاة واحدٌ لا غير، وهو الدولة ومؤسّساتها.
تنظر المملكة إلى أزمة لبنان واللبنانيين على أنّها أزمة ثقة، إذ لا يثق الكلّ بالكلّ في السياسة والأمن والاقتصاد وصولاً إلى الثقافة، وأنّ الكواليس اللبنانية مليئة بالتوقّعات لا الوقائع. ومن هنا كانت المملكة العربية السعودية حريصة على وضع معايير لنفسها وللّجنة الخماسية في التعاطي مع لبنان، وهي:
1- دول الخماسية ليست بديلة عن الشعب اللبناني ولا وكيلة عنه.
2- دول الخماسية لا يمكن أن تكون طرفاً في المعادلة الوطنية.
3- تجنّب دول الخماسية اللبنانيين تناقضاتها بحيث لا ينعكس أيّ تباين بين دول الخماسية على عملها من أجل لبنان.
4- أيّ رغبة بالمشاركة المباشرة أو إدارة المشاورات يجب أن لا تمسّ سيادة لبنان.
المملكة العربية السعودية بموقفها من لبنان كانت الثابت وسط المتحوّلات. ثمّ يأتي أحدهم ليسألك دون إدراك ولا وعي: لماذا تخلّت المملكة عن لبنان؟!
زياد عيتاني- اساس