بعد كارثة لـ”البايجر”: هل يرد “الحزب” أو يعضّ على جرحه؟
هل لا يزال “الحزب” قادراً على البحث عن نظام المعركة الجديد؟
تتجه الأنظار إلى ما سيفعله “حزب الله” بعد كارثة تفجير اسرائيل لـ”البايجر” والأجهزة اللاسلكية التابعة له، ما أدى إلى إصابة الآلاف من عناصره، وقد وصف مراقبون لبنانيون ودوليون ما جرى في 17 أيلول 2024 بأنه حدث مفجع مشابه لـ11 أيلول الأميركي و7 تشرين الأول الاسرائيلي، لذلك يمر لبنان اليوم بمرحلة خطيرة قد تؤدي إلى تطوّرات دراماتيكيّة.
لا يختلف إثنان على أن “الحزب” لا يزال يُلملم جراحه بعد الضربة الكبيرة التي تعرّض لها، علماً أنها لم تنتهِ بعد، ومن البديهي أن يأخذ وقتاً ليس قصيراً ليتمعّن بما حصل وأسبابه وظروفه ونتائجه، بحيث بات واضحاً ومنطقياً أن اسرائيل تتفوّق عليه من الناحية التكنولوجية بأشواط كبيرة، إضافة إلى قدراتها الاستخباراتية العالية، لذلك البحث عن ردّ فعل “الحزب” لا يزال مدار بحث، وربما كلمة الأمين العام لـ”الحزب” حسن نصر الله اليوم ستجيب عن كثير من الاسئلة، إذا لم يكتفِ بالجانب الوجداني والتفسير التقني لما حصل.
أما الخبير في الشؤون الأمنية والسياسية العميد المتقاعد خالد حمادة فكانت له مقاربة واضحة لهذا الحدث المفجع، اذ أكد أن “ما حصل في اليومين الفائتين شكّل صدمة كبيرة للحزب على مستوى عنصر المفاجأة بعدما تمّ تفجير آلاف الأجهزة خلال 30 دقيقة، وقد أصيب الآلاف، وعلينا أن نعترف بأن العمليّة الأمنية الاستخباراتيّة تمكّنت من إحداث فجوة عميقة في منظومة الاتصالات والقيادة والسيطرة لدى الحزب، وهذا ما سينعكس تلقائياً على مستوى الأداء الأمني والميداني والمستوى المعنوي، ويجب أن لا ننسى أن اسرائيل وضعت 3 آلاف عنصر من الحزب خارج الميدان بل خارج الخدمة”.
لا شك في أن القدرات البشريّة لـ”الحزب” أصيبت بنكسة كبيرة، ورأى حمادة أن على “الحزب” أن يُفكّر في كيفيّة إعادة هيكلة وحداته التي لن تتمكّن من استعادة وضعها الطبيعي قبل بضعة أسابيع وربما بضعة أشهر، وهو في مأزق حقيقي في ايجاد الطريقة لترميم منظومة اتصالاته وجهوزيته القتالية.
أما السؤال الأكبر، فهو هل لا يزال “الحزب” قادراً على البحث عن نظام المعركة الجديد؟ هذا حتماً ليس بالشيء السهل بعد ما حصل في اليومين الفائتين!
كذلك ثمة من يتساءل: هل ما فعلته اسرائيل هو مقدّمة لحرب كبرى ضد “الحزب”؟ أجاب حمادة: “لا أعتقد أن ما ذهبت إليه اسرائيل هو مقدّمة لحرب بمعنى الغزو البري للبنان، لأنها مقيّدة بالشروط التي وضعتها واشنطن وكررها منذ أيام قليلة موفدها الديبلوماسي آموس هوكشتاين في اسرائيل، وهي شروط تمنعها من القيام بعمل عسكري بالمعنى التقليدي الميداني، وما فعلته اسرائيل كان استخدام قدراتها التقنية لتسديد ضربة للحزب، ما يضمن أن يبقيها خارج دائرة الإحراج حيال الولايات المتحدة الأميركية بصرف النظر عن البُعد الإخلاقي أو البُعد اللااخلاقي لهذه العمليّة”.
من جهة أخرى، لن تعطي اسرائيل “الحزب” من خلال هجوم بري سبباً ليسجّل عليها نقاطاً، وفق حمادة، بل لن تلجأ إلى أسلوب حرب تموز 2006، وستستمر في اللعب في ملعبها التي تتفوّق فيه من حيث القدرات التقنيّة والقدرات الجويّة.
من الواضح أن زمام المبادرة هو في يد اسرائيل إذ تعتمد على جمع المعلومات الاستخباراتية واستطلاع الأهداف ومعالجتها بواسطة القوات الجويّة والمسيّرات، واعتبر حمادة أن “اسرائيل أدخلت في اليومين الفائتين بُعداً جديداً هو بُعد المهاجمة عبر الاتصالات، وهذا حتماً بُعد غير مسبوق، ونجحت فيه اسرائيل وألحقت خسائر كبيرة بالحزب”.
لا يحبّذ العميد حمادة تقييم الموضوع بمعيار الربح والخسارة، بل بالمعيار الوطني إذ تكبّد لبنان تداعيات سلبيّة لمغامرة عسكرية قام بها “الحزب” متخذاً القرار بنفسه من دون العودة إلى اللبنانيين، لذلك على “الحزب” أن يذهب إلى خيارات تراعي اللبنانيين لجهة المصير الذي يُفرض عليهم ولا يشاركون “الحزب” فيه، وبالتالي ما يجوز الرهان عليه هو مشهد التضامن اللبناني حكومياً وديبلوماسياً وطبياً وشعبياً، هؤلاء تبرّعوا بالدم وتفاعلوا ايجاباً مع “الحزب”، وحاولوا ترميم الخسارة ورفع المعنويات، وقد نجحوا كثيراً في ذلك.
يجب أن يستفيد “الحزب” من هذه المشهديّة لتحويلها إلى مشهد وطني في مواجهة اسرائيل، وشدد حمادة على وجوب “أن تكون مواجهة اسرائيل هماً وطنياً وليس مذهبياً أو حزبياً، ولا يجوز أن يقودها الحزب بل الشعب اللبناني ممثلاً بالحكومة والمؤسسات، لذلك المطلوب من الحزب أن يتراجع خطوة أو أكثر إلى الوراء ليرى المشهد بعين المصلحة اللبنانية وليس بعين المصلحة الايرانية أو الإيديولوجيّة المذهبيّة”.
في الختام، لا يتوقّف خيار مواجهة اسرائيل على “الحزب”، وبدلاً من التفكير في الردّ العسكري الذي سيعطي اسرائيل حجة إضافية لتوجيه ضربات نوعيّة أخرى الى “الحزب”، يجب أن يكون الردّ على الصعيد الوطني من خلال الرهان على مشهد تضامن اللبنانيين مع بعضهم البعض بدلاً من فرض مصير لم يقرروه والتسبّب في المزيد من الدمار للجنوب اللبناني، والامتناع عن المغامرات الفرديّة غير المدروسة أو الإعتماد على قوة اقليمية لا تراعي المصلحة الوطنيّة وتؤدي إلى تداعيات على لبنان بكامله.
جورج حايك- لبنان الكبير