غياب لودريان سيطول جداً ولا أفق لتجدد اجتماعات الخماسية: الكيان اللبناني بخطر!

إنها المرحلة الأكثر وضوحاً في إجهاض كل المبادرات والمحاولات الخارجية لانتخاب رئيس للجمهورية. تنشغل الساحة اللبنانية في تفاصيل وتخمينات لتفسير فحوى ومضمون ونتائج وتداعيات زيارة المبعوث الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى بيروت، واللقاءات التي عقدها. تفاصيل لن تكون مؤثرة على جوهر التطورات، خصوصاً في ظل المواقف المتناقضة التي يطلقها كل طرف، حاول أن يسمع أو يستدرج لودريان إلى الخانة التي يريدها. فيما التناقض يظهر واضحاً لدى كتلة الاعتدال. إذ أن أحد النواب قال إن المبعوث الفرنسي تحدث عن الخيار الثالث، لينفي نائب آخر من الكتلة نفسها، وحضر الاجتماع ذاته أي نقاش في الخيار الثالث أو مقاربة الأسماء.

التناقض نفسه، خيم على لقاء المبعوث الفرنسي برئيس تيار المردة، سليمان فرنجية. إذ أن بعض المقرّبين من فرنجية أكدوا أن اللقاء كان إيجابياً. وأن لودريان لم يطلب من فرنجية الانسحاب، ولم يتحدث في الخيار الثالث، وشدد على ضرورة التوافق والتقارب بين الأفرقاء. فيما جو آخر قريب من فرنجية أيضاً، يتحدث عن أن لودريان حاول السؤال عن إمكانية الانسحاب والتوافق على مرشح مع قوى المعارضة، ليأتي الرد أنه بحال التوافق بين المردة، وحزب الله، وحركة أمل، والتيار الوطني الحرّ، وبعض الحلفاء والمستقلين على مرشح غير فرنجية، فيمكن لهذا الفريق أن ينتخب رئيساً حليفاً وموالياً له. فلماذا يكون الاتجاه إلى مرشح للمعارضة أو يوافق عليه المعارضون؟

تناقض ثالث بدا واضحاً من خلال لقاءات لودريان في عين التينة ومعراب. ففي الأولى لم يتحدث لودريان عن خيار ثالث. بل شدد على مسألة التوافق والذهاب إلى تشاور وعدم تسميته بالحوار، وأيد مساعي برّي، الذي ردّ بأن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع هو الذي يعرقل الحوار، وطلب من لودريان إقناعه بالمشاركة في الحوار أو التشاور. أما جعجع فقد أشار إلى أن لودريان تحدث عن أن برّي كان إيجابياً، وبما أنه كذلك فيجب أن يدعو إلى جلسة لانتخاب الرئيس، وعدم الذهاب إلى جلسات حوار أو تشاور.

غياب لودريان والخماسية
وفق هذه الطريقة يدار الملف الرئاسي في لبنان، والذي على ما يبدو سيكون في إجازة طويلة، طالما أن كل المعلومات تفيد بأن غياب لودريان سيطول جداً، ولا أفق لتجدد اجتماعات اللجنة الخماسية. يبدو ذلك وكأن الجميع قد سلّم في تأجيل الاستحقاق إلى ما بعد اتضاح الصورة في المنطقة.

يظهر ذلك بوضوح الاختلاف في المقاربات بين الفرنسيين واللبنانيين. ففرنسا تسعى إلى انتخاب الرئيس سريعاً، وقبل شهر تموز، وإلا سيكون الاستحقاق بعيد المنال. في المقابل، لبنانياً، فإن الخلاف القائم من شأنه تأجيل الاستحقاق إلى فترة غير محددة. وإذا كان الفرنسيون يسعون إلى انتاج تسوية قبل حسم مسألة الحرب في غزة وجنوب لبنان ووجهتها، فإن حزب الله وحركة أمل وغيرهما من الأفرقاء يفضلون الانتظار، لأن نتائج المعركة والمفاوضات السياسية هي التي ستنعكس على التسويات الداخلية.

على وقع هذا الاختلاف في المقاربات، تجاوز اللبنانيون موقفاً مهماً أطلقه المبعوث الفرنسي عندما أبدى تخوفاً من زوال لبنان السياسي. وهي من المرات النادرة التي يقول فيها مسؤول ديبلوماسي مثل هذا الكلام بشكل مباشر وواضح، ومن دون أي تجميل.. في محاكاة للانهيار اللبناني القائم منذ العام 2019 وانفجار مرفأ بيروت في 2020. وهنا مكمن الخطر في ما حاول الفرنسيون التحذير منه ربطاً بالوقائع السياسية، وبمجريات الحرب في الجنوب، القابلة للتصعيد. فهي ستؤسس إلى متغيرات كثيرة، خصوصاً في ظل تضارب المشاريع السياسية في الداخل، بين إصرار حزب الله على مرشحه، ورفض قوى المعارضة، التي تعتبر أنها لا تريد التعايش مع السيطرة السياسية للحزب.

وهذا الصراع هو الأساس بما يتعلق بالكيان السياسي اللبناني وهويته.

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة