مؤتمر بروكسل “يمنع” عودة اللاجئين..
لن يسمح الاتحاد الأوروبي بعودة أكثر من 5 مليون لاجئ سوري في المنطقة إلى سوريا، والثمن المقابل هو أكثر من ملياري يورو (نحو 2.2 مليار دولار).
جملة واحدة يمكن أن تختصر فحوى مؤتمر بروكسل: لن يسمح الاتحاد الأوروبي بعودة أكثر من 5 مليون لاجئ سوري في المنطقة إلى سوريا، والثمن المقابل هو أكثر من ملياري يورو (نحو 2.2 مليار دولار).
بعد 13 عاماً
فقد شهدت العاصمة البلجيكية، بروكسل، الاثنين في 27 أيار 2024، على انعقاد المؤتمر الثامن لـ “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، وكرست فيه 27 دولة أوروبية رفضها لمجرد طرح فكرة عودة اللاجئين السوريين، بسبب ما وصفته بعدم الاستقرار في سوريا في عهد رئيسها بشار الأسد. جاء ذلك مقابل إعلانها عن تقديم أكثر من ملياري يورو لدعم اللاجئين السوريين، في سياسة مستمرة بعد نحو 13 عامًا من الحرب في سوريا. ومن خلال الكلمات والمواقف التي شهدها المؤتمر، بدا واضحًا أن الملف السوري بات ثانويًا، سياسيًا ودوليًا وإنسانيًا، بذريعة أن ثمة ملفات وقضايا أكثر إلحاحًا، وفي طليعتها الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
وبوضوح لا لبس فيه قال جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: “بينما يرغب الاتحاد الأوروبي في أن تكون العودة إلى الوطن خيارًا واقعيًا لجميع اللاجئين، في كل مكان ودائما، فإننا نتفق مع منظومة الأمم المتحدة على أن الظروف الحالية لعودة آمنة وطوعية وكريمة إلى سوريا ليست متاحة”.
ولم يخلص المؤتمر إلى وضع أي خريطة طريق تمهد إلى الحل السياسي في سوريا، في ظل موقف سلبي من النظام السوري والقطيعة معه والعقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على سوريا. واكتفى بورويل بالقول: “على الرغم من الافتقار إلى تقدم في الآونة الأخيرة، لا بد أن نعيد مضاعفة جهودنا لإيجاد حل سياسي يدعم تطلعات الشعب السوري لمستقبل سلمي وديمقراطي”.
في حين كانت كلمة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لافتةً، لا سيما أن الأردن يستضيف حوالى 1.3 مليون سوري، قائلاً بأن “المجتمع الدولي يتخلى عن اللاجئين السوريين مع تضاؤل التمويل اللازم لدعمهم في البلدان المضيفة، مما يشير إلى ضرورة إيجاد سبل لتسهيل العودة الطوعية إلى سوريا”. وقال الصفدي: “لا يمكن حل القضية إلا بعودة اللاجئين إلى بلدهم، ونحن بحاجة إلى التركيز أكثر على تهيئة الظروف الملائمة لعودتهم طوعًا”. وقال أيضًا: “من الواضح أنه يتم التخلي عن البلدان المضيفة للاجئين السوريين”.
كذلك قال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب: “تبدلت الأولويات خارجيًا، ولم يعد ملف اللجوء السوري يحظى بالاهتمام الدولي ذاته. إضافةً إلى شحّ الموارد الذي انعكس حكمًا من خلال تقليص المعونات المقدمة من المنظمات الدولية”.
الأسد مسؤول
وأشار بوريل إلى أن الاتحاد الأوروبي تعهد بتقديم 560 مليون يورو في عامي 2024 و2025 لدعم اللاجئين في سوريا ولبنان والعراق والأردن، إضافة إلى مليار يورو أخرى لتركيا. علمًا أن الدعم الدولي المالي للاجئين السوريين يتراجع سنويًا، بسبب تخفيض مساعدات الجهات المانحة.
وأصر المسؤول الأوروبي على رفع المسؤولية عن عاتق المجتمع الدولي وعن الدول الأوروبي، التي تخشى من إبحار مئات قوارب اللاجئين نحوها، برمي المسؤولية على عاتق الأسد الذي أعاد سيطرته على معظم سوريا بعد الحرب، علمًا أنه تم تغييب الحكومة السورية عن أعمال المؤتمر المعنية به، وقال: “نحن نصر على أن نظام الأسد هو الذي يتحمل المسؤولية الأساسية عن تحقيق شروط العودة”.
ويأتي مؤتمر بروكسل قبل الانتخابات الأوروبية المقررة يومي السادس والتاسع من حزيران المقبل، وتمثل قضية الهجرة أولوية في المجتمع الأوروبي سياسيًا وشعبيًا. وأوروبا التي ترفض استقبال المزيد من اللاجئين السوريين، وتكرس جهودها للتصدي لقوارب الموت الآتية من المتوسط، قال باسمها بوريل: “نتوقع من شركائنا احترام القانون الدولي، بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية، ورفض وإدانة أي عمليات ترحيل قسري”.
مطالب بو حبيب
ويعد لبنان من أكثر الدول التي تشكل هاجسًا لدول الاتحاد الأوروبي، خصوصًا مع تصاعد هجرة السوريين بحرًا من شواطئه في رحلات غير منتظمة، لا سيما نحو قبرص وإيطاليا، كوجهتين رئيستين.
وكان لوزير الخارجية اللبناني كلمة مطولة في مؤتمر بروكسل، واعتبر فيها أن لبنان يخطو خطوات متسارعة نحو الانفجار الكبير، وحذر في تلميح إلى قوارب الموت: “عندما يصاب لبنان بالرشح ستصاب أوروبا بالعدوى وسنتحول جميعا إلى ضحايا”.
واعتلى بو حبيب المنبر في بروكسل قائلًا بأنه يحمل موقفًا لبنانيًا جامعًا، عبّر عنه البرلمان بتوصيته الأخيرة للحكومة، بعدما وصل إلى نقطة اللاعودة لجهة تحمل بقاء الأمور على حالها، والاستمرار بالسياسات الدولية نفسها المتبعة منذ أكثر من 13 عامًا.
لوم المفوضية
وكان لمفوضية اللاجئين حصة من السهام التي وجهها بو حبيب، واتهمها بالمماطلة في تقديم داتا اللاجئين. وقال: “وضعت وزارة الخارجية في أيلول 2022 ورقة عملية لتطوير التعاون مع المفوضية، بالتعاون مع الادارات المعنية، تتألف من 15 بنداً أهمها تسليم الدولة اللبنانية الداتا الكاملة للنازحين، ووقف المساعدات عن غير مستحقيها، لا سيما من يزورون سوريا، ومساعدة المجتمعات المضيفة، وتقاسم الأعباء من خلال نقلهم الى دول ثالثة، وفرز السوريين المستفيدين من تقديمات المفوضية، ومعرفة كيفية صرف الأموال الممنوحة، كما أسماء الجمعيات التي تستفيد منها”.
وأضاف: “للأسف لم تلتزم المفوضية بتعهداتها لجهة تطبيق هذه الورقة كما سبق ووعدت. وفي 8 آب 2023، وقعت وزارة الخارجية مذكرة تفاهم مع المفوضية لتسليم داتا النازحين، وتأخرت لمدة 4 أشهر (في شهر كانون الأول 2023) من تبادل المذكرات، بتسليم الأمن العام اللبناني داتا منقوصة، وغير قابلة للاستثمار”.
وأعرب بو حبيب عن رغبة لبنان بالتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية وفق نقاط عددها كالآتي:
– التزام الحكومة التواصل مع الجهات الدولية والاقليمية ووضع برنامج زمني وتفصيلي لإعادة النازحين، باستثناء الحالات الخاصة المحمية بالقوانين اللبنانية.
– تأكيد التزام لبنان مضمون مذكرة التفاهم الموقعة بين الحكومة اللبنانية والمكتب الاقليمي لمفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين تاريخ 9/9/2003، لجهة إعادة النازحين الى موطنهم الاصلي، أو اعادة توطينهم في بلد ثالث، كأساس للمعالجة، وإلزام مفوضية اللاجئين تطبيق بنودها كاملة، واتخاذ الاجراءات اللازمة للتنفيذ، وتقديم الاحصاءات، والملفات الخاصة بالنازحين الموجودة لديها، والطلب منها التنسيق مع مكتبها في سوريا لتسهيل عملية اعادتهم إلى بلدهم.
– التزام واضح تطبيق القوانين النافذة التي تنظم عمليات الدخول الى لبنان، والاقامة فيه، والخروج منه.
– القيام بالإجراءات القانونية اللازمة لتسليم السجناء من النازحين الى السلطات السورية، وفق القوانين والاصول المرعية محليا ودوليا.
– دعوة المجتمع الدولي والهيئات المانحة إلى مساعدة الحكومة في تخصيص الامكانيات اللازمة للأجهزة العسكرية والأمنية، من أجل ضبط الحدود اللبنانية، والتنسيق مع الجانب السوري للمساعدة من الجهة المقابلة، وحصر حركة الدخول والخروج عبر المعابر الشرعية بين البلدين.
– الطلب من أجهزة الأمم المتحدة كافة، والمفوضية اللاجئين اعتماد دفع الحوافز والمساعدات المالية والانسانية للتشجيع على إعادة النازحين إلى بلدهم.
– التزام الحكومة اللبنانية الموقف الذي أعلنه رئيسها، في ملف النزوح بأن لبنان لم يعد يحتمل عبء بقاء النازحين.
وقدم بو حبيب سلسلة مطالب إلى المجتمع الدولي، استنادًا إلى توصيات الحكومة، منها:
– توفير المجتمع الدولي الحدّ الأدنى من البنى التحتية اللازمة للحياة الكريمة للنازحين من خلال تأهيل القرى المدمرة في سوريا، ضمن مشاريع نموذجية (Pilot Projects).
– فصل السياسة عن النزوح، فعودة النازحين يجب ألا ترتبط بالحلّ السياسي.
– نجدد التزامنا عدم الإعادة القسرية للنازحين، وبروحية اتفاقية جنيف للاجئين لعام 1951 بالرغم من عدم انضمام لبنان إليها.
– نطالب أيضاً بالتعويض العادل للدولة اللبنانية، كوسيلة موقتة وليس كحلّ بديل، عبر دعم مؤسساتها مباشرة نتيجة الأعباء الجسيمة التي يتحملها لبنان والمقدرة بنحو 100 مليار دولار أميركي، حسب التقديرات الأولية للبنك الدولي.
– ضرورة تطبيق مبدأ تقاسم الأعباء من خلال إعادة توزيع النازحين على دول أخرى لمن يتعذر إعادته إلى سوريا، بعد أن تخطت نسبة النازحين 30% من مجموع سكان لبنان.
– إن الداتا التي يطلبها لبنان من المفوضية هي حق وطني سيادي، وذو أهمية كبيرة لتصنيف السوريين في لبنان. وللحكومة اللبنانية كامل الحق في طلب هذه البيانات واستخدامها لتنظيم الوجود السوري في لبنان.
– إعادة تقييم السوريين المسجلين لدى المفوضية لتحديد من هو اللاجئ ومن هو المهاجر الاقتصادي.
– أي سوري مسجل يغادر لبنان بشكل غير قانوني عن طريق البحر أو بشكل قانوني عبر الحدود البرية إلى سوريا، يجب أن تنزع عنه صفة اللجوء لدى المفوضية.
– تكثيف الجهود من قبل المفوضية بالتعاون مع السلطات اللبنانية والسورية، من أجل حث وتشجيع النازحين على العودة الآمنة إلى بلدهم الأم.
– تلتزم الحكومة بالتنسيق مع المفوضية اللاجئين ضمان عدم تعرض أي سوري سيتم ترحيله إلى سوريا لخطر الملاحقة القضائية عند عودته إلى وطنه.
– تشجيع الخماسية العربية على المستوى الوزاري لملاقاة الجهود الدولية لحل الأزمة السورية”.
جنى الدهيبي- المدن