أخطاء باريسية على الجبهة اللبنانية: هل“الحوار اللبناني في الربوع الباريسية”؟

التركيز على الميدان العسكري... أما ميدان قصر بعبدا فسيبقى منزوع الرئاسة

“الحوار اللبناني في الربوع الباريسية”، فكرة فرنسية دُفنت في مهدها، وإن استبقت وصول المبعوث الفرنسي الخاص جان ايف لودريان، على الرغم من أنها لا تزال ضمن إطار النية الفرنسية ولم تتحول الى طرح فرنسي رسمي يجمع الأقطاب السياسيين اللبنانيين على طاولة حوار أو تشاور فرنسية.

فبالاضافة الى أن الفرنسيين لم يحضّروا لهذه الخطوة تمهيداً لوصولها الى خواتيم مثمرة، عبر إجراء الاتصالات لإرساء تفاهمات قبل الاعلان عنها (وإن بشكل غير رسمي)، من أجل وضع إطار أولي وعناوين عريضة للتسوية المنتظرة التي يُفترض أن تتأتى عن هذا الحوار اللبناني بنكهته الباريسية، الا أنها لا تختلف عن مضمون مبادرات لبنانية سابقة قُدمت، ولم تتجاوب معها بعض الأطراف الداخلية ممن تطلق على نفسها صفة “السيادية”، فهل في الحوار اللبناني على الأراضي الفرنسية “جرعة سيادة” أكثر من الحوار تحت قبة البرلمان اللبناني، قد تدفع بها الى التجاوب مع الطرح الفرنسي؟

في الجهة المقابلة، تقول مصادر قيادية رفيعة من محور المقاومة لموقع “لبنان الكبير”: إن هذه الخطوة الفرنسية “غير المدروسة”، فيها تجاوز لدعوة الرئيس نبيه بري الى طاولة الحوار تحت قبة البرلمان اللبناني، ولن تحقق التوازن بين الأطراف اللبنانية، إذ يمكن أن يشعر فريق أنه مضغوط ومستهدف أكثر من غيره، وما يمكن أن يُتنازل عنه بمرونة في حوار لبناني، سيتم التشدد والاصرار عليه في حوار خارجي حتى لا يشعر أنه مغبون. وعلى هذا الاساس يُتوقع ألا تنجح هذه المبادرة الفرنسية في حال طرحها رسمياً، ولن يتم التجاوب معها ولا تلبيتها.

يكرر الفرنسيون أخطاءهم ويستنسخون استعجال الحلول من غير التنسيق المسبق وتحضير أرضية توافقية عليها. فمن كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عقب انفجار مرفأ بيروت عن تغيير النظام، الى اللقاءات المتكررة مع الأقطاب السياسيين في قصر الصنوبر وانغماسه في تأليف الحكومات وتوزيع الحقائب الوزارية وحرق مبادراته بعدم مراعاة التوازنات اللبنانية، يقُرأ مصير المبادرات الفرنسية من عناوينها ويُعرف في كل مرة أن نتائجها “صفرية” وتقتصر على تثبيت الحضور الفرنسي في الملف اللبناني، فقط لا غير.

وما هو مستغرب في توقيت التحرك الفرنسي، أن الوقائع التي جمّدت الاستحقاق الرئاسي طوال الفترة السابقة لم تتبدل، ولم يتغير محور الارتكاز أي مسار الحرب على غزة، إذ إن وقف إطلاق النار هناك هو صافرة انطلاقة المفاوضات على صعيد جبهة الجنوب من جهة وعلى صعيد الحراك الداخلي المتعلق بالرئاسة من جهة أخرى. فعلى الرغم من الكلام العلني عن عدم ارتباط الاستحقاق الرئاسي بما يحصل على جبهة الجنوب، الا أن الواقع يقول إن الأولويات هي من تفرض نفسها على الساحة السياسية، والصراع مع إسرائيل هو الاهتمام الأول والوحيد عند محور المقاومة، وهذا ما أكده كلام الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله في إطلالة يوم التحرير وتركيزه على توجيه الرسائل الى الاسرائيليين عن جهوزية المقاومة واستعدادها لأي تصعيد، وأن “حزب الله” درس كل الخطط الاسرائيلية ولديه الكثير من المفاجآت. وفي هذا الكلام رسالة من نصر الله الى الداخل الاسرائيلي لزرع الشقاق بين المستوطنين وقياداتهم، وعندما يقول “حزب الله” إنه قادر على تطوير الأداء العسكري للمقاومة على قدر ما سيغامر نتنياهو باعتداءاته على لبنان، فالمستوطنون يصدقون “حزب الله” ويخافونه ولا يثقون بنتنياهو وقدرته على حمايتهم في مستوطناتهم ولا حتى في أماكن نزوحهم.

وعليه تكثر المساعي السياسية وتُحرّك المياه الداخلية الراكدة الا أن الواقع يشير الى أن التركيز هو فقط على الميدان العسكري، أما ميدان قصر بعبدا فسيبقى منزوع الرئاسة ويعمّه الفراغ.

رواند بو ضرغم- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة