لبنان يستأنف رحلات العودة الطوعية للسوريين بالتنسيق مع دمشق
على وقع السخط الشعبي المتفاقم من أزمة النزوح السوري والمساعي السياسية للتخفيف من عبئه، استأنف لبنان اليوم الثلاثاء تسيير رحلات الإعادة الطوعية للنازحين السوريين إلى بلادهم، وذلك عبر قافلتين شملتا نحو 330 نازحاً، عبر معبرين حدودين غير رسميين مع سوريا.
وبعد توقف استمر لعام ونصف العام، استؤنفت رحلات “العودة الطوعية” للنازحين السوريين في عملية نظمتها المديرية العام للأمن العام في لبنان بالتنسيق مع سلطات النظام السوري.
وبالتزامن، انطلقت فجر اليوم قافلتان، الأولى اقتصرت على نحو 10 أشخاص وانطلقت عبر معبر جوسيه في القاع باتجاه حمص، والثانية ضمت أكثر من 300 شخص وعبرت وادي حميد في عرسال باتجاه معبر الزمراني غير الرسمي في ريف دمشق.
وشملت العملية نازحين كانوا قد سجلوا أسماءهم في مراكز الأمن العام اللبناني لتأمين عودتهم إلى بلادهم.
وأفادت وسائل الإعلام السورية الرسمية، بوصول دفعتي نازحين من لبنان عبر معبري الزمراني وجوسيه، مضيفةً أنه تم تقديم الخدمات الصحية للعائدين واللقاحات اللازمة للأطفال.
“مسار طويل”
وقال المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، لـ”الوكالة الوطنية للإعلام” الرسمية في لبنان، إن “هذه القافلة تشكل بداية وانطلاقة جديدتين لمسار طويل يتطلب رعاية رسمية، ومتابعة وتواصل مع الجانب السوري ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لحسن التنفيذ ووضع هذا الملف على سكة الحل النهائي”.
وأفادت “الوكالة الوطنية للإعلام” نقلاً عن سوريين مغادرين، بأن معظمهم أعرب عن “ارتياحه لهذه الخطوة”، فيما طالب البعض مفوضية اللاجئين بأن تقدم لهم المساعدات التي كانوا يتقاضونها في لبنان، في بلادهم.
وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، تمت عملية الإعادة عبر معابر غير شرعية لأن معظم العائدين ينقلون معهم خيمهم وأثاث منازلهم ومواشيهم وسياراتهم، وهو أمر غير متاح عبر المعابر الشرعية.
تعاون مفوضية اللاجئين
ونفذت العملية بإشراف ممثلين عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إذ إن معظم العائدين اليوم مسجلون لديها.
وأكدت المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين ليزا أبو خالد، لـ”اندبندنت عربية”، أن الأمن العام اللبناني يقوم بتسهيل رحلات العودة للسوريين الراغبين في ذلك، مضيفةً أن الرحلات ليست تابعة للمفوضية لكن الأخيرة تشارك فيها وتتعاون مع الأمن العام والجهات الأخرى عبر الإشراف على العمليات وتقديم المشورة للاجئين وتزويد مكتب المفوضية في سوريا بالمعلومات اللازمة بشأن العائدين الذين وافقوا على الاتصال بهم من قبلها.
وتعرضت مفوضية اللاجئين لانتقادات على خلفية عدم منحها الحكومة اللبنانية “داتا” النازحين السوريين المسجلين لديها، وطولبت بوقف المساعدات المادية للنازحين في لبنان وتقديمها لهم في بلادهم لحثهم على العودة.
ورداً على هذه الاتهامات، أكدت أبوخالد أن المنظمة الأممية “لا تعرقل عودة اللاجئين إلى سوريا” وملتزمة بدعم السلطات اللبنانية، وتعمل مع جميع الدول المعنية بما فيها النظام السوري، “من أجل تبديد المخاوف التي يشير إليها اللاجئون كعائق أمام عودتهم بأعداد كبيرة، فضلاً عن زيادة الدعم الذي تشتد الحاجة إليه داخل سوريا”.
وأكدت أبوخالد أن المفوضية تشدد “على أهمية قيام المجتمع الدولي بإعطاء الأولوية للحلول الدائمة” لهذه الأزمة، مضيفةً أن “تهيئة ظروف أكثر ملاءمة داخل سوريا أمر بالغ الأهمية في هذا السياق”، وتسعى المفوضية لـ”تسهيل مثل هذه الظروف” لكن “ثمة تحديات كبيرة تتجاوز نطاق العمل الإنساني”.
وأوضحت أبوخالد أن المفوضية وشركاءها يقدمان “الدعم للمجتمعات التي تستقبل العائدين داخل سوريا”، بما يشمل المأوى وإعادة تأهيل المدارس والمرافق الصحية وغيرها من البنى التحتية المدنية، فضلاً عن المساعدة القانونية والاستحصال على الوثائق المدنية.
سلسلة إجراءات
ويأتي استئناف تسيير رحلات العودة الطوعية في إطار سلسلة إجراءات بدأ لبنان بتنفيذها في الأيام الماضية لمعالجة أزمة النزوح السوري، شملت إقفال محال تجارية غير شرعية يديرها سوريون في عدد من المناطق وتعديل شروط تجديد ومنحهم الإقامات.
ولبنان الذي يشهد أزمة اقتصادية حادة منذ خريف 2019، يستضيف نحو 2 مليون سوري، أقل من 800 ألف منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة، وهو أعلى عدد من اللاجئين في العالم نسبة لعدد السكان.
وبحسب مصادر وزارة الداخلية، هناك 300 ألف نازح لديهم إقامة صادرة عن الأمن العام اللبناني، ومليون و486 ألف نازح مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أما غير المسجلين في أي مكان فيبلغ عددهم وفق التقديرات 300 ألف سوري، كانوا دخلوا لبنان خلسة.
وتنظر السلطات اللبنانية إلى الملف بوصفه عبئاً لم تعد تقوى على تحمّله بعد أربع سنوات من انهيار اقتصادي مزمن، فيما تصاعدت النبرة العدائية تجاه النازحين، وسط إجماع سياسي على ضرورة إيجاد “حل جذري” بإعادتهم إلى بلدهم.
المساعدة الأوروبية
ويناقش البرلمان، غداً الأربعاء، حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو مقدمة للبنان حتى عام 2027، أعلن عنها الاتحاد الأوروبي مطلع مايو (أيار) الجاري، معولاً على “تعاون” السلطات اللبنانية لضبط الحدود ومكافحة عمليات تهريب اللاجئين، إذ تقول قبرص إنها تشهد تدفقاً متزايداً للمهاجرين السوريين من لبنان بشكل غير نظامي.
وأثار الإعلان عن المساعدة الأوروبية توجّس أحزاب كبرى ورجال دين، أعربوا عن مخاوفهم من وجود توجه غربي لإبقاء السوريين في لبنان.
وأبدت ثماني منظمات من المجتمع المدني، بينها “منظمة العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش”، في بيان مشترك، أمس الاثنين، خشيتها من أن تؤدي مساعدة الاتحاد الأوروبي إلى “العودة القسرية للاجئين، ما يجعل لبنان والاتحاد الأوروبي متواطئين في انتهاكات مبدأ القانون الدولي العرفي بشأن عدم الإعادة القسرية، الذي يُلزم الدول بعدم إعادة الأشخاص قسراً إلى دول يتعرضون فيها لخطر الاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الحقوقية الجسيمة”.
وحذّرت الأمم المتحدة في فبراير (شباط) الماضي، من أن الكثير من اللاجئين السوريين العائدين إلى بلدهم يواجهون “انتهاكات جسيمة” لحقوقهم ويتعرضون خصوصاً “للتعذيب” و”العنف الجنسي”.
اندبندنت