غابة اسمها لبنان… و“منظومة الانتهاك”
“منظومة الانتهاك”
لا عُذر لمن فوجئ. أين المفاجأة؟ 1 + 1 = 2. معادلة بسيطة. كلّ ما نعيشه منذ 20 عاماً في هذا البلد لا بدّ أن يوصلنا إلى ما نحن عليه. وحوشٌ فالتة في كلّ مكان. مغتصبون. شبكات تجارة وترويج مخدّرات. إعلاميون فاسدون. سياسيون سارقون. سلاحٌ في كلّ مكان. قتلة ينجون بفعلتهم، من قتل رئيس، إلى قتل فتاة مسكينة في مستودع عملها… وبالتالي فإنّ شبكة اغتصاب الأطفال القصّر ليست مفاجئة. هي نتيجة حتميّة لمسار طويل من مرثيّة لبنان ومصيره الأسود وخرابه العميم. في الآتي نكشف لكم اليوم عن شبكةٍ لاغتصاب الرجال والنساء والأطفال والعجائز…
لا شيء يدعو إلى المفاجأة. 20 أو 30 رجلاً تكاتفوا وتواطأوا على اغتصاب عشرات الأطفال والمراهقين، بين 9 و16 عاماً. في شبكة معقّدة وكبيرة من اغتصاب القصّر.
ولِمَ لا؟
هؤلاء شبّان ورجال تراوح أعمارهم بين 20 و50 عاماً. ابن الـ20 ولد في خضمّ المهزلة التي نعيشها. وابن الخمسين كان ثلاثينيّاً عندما بدأ كلّ شيء ينهار منذ 2004. والاثنان “فهما” اللعبة في لبنان. عرفا من أين تُؤكَل الأكتاف. وقرّروا أن يأكلوا أكتاف مراهقين، وأفخاذهم، وبراءتهم.
ولِمَ لا؟
جولة على “القيم” اللبنانيّة
في آخر 20 عاماً، تربّى هؤلاء الأطفال، ولاحقاً الشبّان، والرجال، على قيم اجتماعية بسيطة جدّاً، في “منظومة اغتصاب” ساهمت في ولادة هؤلاء المُغتَصبين:
– السياسي الذي يسرق هو “بطل”.
– المُعنّف الذي يقتل زوجته يكفي أن يكون وفيّاً لطائفته، فيخرج من السجن سريعاً.
– رجل الأعمال الذي يختلس، يكفي أنّه مقرّب من زعيم مذهبي ويعرف قاضياً فاسداً. فيُدخِل إلى البلاد مأكولات منتهية الصلاحية. ويكفي أن يعرف الطريق إلى جيبة هذا القاضي أو ذلك النائب أو الوزير…
– الحزب الذي يقتل رئيساً، ينجو بفعلته إذا كان قويّاً كفاية ليرهب شعباً، أو شعوباً كاملة.
– الأمن يبني قصوراً من “الفخامة” للموقوفين “الفخمين”.
– المصارف تغتصب أموالنا، ولا أحد يحاسب.
– ربُّ العمل الذي يأكل تعب موظّفيه هو “ذكيّ”. ويراكم الأموال فيما هم يزدادون فقراً. ويدّعي أنّه مفلس أمام الجهات الرسمية. فلا تأمينات ولا ضمانات ولا تصريحات بالرواتب الحقيقية.
– المستشفى يتحوّل إلى مكان للموت الرحيم، بدلاً من أن يكون ملجأً للمرضى والمتعبين. المال هو المدخل، وليس المرض.
موت “منظومة العدالة“
– إذا دخلتَ مخفراً لتقديم شكوى، يقول لك الرتيب: “خُذ حقّك بيدكَ”. “لا بنزين في السيّارات لنذهب معكَ”. “لا مكان في النظارة لنسجن أحداً”. “لا يوجد أحد على الدوام ليحقّق في القضيّة”.
– القضاة من إضراب إلى إضراب. منظومة العدالة معطّلة. إذا تقدّمت بشكوى ضدّ سارق أو قاتل أو ضدّ جاركَ مثلاً، عليكَ أن تنتظر انتخاب رئيس جمهورية وإعادة تكوين السلطة، حتّى ينظر أحدٌ في الشكوى.
– المدارس تزداد توحّشاً. تزيد الأقساط من خارج المنطق. الفقراء ومتوسّطو الحال ينزحون إلى التعليم الرسمي. والتعليم الرسمي شبه مقفل منذ سنوات بسبب الإضرابات. ومن يتعلّم يصل إلى الشهادة الرسمية، فيصطدم بأنّها ملغاة، عاماً بعد عامٍ بعد عام…
– الجامعة اللبنانية صارت كلّياتها أشبه بالزواريب. كلّ مدير على “كلّيّته” صيّاح. يُدخِل من يشاء بأمر حزبي، ويطرد من يشاء. حتّى الجامعات الخاصّة تورّطت في بيع شهادات الماجستير والدكتوراه…
– تجّار الدين يبيعون أرواح الناس في أسواق النخاسة السياسية والمذهبية. ويراكمون المال فوق جراحات المُصَلّين.
– واللائحة تطول ولا تنتهي. اللحّام يبيع لحوماً فاسدة، ولا من يحاسب. والميكانيكي يسرق زبائنه ولا من يحاسب. وبائعو الخضار والسوبرماركات يرفعون الأسعار ولا حسيب أو رقيب…
اغتصاب؟ ولِمَ لا؟
لنأخذ طفلاً من هذا الجيل. نشأ في مدرسة “متوحّشة”. إدارتها ترميه خارجاً إذا لم يدفع. وشاهد والدته مذلولة على باب مستشفى. ومُنِعَ من دخول الكلّية التي يريد لأنّ “واسطته” لم تكن “قويّة” بما فيه الكفاية. ولم يحالفه “الحظّ” في دورة الضبّاط لأنّه لا يملك الرشوة الكاملة. ثمّ دخل سوق العمل فوجد ربّ العمل الظالم، السارق، الذي يمضي عطلاته في أفخم فنادق العالم، ثمّ يعود ليدّعي الطفر… وحين جاره قتل زوجته، نجا بفعلته لأنّه مسؤول حزبيّ. وحين حصل تبادل لإطلاق النار في المقهى حيث يعمل، أصيب طفلٌ صغيرٌ بين المارّة في الشارع، ومات. ولم يدخل أحد السجن.
لنفترض أنّ هذا الطفل، صار شابّاً عمره 20 عاماً. في منظومة “خالية من العدالة”. وحيث لا يمكنه أن يكسب قرشاً إلا عن طريق مخالفة القانون والأخلاق والمنطق. ما الذي سيمنعه من اغتصاب أطفال وتصويرهم وجني المال من عصابة؟ هو الذي يرى أنّ العصابات وحدها تستطيع أن تجد لنفسها مكاناً ومكانةً في البيئة الوحشيّة التي نشأ فيها.
ومثله مراهقون يشاهدون نشرات الأخبار، والأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي. ويعرفون أنّ الفساد في كلّ مكان. ولغة القوّة هي التي تحكم. ألن يخافوا من رجل خدّرهم واغتصبهم؟ ألن يصدّقوا أنّهم إذا تقدّموا بشكوى، سيطاردهم هذا الوحش وربّما يقتلهم، ولن يدري أحدٌ بأيّ أرض سيُدفنون؟
السّحل في الشّوارع
لا يغيب عن بالي فيديو جورج الريف. الرجل الذي لاحقه طارق يتيم، وراح يسحله ويطعنه أمام المارّة، في الشارع. لا أحد تدخّل، حتّى قتله على الأرض. وجورج بلا حول ولا قوّة. وزوجته تتوسّل القاتل أن يتوقّف عن طعن زوجها.
لا يغيب عن بالي هذا الفيديو. لكأنّه يختصر حياتنا. كلّنا في مكان ما وفي زمان ما، قد نكون جورج الريف. يقتلنا وحشٌ كاسر، أمام عيون المارّة، أمام عيون الأجهزة الأمنيّة. يقتلنا ربّ العمل بظلمه، يقتلنا سياسيٌّ ثريّ بزفاف نجله الذي يكفي لإعالة نصف دائرته الانتخابية لسنوات. يقتلنا مستشفى. يقتلنا مدير جامعة. يقتلنا تجّار الدين بخرافاتهم. يقتلنا قاضٍ. يقتلنا رجل أعمال. يقتلنا طبيب. يقتلنا بائع خضار، بنظرة طفل يشتهي فاكهة…
كلّنا قد نكون جورج الريف، أو أحد الأطفال الذين تناوب كثيرون على اغتصابهم. تماماً كما يتناوب على اغتصابنا كلّ المذكورين أعلاه. ولا أحد يأخذ حقّنا. لا أحد يحمينا. نحن الذين نعيش في غابة اسمها لبنان. وكلّ “قويّ” تحرسه الكلاب أمام مكتبه أو منزله. بانتظار وحش أكبر، يأتي ليخلّص المظلومين منه.
اغتصاب الأطفال؟
ولِمَ لا؟
نعيش في مزبلة، حيث كلُّ قادرٍ يغتصبُ كلَّ ضعيف ومُتاح. الأكثر تعرُّضاً للاغتصاب هم الرجال. الآباء العاجزون. اغتصاب رواتبهم وحقوقهم. الأبناء البلا حيلة. اغتصاب صحّة أهلهم وعائلاتهم. أمّا اغتصاب الأطفال والمراهقين والنساء فتفصيل طبيعي في هذه المزبلة.
نحن نعيش في ظلّ شبكة عملاقة من الفساد العميم. شبكة اغتصاب رجال ونساء وأطفال وعجائز… ما رأيناه في الأسبوع الأخير، ليس سوى مشهد مكثّف، رمزيّاً، من مشاهد يومية، كلّنا ضحاياها، لكنّنا لا نراها بهذا الوضوح.
محمد بركات- اساس