ما حصل في نقابة المهندسين كان “درساً لقيادة المستقبل”: لماذا عاقبت طرابلس “التيار”؟

نقابة المهندسين: لماذا تعاقب طرابلس تيار المستقبل؟

عقب عودة الرئيس الحريري النسبية إلى الأجواء السياسية في ذكرى 14 شباط، أراد تيّار المستقبل تدشين عودته إلى الملعب السياسي عبر بوّابة انتخابات نقابة المهندسين، ولا سيما شمالاً، حيث قام بحملة ترويجية كبيرة ركّز فيها على منصب النقيب. بيد أنّ هذه الحملة ارتدّت عليه سلباً، إذ إنّها حفّزت الخصوم على التكتّل ضدّه، وأعادت تظهير ما بقي من قوى الثورة التي كانت شبه مختفية. واستفزّت المجتمع المدني والمستقلّين، وحتى بعض المستقبليّين، للتصويت العقابي ضدّه في انتخاب النقيب بالذات.

“المستقبل” ثلاثة بواحد لميقاتي…

حتى صبيحة يوم الاقتراع كانت الأجواء تشير إلى أنّ الانتخابات في نقابة المهندسين في طرابلس والشمال ستكون بمنزلة نزهة للّائحة التي شكّلها تيار المستقبل، بالتحالف مع حزب القوات اللبنانية وتيار المردة، وأنّ مرشّحه لمنصب النقيب مرسي المصري سيحقّق فوزاً كاسحاً على منافسه شوقي فتفت. بيد أنّ الأخير حقّق مفاجأة، ونجح في الفوز بفارق 164 صوتاً عن المصري. ما بدا لافتاً للغاية هو كمّ التعرّض لتيار المستقبل على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي أحاديث الصالونات والمقاهي في “اليوم التالي”. واللافت أكثر هو حجم الثرثرة لدى البيئة الحريرية من متعاطفين ومؤيّدين وكوادر سابقين. دون إظهار الكثير من الاهتمام بالمرشّح الفائز أو الخاسر، على الرغم من فوز 3 من اللائحة التي دعمها “المستقبل”. وهم مرشّح القوات ومرشّحان حزبيّان للمستقبل، بعضوية مجلس النقابة من أصل 4. فيما ذهب مقعد إلى مرشّح مدعوم من تّيار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على اللائحة الأخرى.

أعادت هذه الأجواء إلى الأذهان مشهدية الانتخابات البلدية عام 2016، التي خسرها تحالف القوى السياسية التقليدية أمام لائحة شُكّلت على عجل. وكانت خسارة موجّهة إلى تيار المستقبل بالدرجة الأولى. ومذّاك لا يبدو أنّ الأخير قد تلقّف الرسالة، بعكس ما قاله حينذاك الرئيس سعد الحريري عقب أيام من المفاجأة، إبّان إفطار في معرض رشيد كرامي “وصلتني رسالتكم.. أحترم صوتكم وإرادتكم”. رافضاً أي طعن أو تخوين “وفاء طرابلس لخط الرئيس الشهيد ممنوع أن يكون محل تشكيك أو مراجعة”. وهو ما يظهر حجم الانفصال بينه وبين تيّاره.

عقم الخطاب والماكينة الانتخابيّة

يقول بعض الكوادر الذين عملوا سابقاً مع “المستقبل” إنّ الأخير “يعاني من مشكلة في خطابه وأدواته”. ويذكّرون بأنّ “ماكينته الانتخابية عجزت في الانتخابات البلدية عام 2016 عن الحصول على نتيجة موثوقة لإبلاغها إلى الرئيس الحريري واستعانت بماكينات أخرى. تكرّر الأمر في الانتخابات النيابية في عام 2018، التي كاد أن يخسرها التيار أيضاً لولا المجهود الشخصي الاستثنائي الذي بذله الرئيس الحريري وقتها.

يتساءل واحد من المقرّبين عن ردّة فعل “المستقبل” حينها على كلّ الرسائل التصويتية للجماهير. ليأتي الجواب من مقرّبين آخرين: “الاتّهام بالتخوين والغدر وقلّة الوفاء” الذي ما يزال مستمرّاً، وتعرّض له نقيب المهندسين المنتخب شوقي فتفت، الذي كان بدوره أحد المبتعدين عن الخطّ الأزرق منذ عدّة سنوات نتيجة يأسه من تغيّر العقليّة والنهج. المفارقة أنّ الخطاب التخويني نفسه استُخدم عام 2017 ضدّ مرشّح “المستقبل” الحالي مرسي المصري. حينما استمرّ في ترشّحه في وجه مرشّح “المستقبل” بسام زيادة، ولائحته المدعومة من القوات أيضاً والتيار الوطني الحر (لنضع خطّاً كبيراً تحت التيار الوطني الحر الذي تركّزت حملة الزرق عليه)، ردّاً على استبعاده في اللحظة الأخيرة بتوصية من نخب سياسية حريرية طرابلسية، لأسباب تتّصل بالصراع التقليدي بين الريف والمدينة، وهو الذي ينتمي إلى عكار.

حسب معلومات “أساس”، فإنّ أحمد الحريري كان قد وعد 3 أشخاص بتبنّي ترشيحهم لمنصب النقيب، وهم نبيل عبد الحيّ، ومحمد شيخ النجارين (عضو سابق في مجلس النقابة)، ومحمود الفوال (فاز بعضوية لجنة إدارة صندوق التعاضد ضمن لائحة شوقي فتفت). ثمّ هبط ترشيح مرسي المصري بشكل مفاجئ، مقابل المال حسبما علم “أساس”، إذ تكفّل بتحمّل تكاليف الحملة الانتخابية للّائحة كلّها. ظنّاً منه أنّه بذلك يضمن الفوز بمنصب النقيب. ولذلك حرص على التودّد إلى النخب الطرابلسية لتلافي ما حصل سابقاً عام 2017. لكنّ الأمر ارتدّ عليه بالسالب أيضاً، على الرغم من الحملة الانتخابية الباذخة. وتركّزت على زيارة النخب السياسية والاجتماعية، وإقامة الإفطارات الصاخبة، والتسويق المفرط لهما عبر المجموعات والمنصّات الإخبارية المحلّية. وأهملت تماماً التواصل الشخصي مع الناخبين.

العقاب السُّنّيّ

كشف بعض المهندسين الذين شاركوا في الحملة الانتخابية للمرشّح الفائز شوقي فتفت لـ”أساس”، أنّ ثمّة “الكثير من المهندسين العكّاريين صوّتوا له “لا حبّاً بزيد” بل نكاية بالمصري، لأنّه تجاهل التواصل معهم، وبعضهم على صداقة معه. والحال نفسه ينطبق على عدد من المهندسين الطرابلسيين المقرّبين من “المستقبل”، أو المحسوبين عليه. وهذا ما أكّدته مصادر متابعة للعملية الانتخابية داخل النقابة أشارت إلى “التزام حزب القوات اللبنانية التامّ باللائحة. وهو لديه كتلة تصويتية كبيرة ومؤثّرة، وكذلك التزام تيار المردة، وإن كان محدود التأثير نسبياً. وكانت الثغرة التي تسبّبت في خسارة مرسي هي أصوات سُنّة عكّار وطرابلس على التوالي”.

في نقاشات اليوم التالي، سخر شخص ذو منصب رفيع في بلدية طرابلس من خسارة “المستقبل”، مع أنّه من المقرّبين منه. واعتبر ما حصل “درساً لقيادة المستقبل”، وأنّ “القرار في أيّ استحقاق في طرابلس يجب أن يكون من النخب الطرابلسية، وليس على طريقة الإملاء من القيادة في العاصمة”.

علاوة على ذلك، فإنّ تنظيم المستقبل في الضنّية وكوادره السابقين كانوا داعمين مؤثّرين لابن منطقتهم شوقي فتفت، لرغبتهم في أن يكون منصب النقيب من حصّة الضنّية الزاخرة بالنخب، والتي قليلاً ما كان لها نصيب في الاستحقاقات الانتخابية غير السياسية. والأهمّ هو السيرة الذاتية لفتفت وسمعته الطيّبة وخبرته الإدارية والنقابية (انتُخب مرّتين في مجلس النقابة عن تيار المستقبل 2007 – 2010). التي أدّت إلى التفاف النخب في الضنّية وفي طرابلس على اختلاف تموضعها السياسي حول دعم ترشيحه.

يبدو أنّ قيادة “المستقبل” راهنت على النجاحات التي تحقّقت خلال سنتَي “التعليق” في بعض الاستحقاقات. لكنّها أغفلت أنّ تلك النجاحات كانت ثمرة جهود أشخاص فاعلين، أغلبهم من خارج الإطار الرسمي للتنظيم. استخدموا “هويّة المستقبل” حفاظاً على دور السنّة وحضورهم، ونالوا بركة القيادة الحالية التي كانت منكفئة تماماً. وهذا في حدّ ذاته يعكس مدى الهوّة بين الحريرية كـ”هويّة سياسية” لا تزال فاعلة، وبين تيار المستقبل كتنظيم سياسي. وبعدما كان الطامحون والراغبون يتسابقون للتحالف مع “المستقبل”، أو الترشّح باسمه. وخصوصاً في الفترة التي تعرف بـ”الذهبية” بين 2005 و2016، لِما كان يشكّل ذلك من قيمة مضافة. انقلب الحال في السنوات الأخيرة حتى صار التنظيم أقرب إلى “التقّالة” الانتخابية، وهذا ليس تفصيلاً أبداً.

سامر زريق- اساس

مقالات ذات صلة