الرعب يهيمن على اللاجئين: حملة منهجيّة عنيفة وتحريض غير مسبوق!
بين الرواية الأمنيّة الهزيلة، والفرضيات المنطقيّة، وسيناريو “الاغتيال السّياسيّ”، والأحكام الطائشة الّتي استعجل أهل السّياسة ومناصريهم وكذلك الإعلام، الخروج بها لتأجيج الخصومة، وما تبعها من ردود فعلٍ عاطفيّة.. بات من المُلّح قراءة شتّى الملابسات الّتي أحاطت بقضيّة مقتل منسق حزب “القوّات اللّبنانيّة” في جبيل، باسكال سليمان، بعيون قلقةٍ أكثر، قلقة من مآلات تحول السّياسة في لبنان من مُحرّكٍ ديناميّ لمعالجة الأحداث والقضايا إلى منهجٍ تضليليّ مؤداه انتشار الوعيّ الاجتماعيّ الزائف والهلع الأمني، وتحول السّلطة العامة معه من قوةٍ منظمة للمجتمع، إلى أداةٍ لمنهج غوغائي خطير.
الهلع والنقمة الشعبيّة
إذ وبعد نشر الروايّة الرسميّة الّتي اتهمت عصابة مُسلّحة من التابعيّة السّوريّة بمقتل سليمان، بساعاتٍ قليلة، خرج المواطنون الغاضبون إلى الشوارع العموميّة، لتفجير ضيقهم وسخطهم ونقمتهم وللثأر من المارّين والسكّان من اللاجئين السّوريّين، الذي حُكم عليهم بالتواطؤ الجرميّ، فقط على أساس الهوية. وأظهرت المقاطع المصورة، اعتداء مجموعة من الشبان على لاجئٍ سوريّ في بلدة طبرجا السّاحليّة، بالضرب، ولعاملٍ كان يحمل كيس هدايا لأطفالة بمناسبة عيد الفطر، وآخر في برج حمود والذي انتشر بصورةٍ أكبر من الأول، يظهر مجموعة شبان يضربون لاجئاً آخر، وبصورةٍ أقلّ ما يُقال عنها أنها وحشيّة، وتحطيم هاتفه، ونعته بالصفات المهينة وشتمه.
لحقها بعد يومين، انتشار فيديو يُظهر عددًا من الشبان يستقلون الدراجات الناريّة في منطقة برج حمود، مطالبين عبر مكبرات الصوت السّوريّين بإخلاء جميع المحلات التجاريّة والمنازل قبل نهار الجمعة، حيث قال أحد الشبان عبر مكبر الصوت: “إلى جميع السّوريين في برج حمود، إخلاء جميع المحلات التجارية والمنازل قبل يوم الجمعة. وقد أعذر من أنذر”. كما وانتشر بيان صادر عن “أبناء وأهالي الأشرفية والجوار” (الجميزة، الرميل، مار مخايل) يطالب السّوريين المقيمين في المنطقة بوجوب المغادرة قبل يوم الجمعة المقبل. فيما تمّ تداول معلومات عن ضرب شاب من آل زعيتر في محلة الدكوانة، بعد الاشتباه بأنّ عصابة بقاعيّة أشرفت على قتل سليمان.
وهذا “الهلع” انسحب ليصير حملة منهجيّة عنيفة، تمكن في الشكل حزب القوّات اللّبنانيّة، من احتوائها برفضه الاتهام. وكان من الممكن أن تتوقف عند هذا الحدّ. كان من الممكن للفورة الشعبيّة الناقمة ولحكم الغوغاء الرامي لعقاب الأشخاص “المشتبه بهم” من دون اللجوء للإجراءات القانونيّة (وفق الأدبيات السّياسيّة)، أن يُقمع بأمرٍ حزبيّ كهذا، وأن نتفادى مجازر وجرائم بحقّ اللاجئين. إلّا أن السّلطات اللّبنانيّة، اختارت العنف والتضليل والتحريض، لترقيع فشلها أكان في معاقبة الجناة، أو الأسوأ، في حماية الأبرياء. وصمتت عن كل هذه الانتهاكات الفظيعة والاعتداءات الوحشيّة المرّوعة.
وزير الداخليّة: ردّ الفعل غير المسؤول
إذ خرج وزير الداخليّة والبلديات في حكومة تصريف الأعمال، بسام المولوي، نهار الثلاثاء الفائت، 9 نيسان الجاري، بمؤتمر صحافيّ، أعقب الاجتماع الاستثنائيّ لمجلس الأمن المركزيّ في العاصمة بيروت، طالب فيه فرض المزيد من القيود على اللاجئين السّوريين في لبنان، مشدّدًا على أن الوجود السّوريّ في لبنان “يجب أن يكون محدودًا”، قائلًا: “أكدّنا على القوّات الأمنيّة بالتشدّد في تطبيق القوانين اللّبنانيّة على اللاجئين السّوريين”. وزعم المولوي أن لبنان “يشهد المزيد من الجرائم التي يرتكبها السوريون”، مضيفاً أن “نحو 35 % من المعتقلين في السّجون اللبنانية هم سوريون”. ودعا المولوي اللبنانيين إلى “التعقل وعدم الانجرار إلى ردود أفعال وأحداث تضرّ بالأمن”، مشيرًا إلى أن لبنان “لا يمكن أن يتحمل المزيد من المشكلات والفتن، ولن نقبل بأن يترك أحداً السوريين لدينا لقاء أي مكسب ماديّ”.
التصريح الذي خرج به الوزير -والذي تشوبه المغالطات الّتي سبق وفندتها “المدن” في عشرات التقارير الّتي يمكن مراجعتها، وخصوصًا بالادعاء أن السّجون اللّبنانيّة تحوي سوريين بنسبة 35 بالمئة هذه النسبة المبالغ بها ومن دون التعريج لظروف وأسباب الاعتقال، وتحليل مفهوم ومنطق الجريمة في لبنان- اتسم بلهجةٍ عدائيّة وتعميميّة، إذ أن الوزير انتقل بصورةٍ مباغتة من التعليق على الجريمة وملابساتها، لمناقشة ملف اللاجئين السّوريّين!
وعوضًا عن التحقق الفعليّ بظروف هذه الجريمة ومحاولة إيجاد الجناة ووضع حدّ للحدود السّائلة والمتفلتة والسّلاح غير الشرعيّ والعصابات المسلّحة، ناقش الوزير ومعه رئيس حكومة تصريف الأعمال، الذي صرح في وقت سابق من اليوم الخميس، 11 نيسان الجاري، بأنّه في صدّد تحضير حلّ سيُكشف عنه في آخر نيسان، وحسم موقفه الرسميّ وبتّ بقراراته في ملفٍ لا يزال المجتمع الدوليّ برمته يقف عاجزًا عن الإتيان بحلٍّ مرضٍّ وعمليّ له.
وتبع قرارات الوزير، قرار تعميميّ آخر لمديريّة المخابرات في الجيش، بإلزام مشرفي المخيمات والتجمعات السّكنيّة للاجئين السّوريّين بحظر التجوال وضرورة الالتزام ضمن مساكنهم، إلا في الحالات الإسعافيّة الضروريّة وبعد طلب إذن من المعنيين. مضافةً إلى قرارات البلديات في بيروت وكسروان وجبيل وغيرها. وكما طالبت بلدية ميفوق القطارة بالانتشار الأمني العام وبصورة فورية في محافظة جبل لبنان، خصوصاً مناطق: المتن، جبيل، كسروان حتى البترون، والبدء باتخاذ إجرآت قاسية ورادعة بحق المخالفين والخارجين عن القانون من الجنسيتن اللبنانية والسورية.
هذه القرارات وغيرها جاءت أساسًا في خضم الحملة الرسميّة لتضييق الخناق على اللاجئين، بالخطط الحكوميّة والإجراءات والقيود البلديّة والحزبيّة وكذلك الأمنيّة مستأنفةً حملات الترحيل، والمفاوضات الدبلوماسيّة المتعثرة، كاللقاء القبرصيّ- اللّبنانيّ مؤخرًا .
حملة أمنيّة- اجتماعيّة- رسميّة
إذًا، فإنّ السّلطات اللّبنانيّة الإجرائيّة والأمنيّة والقضائيّة والسّياسيّة، فضلت التصرف بلا عقلانيّة لمعالجة القضيّة الّتي أثارت خضّة واسعة في صفوف اللّبنانيين، وأثارت حفيظة شريحة واسعة منهم. السّلطات الّتي كان يُمكنها عقلنة الشارع وحضّه على انتظار التحقيقات والانحياز لحقوق الإنسان بدل انتهاكها، مصرّةً على طردهم أو وضعهم في مجمعات كالـ”غيتو” العنصريّ، بإجراءاته الخانقة، بدل طرح حلول عمليّة. ومتعاطيّة مع ملف اللاجئين السّوريّين وكأنّه “مسألة” شبيهة لحدٍّ بعيد بالمسألة الّتي لا يزال جرحها لم يندمل في الوعيّ الأوروبيّ حتّى اللحظة.
بتول يزبك- المدن