لم تترك الحرب قطاعاً «من شرّها»: سوق الخان التاريخي… شريان تجاري يفقد رونقه ورواده!
أرخت الحرب بظلالها على سوق الخان التاريخي، الذي يقع عند مثلث حاصبيا – راشيا الفخار- كفرشوبا، القريب من نطاق خطوط النار. تراجعت حركته التجارية تراجعاً واسعاً، فانخفض عدد البسطات من 200 قبل الحرب إلى 20 حالياً. خسر سوق الخان الشعبي رونقه وروّاده، بالكاد تجد بعضهم، ولا يتعدون أصابع اليد الواحدة، في حين ينتظر الباعة حضور الناس علّهم يبيعون شيئاً في هذه الظروف المعيشية الصعبة.
لم تترك الحرب قطاعاً «من شرّها»، حتى الأسواق الشعبية في القرى الحدودية، التي كانت تُشكّل العمود الفقري الإقتصادي للعديد من تجّار الجنوب، ممن يقصدون تلك الأسواق لعرض بضاعتهم، قضت المعارك على آخر متنفّس لهم. الكثير منهم فضّلوا عدم الحضور إلى سوق الخان، بعدما كان ملاذهم التجاري، بسبب الحرب وخطورة الطريق، إذ كان يدرّ عليهم أرباحاً كبيرة، نظراً الى حركته الواسعة، حيث لا تقتصر البسطات على الملابس والأحذية والأدوات المنزلية والخضار فحسب، بل كان يحوي سوقاً للماشية والدواجن.
اليوم لا حركة ولا بركة، بالكاد يتنفس السوق الصعداء، ومن حضر من الباعة جاء كي يحافظ على استمرارية السوق لا أكثر، وفق «أبو وائل» الذي يجلس أمام بسطته لبيع منتجات حاصبيا. يقول «كان السوق يعج بالناس، لا تجد موطئ قدم فيه، اليوم ما في حدا، خسر حركته بسبب الحرب، وانعكس على واقعنا الاقتصادي المزري». ورغم أصوات القصف التي يصل صداها إلى السوق، حضر حسين الزين من منطقة صور، جلب بضاعته إلى السوق الذي اعتاد ان يكون أحد باعته منذ أكثر من ستّ سنوات. «كسر الأسعار»، كما قال علّه يجذب الناس، ولكن «ما في حدا»، تراجعت الحركة 90 في المئة وكل أسبوع تتراجع أكثر».
يراقب الزين أسواق الماشية الفارغة التي كانت تكتظ بالوافدين لبيع ماشيتهم، ويقول: «حركة السوق كانت لافتة نظراً الى عدد الوافدين إليه أسبوعيّاً من قرى الجنوب، من عيترون وبنت جبيل وغيرها. أمّا اليوم فمعظم الناس نزحوا ولم يبقَ إلّا قلّة». ورغم المشهد المأسوي، لم يمتنع غسان مصلح إبن بلدة حاصبيا عن بيع الفلافل، قرّر التمسّك بالسوق الذي اعتاد حضوره من زمن طويل وورث المهنة عن والده الذي كان يبيع الفلافل قبل 50 عاماً. كل ثلثاء يأتي غسان ببسطة الفلافل، حتى الحرب لم تثنه عن ذلك، بل زادته تشبثاً بالمهنة، قائلاً إنّ «هذا السوق التاريخي سيبقى حاضراً ما حيينا». يبيع غسان سندويش الفلافل بـ100 ألف ليرة لبنانية، محافظاً على شعبيتها رغم ارتفاع كلفة المواد الأولية. ويجزم أنه سيبقى يأتي حتى تحت القصف، لأنّ السوق «هو تاريخنا وحضارتنا واقتصادنا».
أغلب من حضر أمس، كانوا من التابعية السورية، ما يُشكّل علامة فارقة، في حين نزح جزء كبير من منطقة العرقوب نحو القرى الآمنة، ما انعكس سلباً على حياة السوق الشعبية التاريخية في منطقة الجنوب، والذي قد يفقد باعته لو طال أمد الحرب أكثر، بحسب ابن بلدة الماري عبد الله الذي يقف أمام بسطة الخضار الخاصة به. قبل الحرب كان يبيعها بساعتين نظراً لزواره الكثيرين، «أمّا ما نبيعه اليوم، فلا يكفي ثمن البنزين، ما أثّر في واقعنا الاقتصادي برمّته». لا شك في أنّ تراجع سوق الخان انعكس على الحركة الاقتصادية في المنطقة، وأدخلها في حالة جمود خطيرة، فالحرب لا تقتصر على الصواريخ والدمار، بل تقضي على شرايين القرى المعيشية والحياتية.
نداء الوطن