إنها جبهة كبرى: هي صراع يقوده الغرب للانتقال إلى حقبة ما بعد قاسم سليماني

حرب الغرب في غزة والمنطقة: إنهاء الإسلام السياسي المسلح؟

 

لم تعد الحرب على قطاع غزة محصورة بالردّ على عملية طوفان الأقصى، ولا تقتصر على ضرب حركة حماس وإنهائها. ينظر الغرب إلى هذه الحرب التي تخوضها إسرائيل باعتبارها حرباً تصب في صالحه الإستراتيجي، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى الحرب التي تخوضها أوكرانيا ضد روسيا. إنها جبهة كبرى. هي صراع يقوده الغرب من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا، يعمل الغرب على خوض حرب تكاد تكون كونية في مواجهة روسيا وايران والصين وكوريا الشمالية، ومن دون أن يضطر إلى إعادة هيكلة الاقتصاد ليتلاءم مع حالة الحرب الكبرى. وهذه الحرب يسعى الغرب فيها لإعادة تجديد دور اسرائيل كقلعة متقدمة في الشرق الأوسط.

ما بعد سليماني
في المنطقة، تؤدي هذه الحرب للانتقال إلى حقبة ما بعد قاسم سليماني، والتي لن يقبل الأميركيون والإسرائيليون العودة إليها. كان سليماني مهندس “وحدة الساحات” والسيطرة على أربع عواصم عربية، وفتح الطرقات من طهران إلى بغداد فدمشق فبيروت. بينما أهم شعار ومشروعية للثورة الإيرانية المصدّرة إلى المنطقة كان مبنياً على القضية الفلسطينية ومركزيتها في قطاع غزة، فيما المعارك هناك شارفت على النهاية بتهجير مئات الآلاف وتدمير كل بنى الحياة ومقوماتها. وبالتالي، هناك محاولة تحطيم لهذا المسار الإيراني، وطي حقبة قاسم سليماني من خلال عمليات الاغتيال والتصفية، وتقطيع أوصال الإتصال الإيراني البري والعسكري، والوصول إلى تكريس الفصل بين الجبهات.
يقود هذا الصراع إلى ما هو أبعد نظرياً، بالنسبة إلى الغرب، الذي يعتبر أنه لا بد من الانتقال إلى مرحلة ما بعد “الإسلام السياسي المسلح”. وهي مرحلة يريد لها الغرب أن تكون مشابهة لمرحلة زوال المشروع القومي العربي بعد عبد الناصر، وزوال مشروع اليسار وحروب التحرير الشعبية التي انتهت بعد اجتياح بيروت عام 1982. وبعدها، برز نموذج المقاومات الإسلامية بشقوقها المختلفة، سواءً كانت سلفية جهادية أم شيعية خمينية.

ضرب حماس وإيران
صحيح أن الحرب الغربية بدأت على الإسلام السني المسلح، والذي اتخذ صفات متعددة كان أبرزها القاعدة وداعش والنصرة.. إلا أن الحرب على غزة هي في أحد فصولها ضرب حركة حماس، وهذا يظهر من خلال الموقف الأميركي لدى استخدام الفيتو ضد مشروع القرار الجزائري في مجلس الأمن. إذ أكد الأميركيون أنهم لن يوافقوا على وقف إطلاق النار لأنه سيسمح لحماس النجاة برأسها. وهذا يؤكد أن الحرب ستكون طويلة بمعزل عن الهدن الإنسانية وبمعزل عن الضغوط لتغيير شكل المعركة ومسارها، أو “تجميل” أداء الجيش الإسرائيلي.

أما إيران، فتشعر بنفسها مهددة. وهي لذلك لا تريد الانخراط بالحرب بشكل واسع، إنما تسعى إلى التفاوض، لتحفظ دورها على مستوى المنطقة. لكنها تتلقى خسائر يومية على الجبهات المتعددة. فهي خسرت جبهة غزة عملياً، فيما الهدف الغربي سيكون سحب ورقة جنوب لبنان بالمعنى العسكري والفعلي، والقادرة على التأثير على مجريات الوضع في المنطقة. مع ذلك، لا تزال طهران تراهن على مفاوضات مع الأميركيين.

التفاوض المؤلم
يندرج لبنان في قلب هذه المواجهات والمفاوضات. ما يقوم به الإسرائيليون في تنفيذ ضربات مركزة وعمليات اغتيال مغطى من الأميركيين. وفي المقابل يضغط الأميركيون لعدم تحويل هذه المواجهة إلى حرب واسعة ضد الحزب، قد تؤدي إلى إشعال المنطقة ككل. ولذلك، فإن الضغط يتركز على ضربات عسكرية موضعية من دون اللجوء إلى تدمير لبنان ومرافقه.

وسط هذه المواجهة يتقدم الأميركيون بعروض تفاوضية كما الحال بالنسبة إلى جهات غربية أخرى كبريطانيا وفرنسا. هناك في الغرب من يوجه نصائح لحزب الله بعدم الرهان على التفاوض مع الأميركيين، لأنه سيكون مؤلماً جداً، ويدفع الحزب للقبول بوقف إطلاق النار وعدم انتظار غزة، لأن الأميركيين يعتمدون سياسة التوتير لإنتاج حلّ على الحامي.

على هذه القاعدة برزت الورقة الفرنسية، التي جرى تقديمها للتفاوض حولها. لكن حزب الله سارع إلى رفضها. علماً أن هناك من يعتبرها الخرطوشة الأخيرة الجيدة بالنسبة إلى حزب الله، في محاولة لإقناعه بعدم الرهان على اتفاق مع الأميركيين وليس بموجب مبادرة باريس، لأن هذا الرهان يرى فيه البعض أنه لا يمكن أن يتحقق من دون تقديم تنازلات كبرى وقاسية من الحزب، أو أن أي اتفاق سيحصل بعد ضربة كبرى، لأنه لا يمكن السماح للحزب بأن يكون قادراً على تنفيذ أي هجوم أو عملية مشابهة لعملية طوفان الأقصى. فالأميركيون يفاوضون صحيح.. ولكن ليس بدلاً عن الحرب، إنما كجزء من الحرب التي يخوضونها، ولن يتخلوا عن تحقيق أهدافها.

لن يكون هناك أي هدايا مجانية للحزب، وهذا ما يركز عليه الفرنسيون في محاولة لاستباق المزيد من الأحداث والكثير من التصعيد. خصوصاً أن الحرب تتوسع ويمكن أن تنفجر في أي لحظة. أما بحال عدم انفجارها بشكل موسع، فإن الحزب سيبقى في حالة استنزاف لقواه البشرية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية في الجنوب.

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة