فضيحة مستشار وزير الاقتصاد وشقيقه: هل حدث كل هذا من دون علم الوزير!؟
توسّع القضاء اللبناني في تحقيقاتٍ استمرت لأكثر من شهرين في قضية الموقوف فادي تميم، المستشار السياسي لوزير الاقتصاد والتجارة، أمين سلام، والذي عمل سابقًا مع الرئيس فؤاد السنيورة كمستشارٍ له أيضاً، بعد أن تبيّن بأن تميم يقوم بابتزاز إحدى شركات التأمين للحصول على رشى بمئات آلاف الدولارات مقابل عدم سحب “رخصتها” من وزارة الاقتصاد، فأصدرت الهيئة الاتهامية مذكرة إلقاء قبض بحقه، وإحيل ملفه إلى محكمة الجنايات في بيروت لمحاكمته.
“ابتزاز وتهديد”
وفي التفاصيل، تحركت هذه القضية في الرابع عشر من تشرين الثاني عام 2023، نتيجة إخبارٍ قُدّم للنيابة العامة المالية، يفيد بأن المدعو كريم سلام، وهو شقيق وزير الاقتصاد أمين سلام، قد ابتزّ شركة المشرق للتأمين، التي يملكها النائب السابق ألكسندر ماطوسيان، بهدف قبض رشى منها، تحت طائلة سحب ترخيصها من قبل وزارة الاقتصاد. وتم تنفيذ التهديد وسحب الترخيص بالرغم من حصوله على مبلغ 100 ألف دولار نقدًا، بواسطة الموقوف فادي تميم. ويقول الإخبار أيضاً إن كريم سلام طلب أيضًا بواسطة الموقوف تميم مبلغ 150 ألف دولار من الشركة، وعندما لم يؤمّن المبلغ، سحبت وزارة الاقتصاد رخصة الشركة.
“تعليق” الرخصة
وبناءً عليه، استمع القضاء اللبناني إلى مجموعة من الشهود. وخلال التحقيقات، أفاد المدعو كريم سلام أنه يساعد شقيقه الوزير في جميع الشؤون السياسية والاقتصادية، ويشارك في جميع الاجتماعات في المجال الاقتصادي “لكونه متخصصًا فيها، خلافًا لشقيقه”، ولم ينف سحب الرخصة من شركة المشرق للتأمين، لكنه أوضح أنها تعاني من عجزٍ في سحب بوالص المؤمّنين لديها، لذلك “عُلّقت” رخصتها، لأنها لم تسلّم ميزانيتها عن السنوات الأخيرة للجنة الرقابة في وزارة الاقتصاد، لكنه نفى تسلّمه أي مبلغ من المال.
وكان لافتًا في إفادة الموقوف تميم، الذي عرّف عن نفسه أنه المستشار السياسي للوزير “من دون أي قرار رسمي بهذا الخصوص”، لافتًا إلى أن المدير الإقليمي لشركة المشرق ورئيس بلدية بيروت الحالي، عبدالله درويش، اتصل به سابقًا وطلب منه المساعدة لحلّ الإشكال الحاصل بين الشركة ووزارة الاقتصاد. أما الحل الذي اقترحه تميم فهو دفع كفالة مصرفية بقيمة 250 ألف دولار أميركي لتمكين الشركة من زيادة رأسمالها، وحدّد أتعابه كمستشار ماليّ بقيمة 250 ألف دولار! فوافق عضو مجلس إدارة شركة المشرق للتأمين، جورج ماطوسيان، شقيق النائب السابق ألكسندر ماطوسيان، وحصل تميم على مبلغ 100 ألف دولار كدفعة أولى، ولم يحصل على باقي المبلغ، لأن ماطوسيان عاد وأبلغه بأنه يريد حلّ هذه القضية وتسويتها بـ”السياسة”.
لا وجود لأي عقد أتعاب بين الموقوف تميم وأصحاب شركة المشرق، وفقًا لتصريح ماطوسيان أمام قاضي التحقيق. ما يدل على أن المبلغ الذي سلّمه لتميم هو بمثابة “رشوة” لمعالجة مشاكل شركة التأمين. ومع التوسع في التحقيقات، تبيّن أن المبلغ المطلوب بلغ 400 ألف دولار مقابل حصول الشركة على براءة ذمة من وزارة الاقتصاد، وقد تمّ الاتفاق لاحقًا وتخفيض القيمة إلى 250 ألف دولار للحصول على براءة الذمة. وبعد قرار النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم بتوقيف تميم، أرجع الأخير مبلغ الـ100 ألف دولار أميركي إلى شركة المشرق، وأوضح أن “العديد من الشركات دفعت هذا المبلغ من دون أن تفصح عن ذلك”، كما ادعى أنه كان يريد إعادة المبلغ إلى ماطوسيان بعد أن أبلغه برغبته بحل الملف سياسيًا، على اعتبار “أن السياسة والتقنية لا تتماشيا”.
وبعد توسع الهيئة الاتهامية بالتحقيق، تبيّن إلى أن الحلّ الذي قدّمه تميم، لا يعالج المشكلة بشكل نهائي، إنما يؤجل تجميد ترخيص الشركة لمدة 3 أشهر، علمًا أن ملف الشركة كان عالقًا داخل الوزارة منذ أكثر من سنة نصف السنة.
ساوم تميم على “بدل أتعابه”، وبرّر للشركة أن مبلغ 250 ألف دولار هو لقاء تعبه وأتعاب الخبراء المنوي الاستعانة بهم لإتمام هذه المهمة، وأنه عمل تقني يهدف لتسوية أمور الشركة في وزارة الاقتصاد، ولكنه لم ينظّم أي عقد مع الشركة فيما يخص العمل الذي سيقدمه لها، لأنه ببساطة “يثق بمجموعة الأشخاص التي تتابع تفاصيل هذه المهمة”!
رشوة وتبييض أموال!
وعليه، رأت الهيئة الاتهامية بعد الإطلاع على الملف والتحقيقات أن الموقوف تميم قد التمس لنفسه هذا المبلغ لتسوية أمور الشركة مع وزارة الاقتصاد، رغم علمه بأن “وزارة الاقتصاد وبصرف النظر عن مدى قانونية وصحة هذا الأمر، تعتبر أن ملف الشركة غير مستوفٍ للشروط المحددة قانونًا”، ما يعني أنه حاول إضفاء صفة “المشروعية” على المبلغ المطالب به، مدعيًا أنه يمثّل أتعابه وأتعاب فريقه، كما أنه تسلّم مبلغاً من دون أي عقد، وساوم على المبلغ من دون تبيان تفاصيله. وهو ما يثبت أن غايته “القيام بعمل منافٍ لوظيفته”.
واعتبرت الهيئة الاتهامية أنه تسلّم مبلغ 100 ألف دولار على سبيل الرشوة. وبالتالي، تكون الأموال الناتجة عن فعله هي “أموال غير مشروعة”، ووافق على الرشوة وأخفى مصدرها وأعطى “تبريرات كاذبة” على أنها بدل أتعابه، فيكون بذلك ارتكب فعل تبييض الأموال.
وعليه، قررت الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي ماهر شعيتو بالاتفاق، اتهام المدعى عليه بالجناية المنصوص عليها في المادة 352 عقوبات، وإصدار مذكرة إلقاء قبض بحقه، وإحالته إلى محكمة الجنايات في بيروت لمحاكمته، والظنّ به بالجنحة المنصوص عليها في المادة 3 من القانون رقم 33\2015.
على أي حال، يضاف هذا الملف إلى سجل الوزارات الرسمية المليء بقضايا الفساد والرشاوى والاحتيال. ولكنه يطرح تساؤلات كثيرة ولعلّ أبرزها: “هل سيتدخل الوزير سلام لإخراج مستشاره من السجن”؟ خصوصًا بعد تردد بعض المعلومات التي تشير إلى سعيه في التوسط مع السلطة السياسية لمعالجة ملف تميم القضائي. وأبعد من ذلك: هل حدث كل هذا من دون علم الوزير بما يفعل مستشاره الخاص وشقيقه؟
فرح منصور-المدن