الجريمة والسياسة والسوق السوداء: سنة انحلال و أزمات سياسية لا تنتهي

لم يكن العام 2023 أفضل من سابقاته منذ بدء الانهيار الاقتصادي في لبنان عام 2019. فالأزمة ألقت بثقلها على كل جوانب الحياة في البلد، وأدت بشكل تدريجي إلى انحلال الدولة وأجهزتها التي باتت غير قادرة على فرض الهيبة والقانون، فشهد العام انفلاتاً غير مسبوق، بدأ بالتلاعب بالعملة وانتهى بأزمات أمنية واجتماعية وسياسية ستنتقل حتماً إلى العام الجديد.

ألعاب رياض سلامة
تستمر الأزمة الاقتصادية في لبنان، وكان العام 2023 قد شهد اشتداد وطأتها. فكلفة الحياة عادت إلى سابق عهدها قبل الأزمة بينما بقيت الرواتب في حدودها الدنيا. ولا شكّ أن الفصل الأول من العام الحالي كان عنوانه مالياً، من خلال التلاعب بسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، في نهاية عهد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي جمع حوله فريقاً من تُجار السوق السوداء، أوصلوا سعر الليرة مقابل الدولار الواحد في آذار الماضي إلى 140 ألف ليرة.

في الأشهر الأولى من 2023 سيطر تجار سوق الدولار على المشهد برعاية من حاكم المصرف رياض سلامة، الذي كان يشتري الدولارات من السوق، ويغض الطرف عن ألعاب تجار الدولار الذين خرجوا عن سيطرته، قبل أن تنطلق الحملة الأمنية لمكافحتهم وزجهم بالسجون، واستبدالهم بفريق جديد بولاء مطلق لسلامة، تمكن من تخفيف حجم التلاعب اليومي.

إلى جانب التلاعب بالدولار، كانت لعبة صيرفة التي تحصل في المصارف. فقد عمد التجار إلى استغلال حسابات المواطنين من العسكر وغير العسكر لإجراء عمليات صيرفة مقابل نسبة من الأرباح، فكانت النتيجة توقف صيرفة بعد نهاية ولاية سلامة، وخسائر بالمليارات لمصرف لبنان.

رغم استقرار الدولار اليوم في السوق السوداء، ستكون “الليرة” أساسية في مشهد العام المقبل، بظل الحديث عن منصة جديدة للدولار، واستمرار أزمة الودائع في المصارف، التي يُفترض أن تكون على موعد هذا العام مع مشهد جديد يتعلق بوضعيتها.

فلتان أمني ومخدرات
منذ آذار استقر الدولار في السوق السوداء برعاية حاكم المصرف بالإنابة وسيم منصوري، بالرغم من غياب أي خطط إصلاحية تواكب الأزمة الاقتصادية التي كان لها تداعياتها على الأمن والمجتمع، تحديداً في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي شهدت هذا العام تفلتاً أمنياً غير مسبوق، كانت نتيجته سيطرة عصابات السرقة والنشل والمخدرات على الشوارع، بالرغم من كل محاولات الأجهزة الامنية والعسكرية للحؤول دون ذلك.

شهد العام 2023 انتشاراً واسعاً لظاهرة النشل والسرقة، والمسرح الأساسي لها كان طريق مطار بيروت الدولي، حيث تسيطر عصابات النشل على المنطقة، خلال الليل تحديداً، وهو ما أدى إلى وقوع عشرات عمليات السرقة، والتي انتهت في أحيان كثيرة بجرائم قتل.

كذلك كان للمخدرات مكانتها البارزة هذه العام، بدءاً من مخدر “سيلفيا” الذي انتشر في الضاحية والشويفات ووصل إلى أبواب المدارس، وصولاً إلى مخدر “لاسا” الذي يغزوا السوق في أيامنا هذه إلى جانب خلطة من المواد المخدرة والأدوية، زعزعت استقرار الانسان والمجتمع. كما ساهم انتشار البطالة في ازدياد هذه الظواهر، إلى جانب توسع أعمال تجار المخدرات الذي وجدوا في العام 2023 وسيلة جديدة للترويج عنوانها النازح السوري، حيث يتم استثمار النازحين في أعمال ترويج المخدرات في الشوارع.

بالطبع لم يكن العام 2023 العام الأفضل على المستوى الأمني والقضائي، ففي هذا العام شهدت قصور العدل إضرابات، وكان لبطء الإجراءات القضائية أثر كبير على مستوى اكتظاظ السجون، فبات من المتعذر إجراء توقيفات جديدة. وهو ما دفع المواطنين في أكثر من مرة إلى ممارسة “القضاء الذاتي”، حين كان يُحاكم المشتبه بتورطهم بالسرقة في الشوارع، ويُنفذ بهم العقاب.

واستمر انحلال الدولة من خلال عدم قدرة الأجهزة الأمنية على التحرك بسبب الأزمة الاقتصادية، فلا أجهزة تتحرك، ولا سجون لتوقيف المشتبه بهم، ولا قضاء ليُحاكم. فشكل كل ذلك بيئة ملائمة لانتشار الجريمة وتجارة المخدرات، وهو ما يُتوقع أن يستمر العام المقبل، وربما بوتيرة أكبر بسبب غياب الحلول، وانعدام الوسائل اللازمة لحل المشكلة.

أزمات سياسية لا تنتهي
في السياسة، يمكن القول أن العام 2023 كان عام الفراغ، ومحاولات سده بالتمديد، فلا الرئاسة تحركت ولا القوانين الأساسية لمعالجة الأزمة أُقرت، لا بل ازداد التعقيد تعقيداً بعد الشقاق الذي وقع بين الحلفاء، تحديداً حزب الله والتيار الوطني الحر، فكان العام الحالي عام سقوط اتفاق مار مخايل عام 2006.

لم يتفق التيار وحزب الله على مقاربة واحدة لملف الرئاسة، فأصبح الفريق السياسي الداعم لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية غير قادر على تأمين الأكثرية اللازمة لانتخابه، فأدى التباعد إلى خيارات متضاربة في السياسة، بدأت بالرئاسة وامتدت إلى الحكومة وقيادة الجيش، فتعزز الانقسام السياسي وأصبحت الحلول رهينة الدول الخارجية التي تعمل في الملف اللبناني.

الحرب وتداعياتها
تعقدت الأزمة السياسية في لبنان أكثر مع بدء الحرب على غزة ودخول حزب الله المعركة من جنوب لبنان، وهو ما سيكون العنوان الأبرز لانطلاق العام 2024. إذ من المتوقع استمرار المعارك جنوباً، بظل حديث المقربين من الحزب عن فترة صعبة تستمر حتى نهاية شباط المقبل، أي أن خطر اندلاع الحرب الواسعة سيبقى قائماً، مع العلم أن ما يجري في قرى الجنوب هو حرب مكتملة المواصفات، أدت إلى أزمة اجتماعية كبيرة عنوانها “النزوح”. وهذه الأزمة ستنفجر مطلع العام الجديد لأن تجار الأزمات دخلوا على الخط بقوة، والإيجارات بدأت تُرهق النازحين.

محمد علوش – المدن

مقالات ذات صلة