هل انتفت حاجة “حزب الله” إلى الورقة الفلسطينيّة…

هل صحيح أن المعنيين الأساسيين بملف الوجود الفلسطيني المسلح في الجنوب استقر بهم الرأي أخيراً على سحبه من التداول بعدما أدّى غرضه وبلغ هدفه؟

هذا السؤال بدأ يفرض نفسه بإلحاح في الأيام التي تلت الحملة العنيفة التي أثارتها الدعوة المعلنة التي وجهتها حركة “حماس” الى عموم اللاجئين الفلسطيينين في لبنان ومن يرغب من غيرهم للانخراط في إطار تعبوي أطلقت عليه اسم “طلائع طوفان الأقصى” يكون متصلاً بها وضمن تشكيلاتها، إضافة الى أن البيان عينه “أيقظ المواجع” عند كثر وأعاد الجدل والسجال حول كل تجربة الوجود الفلسطيني في لبنان تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً.

فعلى الرغم من أن الحركة لم تكشف في دعوتها المفاجئة تلك طبيعة هذا الإطار المحدث ومهمات الذين يمكن أن ينخرطوا به وهل هو من طبيعة عسكرية أم غير ذلك، ثمة شريحة سياسية – إعلامية توقفت ملياً عند هذا البيان مفترضة أنه طلائع دعوة مستترة لإعادة بعث الروح في تجربة زمن الانتشار الفلسطيني العسكري في الجنوب خصوصاً تلك التجربة الممتدة من عام 1969 (عام اتفاق القاهرة) الى عام 1982 حين فرض الاجتياح الإسرائيلي الواسع على منظمة التحرير الفلسطينية أن تسحب نفسها وقوتها العسكرية من لبنان وتوزع قواها في 5 عواصم عربية.

وعلى رغم أن “حماس” اضطرت تحت وطأة تلك الحملة الى التصريح على لسان أكثر من مسؤول فيها بأن أمر الدعوة لا يتعدى كونه عملية “تحشيد سياسي واجتماعي وتثقيفي لجمهور اللاجئين في إطار زادت الحاجة إليه بعد عملية طوفان الأقصى النوعية” التي جرت تعاطفاً غير محدود مع “حماس” وجعلت الجمهور الفلسطيني المتعطش يقف على أبواب مقارّها سائلاً عن فرصة دعم ومشاركة، فإن دعاة تحييد لبنان مضوا قدماً في حملة رفضهم تلك الدعوة واعتراضهم على مبررات حماس لها واعتبروا أنها عبارة عن عملية عود على بدء الى تجربة أسهمت في تفجير الحرب الأهلية لأكثر من عقد ونصف عقد من الزمن.

المفارقة في المشهد نفسه أن ما أشعل هذه الحملة هو بيان أصر البعض على أن يدرجه في إطار رغبة مضمرة بالعودة الى زمن تولى وانقضى بينما هو قبل البيان موضع الإثارة بأسابيع سجل بشكل جليّ تماماً دخولاً عسكرياً مباشراً لفصيلين فلسطينيين هما “حماس” و”الجهاد الإسلامي” على خط المواجهات المشتعلة على طول الحدود الجنوبية بعدما نفّذ عناصر منهما سلسلة عمليات اقتحام متكررة الى مناطق في الجليل الأعلى الى عمليات قصف واستهداف للمواقع والنقاط الإسرائيلية بالقذائف كانت نتيجتها سقوط ما لا يقل عن 18 عنصراً من التنظيمين.

واللافت أيضاً أن الذين نظموا حملة الاعتراض على بيان “حماس” سكتوا في حينه على هذا الفعل المباح والخطر، أو اكتفوا باعتراض خفر وخجول. ووفق قراءة جهات على صلة بمحور المقاومة فإن ثمة وقائع منعت استهلالاً، دعاة الحملة الاعتراضية من البوح بما يضمرون، وعندما استجدّت لاحقاً وقائع أخرى معاكسة وجد هؤلاء فرصتهم ومحطتهم المناسبة لإطلاق اعتراضهم والمجاهرة به.

والواضح حسب المصادر نفسها أن هؤلاء وجدوا الفرصة سانحة لإبداء الاعتراض على ما يقوم به “حزب الله” وتشكيلاته المقاتلة على طول الحدود مع إسرائيل منذ الثامن من تشرين الأول الماضي فاتخذوا من البيان ذريعة ومعبراً ليعيدوا ربط نزاع محكم مع الحزب.

ويرى القيادي الفلسطيني في لبنان صلاح صلاح في تصريح لـ”النهار” أن ثمة افتعالاً لا مبرّر له من خلال تأويل مغلوط وافتراضي لمضمون بيان حماس “الذي أراه زلة لسان والأكيد أنه لا ينطوي على رغبة في إعادة عجلة الزمن الى الوراء كما يروّجون ويزعمون، بل هو عمل تعبوي فرضته طبيعة مرحلة ما بعد عملية “طوفان الأقصى” بهدف إعادة التواصل والارتباط باللاجئين في مخيمات لبنان الذين يبحثون عما يربطهم بعجلة النضال الوطني لاسترداد الحقوق المشروعة”. وأضاف صلاح: “الجميع يعلم أننا كفلسطينيين لا نرغب إطلاقاً في العودة الى ما قبل عام 1982 لأنه أمر مستحيل لأن الظروف والوقائع التي برزت بعد نكسة عام 1967 وفرضت الوجود الفلسطيني في الجنوب لم تعد متوفرة ولم يعد ممكناً إنتاجها من جديد”.

ومع ذلك، يستطرد صلاح “يعلم الجميع أنه لايمكن لأحد أن يمنع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من الانخراط في أنشطة وفاعليات تدعم نضالات أبناء شعبهم في الداخل سواء في غزة أو في الضفة الغربية أو في أراضي الـ48 أو تحول دون تعبيرهم عن الالتصاق بقضيتهم خصوصاً أنهم يجدون أن العالم كله يظهر تعاطفه مع القضية ويؤكد أحقيتها”.

واللافت في المشهد أن الأيام القليلة الماضية شهدت غياباً لافتاً لأي مشاركة فلسطينية في المواجهات الدائرة على الحدود خلافاً لما جرى في الأيام والأسابيع الأولى لانطلاق تلك المواجهات حيث سُجّل وقوع أكثر من 22 عملية تبنتها كل من حماس والجهاد. ولا شك في أن هذا الغياب أغرى البعض بالسؤال عما إن كان الغرض الأساس من المشاركة الفلسطينية في مواجهات الحدود الأولى قد استُنفد أو أن الحملة المضادة لبيان “حماس” قد نبهت المعنيين الى ضرورة سحب هذا العنصر الخلافي من دائرة الفعل الميداني والضوء الإعلامي؟

المعلوم أنه عندما قفزت الى دائرة الضوء مسألة الدور الفلسطيني في الجنوب، ثمة من تحدث عن مركزية المشاركة لكون الحزب الذي يتولى القيادة محتاجاً الى “غطاء فلسطيني معنوي” يثبت للإسرائيليين ومن وراءهم أنه ليس وحده في المعركة وأنه لا يخوضها لحسابه بل لحساب القضية المركزية، وأنه استطراداً ليس وحده في المواجهة بل هو قادر على جرّ “جبهة عريضة” معه وهي أكبر من حاجته الى مقاتلين. وعليه فإن ثمة من يرى أن هذه الحاجة قد أشبعت واستنفدت وأنه آن أوان سحبها من دائرة الضوء. ولكن ثمة من هم على صلة بدوائر القرار في الحزب يستبعدون فرضية أن يكون الحزب استغنى عن الحاجة الى حضور العامل الفلسطيني الى جانبه في الخندق الحدودي أو يكون أخذ قراراً بوضعه على الرف وذلك بناءً على الاعتبارات التالية:

– أن الإسرائيلي ماضٍ قدماً في مواجهات غزة وأنه ليس في وارد الالتزام بأي هدنة قبل “سحق” حماس وإنزال الهزيمة بها وهذا يعني أن أيام المواجهات ممتدة.

– لم يعد خافياً أن الحزب الذي ربط أداءه الميداني في الجنوب بمسار الميدان الغزاوي لا يمكنه أن ينسحب ويتراجع عن دور ناطه بنفسه صراحة وهو أن يكون جبهة مساندة لغزة ومقاتليها.

– وفي السياق نفسه مطلوب من الحزب أن يثبت أنه ليس حرس حدود لإسرائيل وأنه لا يمكنه أن يمنع جهة من من منازلة إسرائيل.

– فضلاً عن ذلك، فإن الحزب يعرف ما ينتظره من ضغوط خارجية إذا ما توقفت المواجهات لكي يخلي الساحة الجنوبية.

– كل ذلك يوحي أنه ما زال بحاجة الى “أوراق” لا يمكنه التفريط بها في طليعتها الورقة الفلسطينية.

ابراهيم بيرم- النهار

مقالات ذات صلة