هكذا نعيش: وجبة واحدة تكفي وشبح المجاعة يتهدد الغزاويين
«إذا كنت تسأل كيف نعيش؟ في ظل انعدام الحد الأدنى من الطعام، الحفاظ على حق الحياة؛ فسوف أخبرك». بهذه الكلمات يسرد المواطن محمد أبو غالي حاله وأسرته ليستطيعوا الحياة بعد أكثر من أربعين يوما من عمليات الإبادة الجماعية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
يقول لـ«القدس العربي»: «علينا أن نأكل نصف رغيف صباحا فقط، وننتظر حتى وقت العشاء لنأكل نصف الرغيف الثاني، هكذا نعيش نتيجة ظروف الحياة المعيشية القاسية التي نواجهها».
وعن قصة نزوحه مع أسرته، يضيف «نجحنا في النزوح قبل أن تنصب الحواجز التي وضعتها قوات الاحتلال على شارع صلاح الدين وبعد أن قصفت المنازل في الحي الذي أسكنه، هربنا من المنطقة الشرقية في غزة إلى دير البلح بعد أن دفعنا 350 شيكلا بدل مواصلات للسيارة التي تنقلنا، ومكثنا إسبوعين في إحدى مدارس النزوح وسط القطاع قبل الانتقال إلى مدينة رفح لعلنا نجد بعض حياة».
ويكمل حديثه «بعد يوم واحد من وصولنا مدينة رفح بدأت رحلة البحث عن المياه والطعام، فلا يوجد أي شيء، فقررت التوجه إلى مدينة خانيونس للحصول عليهما ثم أعود إلى البيت الذي لجأنا إليه برفح، ومن وقت المغرب أقوم بقفل الباب، وننتظر القدر الذي نخشى منه».
ويقول مواطن آخر من مدينة رفح ما زال يمكث في بيته: «يبدو أن الحصول على المياه والطعام ليست بالمهمة السهلة، كل ثلاثة أيام أتحمل مخاطرة مغادرة رفح إلى خانيونس للحصول على غالونين من المياه العذبة، وأقوم بخلطها بالمياه المالحة، وحتى المياه المالحة باتت الحل الأخير، وفي اليوم الواحد يتحصل الفرد منا على لتر مياه فقط، وإذا نفد منه فلا يوجد حل آخر».
وكان متوسط استخدام المياه في غزة قبل الحرب 84 لترا للشخص، 27 لترا منها فقط صالحة للاستخدام البشري، إذ تقدره الصحة العالمية حاليا بـ3 لترات فقط.
ويضيف خلال حديثه لـ «القدس العربي» أن الشعب الفلسطيني في غزة يتعرض إلى العقاب الجماعي في ظل لامبالاة إسرائيل، وأن أي فرصة للحصول على المساعدات التي تصل للمواطنين صعبة جدا رغم أنها لا تلبي الحد الأدنى من المواد الغذائية المطلوبة وبعد أن أعلنت منظمة غوث اللاجئين وتشغيلهم (أونروا) أن مخازنها أوشكت أن تنفد، بات الحصول على كرتونة مساعدات حلما يراود الناس.
وتقول فريدة أبو نحل، أم لأربعة أطفال، وتقطن في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة: «أحاول أن أبحث عن المواد الغذائية الأساسية، كالبيض والأرز والأغذية المُعلبة، وحتى الحليب للأطفال ولم أتمكن من العثور عليها. وتتابع لـ «القدس العربي» «أنا أعد سندويشات لأطفالي الصغار في محاولة لتوفير باقي الطعام أطول وقت ممكن، فقد نصل إلى وقت أخطر من الحالي، لأن الاحتلال يتعمد أن نعيش بجانب القصف مجاعة تقتل من تبقى من الأطفال».
ولا يجد سكان قطاع غزة أي بدائل محلية تساعدهم على الحياة، حتى الأراضي الزراعية لم تسلم من القصف الإسرائيلي منذ انطلاق عملية طوفان الأقصي، إذ تعمدت اقتلاع أشجار الزيتون، التي تشكل 70% من دخل الفلسطينيين، ومنذ أسبوع، قصف الطيران الحربي الإسرائيلي آلاف دونمات الأراضي المزروعة بالخضروات.
ويقول المزارع علاء ضهير: «منذ بدء الحرب على غزة لم أستطع الوصول إلى الدفيئات الزراعية المزروعة بالخضار أهمها البندورة والخيار، بسبب إطلاق الجيش الإسرائيلي النار علينا، وقد تم ذلك واستشهد أحد المزارعين وهو يقوم بري أرضه المزروعة بالبطاطس شرقي مدينة رفح».
ويتابع لـ«القدس العربي» «كل الخضروات أتلفها الاحتلال إما بتجريفها، أو حرمان المزروعات من وصول المياه اليها، بقطع الكهرباء ومنع إدخال السولار، وحتى المزارع الذي استطاع أن يجلب السولار بأي طريقة لتشغيل مواتير الآبار لري مزروعاته كانت له قوات الاحتلال بالمرصاد إما قتلته أو أصيب في أرضه». ويشير إلى أنه وغيره من المزارعين دمرت إسرائيل مزارعهم بشكل كامل ما تسبب في دمار أكثر من 80 دونما يمتلكها من المزروعات، وأصبحت أرضه غير صالحة للزراعة نتيجة رشها بالمبيدات الضارة من خلال الطيران الإسرائيلي.
وحسب إحصاءات رسمية فلسطينية بلغ عدد الخسائر في القطاع الزراعي الناجمة عن الحرب المتواصلة على قطاع غزة 180 مليون دولار خسائر مباشرة، فيما أتلفت قوات الاحتلال وجرّفت أكثر من 25% من المساحات الزراعية بواقع 45,000 دونم حتى اللحظة.
وعملت الجرافات الإسرائيلية على إتلاف آلاف الأشجار المثمرة، وإعدام أفواج كاملة من مزارع الماشية والدواجن والأسماك فضلا عن تعرض ست آبار مياه وثلاث محطات لضخ المياه وخزان مياه ومحطة لتحلية المياه تخدم أكثر من 1،1 مليون شخص لأضرار بليغة بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية.
ومازالت الأمم المتحدة تناشد إسرائيل أن تعيد الحياة إلى طبيعتها في غزة وناشد فيليب لازاريني، الممثل الخاص للأمم المتحدة في غزة، بأهمية رفع الحصار عن المساعدات الإنسانية، قائلا: «المياه هي الآن آخر شريان حياة متبق، وأنا أناشد برفع الحصار عن المساعدات الإنسانية الآن».
بهاء طباسي