مَن المتضرر من المقاطعة: اللبنانيون أم الشركات العالمية؟
تجتاج حملة مقاطعة المنتجات الغربية دعماً لأهالي غزة وأطفالها البلاد العربية؛ فكيف سيتعاطى لبنان مع هذا الأمر؟ وهل سيلبّي النداء؟
السؤال بديهيّ لأن الانقسام في الجسم اللبناني عميقٌ على مختلف الطروحات والمشاريع والأفكار، في الوقت الذي يعتمد نجاح الفكرة أحياناً على هويّة المكوّن الذي طرحها، والذي تلقّاها، بل على خلفيتها.
يتجوّل كريم في السوبرماركت متجنّباً رفوف المشروبات الأميركية مثل “بيبسي” و”كوكاكولا”، على الرغم من عادته اليومية في شربها خلال وجباته. لكن تصميمه على تلبية نداء مقاطعة جميع المنتجات والشركات العالمية أقوى من تلك الرغبة. كريم يُمثّل فريقاً من اللبنانيين الذين اختاروا مقاطعة العلامات التجارية العالمية تضامناً مع فلسطين، واحتجاجاً على ما يعتبرونه دعماً غربياً لإسرائيل.
ويرى كريم أن “هذا القرار هو أفضل ما يمكن فعله في ظل العدوان المستمرّ على غزة، وبوجه المجازر التي تُرتكب بحق الفلسطينيين. وهو ليس غير محاولة لكسر إنتاج الشركات الكبيرة التي تدعم إسرائيل؛ فنحن لا نرغب في تمويل معارك تقتل الأطفال بأموالنا”.
في الأثناء، تجتاح حملةٌ تحت شعار “هل قتلتَ اليوم فلسطينياً؟” عدداً من الدول العربية. لكن انقساماً واضحاً يتجلّى في لبنان حول هذه الحملة، ففي مقابل مَن استبدل المقاهي المشهورة، وأبرزها “ستارباكس” بأماكن أخرى، ثمّة مَن اعتبر أنّ المقاطعة تضرّ بالمؤسسات اللبنانية. ومن هنا يُطرح السؤال إن كان لدعوة مقاطعة المنتجات الغربية تأثير على الاقتصاد اللبناني؟
آراء منقسمة بين التأييد والمعارضة
تؤكد فانيسا أنها قرّرت مقاطعة المنتجات لكي “تريح ضميرها الإنساني”، مضيفةً: “يجب أن أفعل كل ما بوسعي لأساهم. وفي حال اعتبر البعض أن مقاطعتي لن تفيد الفلسطينيين فهي حتماً لن تضرّهم، خصوصاً أن أموالي لن تذهب لجهة ترتكب مجازر”، مشدّدةً على أنّ “المقاطعة ترمز إلى قوتنا، وتؤكد أنّه بوسعنا التوافق على مسألة معيّنة ودعم شعب بأكمله”.
لكن لدى رامي رأي مختلف، إذ يرى أنّ المقاطعة ستضرّ الشركات اللبنانية، خصوصاً أنّ أصحاب هذه العلامات التجارية الضخمة هم في المقام الأول لبنانيّون، ويقول: “إذا استمرّت هذه الحملة فإنها تهدّد بتشريد آلاف العمال والموظّفين وخسارتهم مصدر رزقهم في ظروف اجتماعية واقتصادية شديدة القسوة، فيما نحن بحاجة إلى مختلف الطرق لتحريك سوق الاقتصاد والمال فالشعارات الشعبوية لن تساهم في الحلّ، والنتيجة المحتملة هي ضرب المجتمع”. وشكّك في الجهات التي تدعو إلى المقاطعة، قائلاً: “هل يمكننا أن نثق بالجهات التي تنادي للمقاطعة؟ لا يوجد جهة رسمية اعتمدت هذا الموقف أو حتى طلبت مقاطعة المنتجات الغربية، ربما يكون هناك يد خفيّة تستغلّ المأساة الإنسانية لضرب هذه المنتجات على مستوى الجودة أو الخدمات لصالح منتجات أخرى قد لا تكون بالجودة نفسها”.
ورأى أنّ خلفية هذه الدعوات سياسيّة، خصوصاً أن المجتمع اللبناني منقسم سياسياً وطائفياً. وأوضح قائلاً: “يمكنني التضامن مع الشعب الفلسطيني وأطفال غزة، لكن إذا كنت سأتضامن مع القضية، ألا يجب على أولئك الذين يحاربون باسمها، مثل “حركة حماس”، أن يتضامنوا أولاً؟ في المنطق العسكري، يجب أن يتم تنفيذ أيّ هجوم عسكري بمخطط دفاعي، وهذا المخطط لم يكن محصناً إلا لمقاتلي “حركة حماس”، مما ترك الشعب الفلسطيني يواجه المصير الأسوأ، وهم يتحملون مسؤولية ما يحدث”.
وأكد أن “الدعوة للمقاطعة هي دعوة سياسية، شعبوية، لن تحقق أيّ نتيجة، ويجب أن نستبدلها بخطوات سلمية دبلوماسية تتخذها الدولة، وهي أفضل من قطع لقمة العيش عن عدد كبير من العائلات اللبنانية”.
المؤسسات اللبنانية
يؤكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد أن “الضرر الأكبر يقع على عاتق الشركات اللبنانية التي توظف لبنانيين وتسهم في نموّ الاقتصاد اللبناني. وتالياً، لا أعتقد أن التكسير وإلحاق الضرر بمؤسّسات خاصّة يفيد القضيّة”. والأهم أنه “ليس بالضرورة أن يكون المشغّل اللبناني للعلامات التجارية العالمية متبنّياً لموقف مانح الامتياز الأساسي، فإن كلّ عملية تكسير أو اعتداء ينتج عنها ضرر على مستثمرين ومشغّلين وموظّفين لبنانيين”.
ويؤكد أن “المشغّل للعلامات التجارية في أيّ بلد يدفع لمانح الامتياز ما بين 1 و2 في المئة لقاء تكاليف تشغيليّة، ويحصل مقابلها على مساعدة تقنية لكي يكون بمقدوره استخدام الاسم. ولكن الاستثمار الأساسيّ والتكاليف تكون على عاتق المشغّل المحلّي للعلامة، والأهم أن كلّ المخاطر التجارية والاقتصادية والسياسية والأمنية تكون على عاتقه”.
ورداً على حملات المقاطعة والتعرّض لفرعَي ماكدونالدز وستارباكس في بيروت، أصدرت الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز (الفرانشايز) بياناً توضيحياً حول ماهية تلك الامتيازات وأهميتها في الاقتصاد اللبناني.
وأشارت في بيانها إلى أن قطاع “الفرانشايز المتكامل” يضمّ علامات/ماركات فرانشايز محلية الصنع، كما يضم علامات/ماركات أجنبية، استثمر فيها لبنانيون، ويعمل فيها لبنانيون، وتضطلع بدور مهم في تكبير حجم الاقتصاد، وتسهم في زيادة الناتج الوطني، لأنّ القسم الأكبر من مداخيل المشغّل/المستثمر اللبناني يدخل في حسابات الناتج.
وقد “تمكن أصحاب القطاع، بمبادراتهم وتحليهم بالشجاعة، من مواجهة التحديات بالرغم من المشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية. كما أن الماركات العالمية في لبنان، لا سيما المطاعم، عقدت شراكات تطويرية مع صناعات لبنانية غدت موّردة لها بنِسبٍ تخطّت الـ80 في المئة في بعض الحالات، بمواصفات وجودة عالميّة، بما جعل هذه الماركات تصدّر منتجاتها المحلية إلى حاملي تراخيص الامتياز للماركات عينها في الدول المجاورة، متفوّقة على منافسات حقيقية في الأسواق الأكثر تطلباً”.
مَن المتضرر من المقاطعة؟
يرى الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان في حديث لـ”النهار” أن “العلامة التجارية العالمية لن تتضرّر بشكل أساسي، لأننا نشكّل سوقاً صغيرة قياساً بالأسواق الأخرى، ومَن سيتضرّر هو صاحب العلامة التجارية في لبنان. وتراجع المبيعات قد يؤدي إلى تراجع الالتزام بدفع المصاريف الثابتة، ومن الممكن أن يجبر ربّ العمل على صرف موظفين في حال تفاقمت الحالة”.
ولفت أبو سليمان إلى وجود انقسام وشرخ في الأفكار بين مَن هو مؤيّد لفكرة المقاطعة من عدمها، وهذا يعني أن نسبة تأثيره على حجم الاقتصاد قد تكون ضعيفة. وأضاف: “هنا يأتي دور “المنتجات البديلة”، إذ سيلجأ المستهلك إلى البدائل، وقد تكون صناعة وطنية تساهم في الإنتاج المحلي”. وجدّد التذكير بأن “لبنان سوق صغيرة، ولو قاطع جميع اللبنانيين فلن يُحدثوا فرقاً ولن تتأثر العلامات التجارية العالمية”.
ومع تنشيط الحملات حول العالم الداعية إلى مقاطعة الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل، مثل “ستاربكس” و”ماكدونالدز” و”بابا جونز”، وغيرها الكثير من المؤسسات، بسبب تقديم أحد فروعها دعماً للجيش الإسرائيلي، أكّدت إدارة “شركة ماكدونالدز” في لبنان أن “هذا القرار لا يشملها. وأوضحت ببيان أن “شركة ماكدونالدز” شركة مساهمة لا يملكها شخص محدّد بل ملايين من الأشخاص حول العالم. وأشارت إلى أن “شركة ماكدونالدز لبنان هي لبنانية مئة في المئة، وتملكها شركة “مكناس فود ش.م.ل.إي”، وإنها ذات إدارة مستقلّة، وتعود إيراداتها كافة لهذه الشركة فقط. وينحصر دور الشركة العالمية فقط في السماح باستخدام العلامة التجارية بالإضافة إلى الاستفادة من خبرتها وقدراتها”.
وأضافت: “نرغب في التأكيد أن مواقف الوكلاء الآخرين لا تمثّلنا، ولا علاقة لنا بما يقومون به، ونحن نحرص على احترام شعبنا ووطننا والوقوف إلى جانبه”.
مقاطعة في البلاد العربية
أما في ما يخصّ البلاد العربية، فقد اضطرت بعض الشركات الغربية في قطر إلى الإغلاق بعد نشر إداراتها محتوى مؤيّداً لإسرائيل على شبكات التواصل. وفي مصر، لاقت شركة المياه الغازية المصرية “سبيرو سباتس” إقبالًا كبيرًا كبديل للعلامتين الشهيرتين “بيبسي” و”كوكاكولا”.
أما في ليبيا، فقد دعا مجلس البحوث والدراسات الشرعية في دار الإفتاء الليبية إلى مقاطعة الدول الداعمة لإسرائيل في حربها على غزة بسبب ما يفعلونه وحلفاءهم بقيادة الولايات المتحدة من إبادة جماعية. وأكد المجلس أن نصرة أهل غزة واجب شرعيّ على جميع المسلمين سواء بالمال أو السلاح أو بالمقاطعة الاقتصادية والديبلوماسية والتظاهر في الميادين”.
وكانت حركة مقاطعة إسرائيل المعروفة باسم “BDS” قد انتشرت عالمياً، وتدعو إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها، وتسعى لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة، وتعمل من أجل حماية حقوق الشعب الفلسطيني.
رنا حيدر- النهار