“ستاند اب عمومي” من “أولاد “البيئة”: الكوميديا التي يريدها “الحزب”!

يكاد يكون عرض “ستاند آب عمومي”، نسخة عمّا قدمه الممثل الكوميدي حسين قاووق خلال السنوات الماضية. هي الفكرة نفسها، شيعة يتهكمون على الشيعة، مع فارق وحيد، هو تجنّب الثنائي وكل ما يرتبط بالسياسة اللبنانية. ورغم أنه من العجيب تناول قضايا محلية بمعزل عن السياسة اللبنانية المتشعّبة، يدرك القائمون على العرض أنّ الغوص فيها سيضعهم بشكل أو بآخر في مواجهة الثنائي الشيعي وأنصارهما.

“يواجه المحتوى الشاذ”
نجحت التجربة الأولى للعرض. أكثر من 300 شخص وصلوا إلى مسرح “رسالات” في الغبيري، علماً أن التذاكر نفدت بعد يومين من نشر “البرومو”، الذي ترافق مع جدل كبير سببته مشاركة كوميديانة محجبة هي ملاك بزي. تفاعل الحاضرون لأكثر من ساعة مع الكوميديين الأربعة: علي منصور، عبد النبي سلوان، ملاك بزي، حسين ناصر الدين، واعتبر القائمون على العرض أنهم نجحوا في تقديم عرض يناسب مختلف الفئات العمرية.

بلغ سعر التذكرة 4 دولارات (350 ألف ليرة) فقط، وهو يعكس رغبة المنظمين في الوصول لأكبر فئة من الجمهور. انطلق العرض بتلاوة آيات قرآنية، والتطرق للحرب الثقافية التي تواجه المجتمع اللبناني. “نحن هنا لا نستورد أي محتوى، وعدنا للمسرح اليوم لنكون الانطلاقة في مواجهة المحتوى الشاذ”، قالها أحد المنظمين قبل انطلاق العرض. لمدة ساعة، قدم الكوميديون الأربعة “الستاند اب” أمام الحضور، الذي تركّز حول المجتمع الشيعي حصراً. عاشوراء، خصوصية البيوت الشيعية، وعلاقة الشباب الشيعة وأهلهم، واندماج أبناء البيئة مع الطوائف اللبنانية الأخرى… هي أبرز المحاور التي تم التطرق إليها.

أصرّ المنظمون على اعتماد تسمية “ستاند اب عمومي” بدلاً من كوميدي، رفضاً لتصنيفهم ضمن الكوميديا اللبنانية المتعارف عليها، وهو ما أكده علي منصور خلال حديثه مع “المدن”. ويعتبر الأخير أن العرض بعيد كل البعد عمّا تشهده المسارح الكوميدية الثانية، وهدف الفرقة تقديم عمل فني هادف بعيداً عن الابتذال وخدش الحياء.

بيئة “الحزب”: الجمهور المستهدف
عمد العرض إلى التركيز على البيئة الشيعية فقط، لا سيما “بيئة حزب الله”، مع إقصاء مختلف الأطراف اللبنانية. وهي، بطريقة أو بأخرى، حركة تساهم في تثبيت الجمهور المستهدف لديهم أولاً، أي الشيعة. ولربما، يمكن القول أنّ الشيعي ساهم في تمثيل الشيعة كوميدياً بالطريقة التي تُعجب هذه الفئة، بعيداً من كل ما اعتبروه “إقحاماً على مبادئهم” و”مسيئاً للشيعة”، في عروض كوميدية أخرى.

ورغم وضوح التوجهات العامة للعرض، شكّل غياب القضايا السياسية سقطة كبيرة. ففي بلد تتداخل فيه السياسة بأدق التفاصيل اليومية، لا يعني الغياب سوى الهروب من الواقع أو تحاشيه لتبقى الضحكة “نظيفة”. بالتوازي، فئة كبيرة من المجتمع الشيعي ناقمة على أداء “الثنائي الشيعي” اليوم، ويدرك القائمون أن التعرّض للأحزاب السياسية الأخرى سيعرّضهم للنقد بسبب الاستنسابية، وهو ما تتفاداه الفرقة الآن. فهدفها حالياً واضح، الوصول إلى أكبر عدد من أبناء “البيئة”، وتقديم الكوميديا التي تناسبهم، خصوصاً جمهور “حزب الله”.

تنظيمياً، لم يختلف العرض كثيراً عن مناسبات “حزب الله” السياسية والدينية. جلس الشبان في جهة اليمين، والشابات يساراً، وخصّصت مقاعد الوسط للعائلات والضيوف، من رجال دين وممثلين وفعاليات. أصرّ مقدّمو العرض على الترويج لمعتقدات “الحزب”، وكان أبرزها ما قالته ملاك عن عيش أطفال لبنان اليوم “زمن الانتصارات”، ما يخفف من المعاناة التي يعيشونها.

ملاك بزي: كوميدية “البيئة المحافظة”
يدرك المنظمون أن معظم المشاهدين حضروا لتقييم ما ستقدمه ملاك بزي. هي نجحت في التأكيد للحاضرين أنّها عند حسن ظنهم، ومشاركتها لا تعني سوى أنّ للبيئة كوميدييها، شباناً وشابات، ولا حاجة لقصد الحانات والمسارح المروجة للمحتوى “الشاذ”، لمشاهدة عروض مشابهة. “الفتى المحجب”، هو التعبير الذي استخدمه زميلها علي منصور، لحظة تقديمها للجمهور، في مشهد يعكس استيعاب الفريق لتنميط البيئة الشيعية.

خلال حديثها مع “المدن”، تؤكد بزي على ثقتها في العرض المقدم، واعتبرت العمل “دليلاً على الكوميديا الراقية المقدمة بطريقة لائقة بعيداً من الابتذال”. لم تتابع الجدل الذي رافق “برومو” العرض، والقليل الذي وصلها من القريبين منها شكّل دافعاً لها. وهي تأمل في أن يتراجع المنتقدون لوجودها عن موقفهم بعد مشاهدة العرض الذي سيعاد تقديمه في مختلف المناطق اللبنانية.

تركّز عرض بزي حول “الخيبة” التي تصيب الأهل عندما يرزقون بطفلة، وعن تجربتها في تعليم الدراما في إحدى المدارس الشيعية. تطرّقت إلى الطفل الداخلي الذي يرافق الإنسان طوال حياته، ولم تغب عن فقرتها العلاقة التي تربط الأهل بأطفالهم، خصوصاً مع تقدمهم بالعمر.

ستكون الفرقة تحت المجهر طوال الفترة المقبلة، وستلقى الدعم التام ما بقيت عند حسن ظن البيئة وأنصارها، بالمعنى الديني والإيديولوجي. ما يهم هؤلاء، أن تبقى ملاك وزملاؤها ضمن القواعد والمبادئ الواضحة، لكي لا تلقى ردّ الفعل نفسه الذي يواجهه قاووق وأشباهه. منظمو “ستاند اب عمومي” هم أنفسهم أولاد “البيئة”، والتسهيلات التي تُقدّم ليست سوى انعكاس للمستقبل الذي ينظّمه “حزب الله” في مواجهة ما يعتبره “غزواً ثقافياً على الشيعة”.

المدن

مقالات ذات صلة