الأدوية في لبنان مزورة ومهرّبة ومسحوبة… والصيدليات في مأزق!
يشهد لبنان ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الدواء، بالإضافة إلى النّقص الحادّ في عددٍ كبيرٍ منها بعد وقف الدعم عنها، وهو ما دفع عدد كبير من الأسر إلى الاستعانة بالأدوية البديلة الأرخص ثمنًا أو حتى التوقف عن تناول الأدوية، بسبب عدم توفّر السيولة المادية.
وللأسف، يعاني اللبنانيون من إنقطاع معظم الأدوية في الصيدليات (منذ أواخر عام 2020)، على الرغم من توقف الدعم الجزئي أو الكلي عنها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها بشكلٍ يوميٍ تماشيًا مع الغلاء المعيشي ودولرة القطاعات وارتفاع الدولار، وهو ما يشكل عبئًا ثقيلًا على أصحاب الصيدليات والمرضى على حد سواء.
وقبل وصولهم للهلاك، يعتمد آلاف اللبنانيين على أقاربهم وأصدقائهم المغربين في الخارج لتأمين أدويتهم، في وقتٍ يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية ومعيشية الأسوأ في تاريخه، حيث صنف البنك الدولي الأزمة اللبنانية من بين العشر أسوأ أزمات، وربما من بين الثلاث الأسوأ عالميًا منذ القرن التاسع عشر، في حين كشفت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في تقرير لها عن ارتفاع نسبة الفقر في لبنان الى أكثر من 82 % بين السكان.
قبل الأزمة.. لبنان مركز لإنتاج وتصدير الأدوية
لو عدنا بالزمن إلى ما قبل أزمة 2019، كنا سنشهد قطاع صناعة الأدوية بأفضل حاله. ففي خمسينيات القرن الماضي، كان لبنان مركزًا لإنتاج وتصدير الأدوية في المنطقة لكنّ نشاطه تراجع عام 2019.
ولا شكّ أنّ قطاع الأدوية ساهم بشكلٍ كبيرٍ بدعم الإقتصاد اللبناني كما وفّر فرص عملٍ لكثيرين. لكنّه اليوم استنزف كلّ قدراته نتيجة تكدّس الأزمات الصحية والبيئية والسياسية والإقتصادية. ورغم ذلك، يحاول الدّواء المحلي جاهدًا، لصمود القطاع وضمان استمرارية الصيدليات رغم التحديات.
الدواء المستورد هو الأفضل؟
بعد انخفاض أسعار الأدوية المصنوعة محليًا (قبل الأزمة)، كان من الصعب خرق الدواء المستورد، خصوصًا في ظل وجود الثقافة السائدة بأن الدواء المستورد هو الأفضل. ولكن، مع إصرار المصانع على الصمود وتغطية حاجات السوق في ظل الأزمة، اقتنع المواطن بجودة الدواء المحلي بعد أن أرغمته الأزمة على ذلك، كاختيارٍ وحيدٍ في مرحلة أولى. فالدواء المحلي الصنع أولًا متوافر بطريقة مستدامة، ثانيًا أسعاره مدروسة أكثر وثالثًا موافقة للمعايير العالمية. وتنخفض أسعاره بنسبة 70 % عن الدواء المستورد الأصلي وبنسبة 30 % عن الدواء المستورد البديل.
الصيدليات في مأزق
في حديثها للدّيار، تؤكد الصيدلانية ر. حبيب (مالكة إحدى الصيدليات في بيروت) أنّ غالبية الأدوية في لبنان هي مستوردة. أمّا المصنّعة داخل الأراضي الللبنانية، فهي أيضًا معلّبة بمواد أولية من الخارج، وهذه التكاليف جميعها بالدولار (بالإضافة إلى مصاريف الوكلاء، والتجار).. لهذا السبب تسعّر الأدوية في لبنان بالدّولار.
وعن الصعوبات التي تواجهها الصيدليات، معظمها تكمن عند الدّفع. ففي ظلّ أزمة الدولار وعدم إستقراره، على جميع الصيدليات دفع تكاليف الطلبيات قبل استلامها، وهنا مشكلة عدم توافر السيولة بين أيادي الصيادلة.
ومن أكبر المشاكل التي واجهتها الصيدليات منذ بداية الأزمة، عدم تسليم الدواء للصيدليات، مع تحديد أعداد معيّنة من الأدوية، على حدّ تعبيرها، ما يترتّب على ذلك صعوبة تأمين طلبات السوق المحلي.
النقابة: مطالبنا الأساسية ضمان صحّة المريض
تبرز اليوم معضلة جديدة هي أنّ تواجد الأدوية لم يحلّ الأزمة بالكامل، بحيث أنّ المشكلة أضحت في أثمان هذه الأدوية التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني وأصبحت خارج متناول القسم الأكبر من المرضى.
وفي السياق، يشير نقيب الصيادلة في لبنان جو سلوم في حديثه للدّيار، إلى أنّ أولوياتنا من أولويات صحّة المريض، ولأنّ المرضى يعانون في الوقت الحالي، نحن نعاني معهم.
وأبرز الصّعوبات التي تواجه قطاعنا هي: أولًا إنقطاع أدوية الأمراض المستعصية من السوق بما فيها أدوية السرطان، ثانيًا إرتفاع أسعار الأدوية بشكلٍ جنونيٍ ما يؤثر سلبًا على صحة المواطن وعدم تأمينه الدّواء المناسب له ولعائلته، ثالثًا انتشار الأدوية المهربّة والمزوّرة في الأسواق ما يهدّد سلامة وصحّة المريض، ورابعًا تواجد أماكن غير شرعية مثل المستوصفات غير المرخّصة التي تعطي الأدوية غير المناسبة للمريض.
ومن هنا، يطالب سلوم بتوحيد الصناديق العامة لتأمين الأدوية، لذلك “نحنُ بحاجة لبطاقة صحية موحّدة” على حد قوله. وبحاجة إلى ضبط استيراد الأدوية بكل أنواعها لحجب التهريب والتزوير.
أمّا المطلب الثاني والأساسي هو الإعتماد على الأدوية الوطنية والصناعة المحلية التي تزيد من فرص العمل واليد العاملة، على اعتبارها ذات جودة عالية بتكاليف وأسعار أقلّ بكثير من تلك المستوردة، وبالتالي المحافظة على الدواء المبتكر.
هل من تجاوب لهذه المطالب؟
يفيد سلوم بأنّ دورهم الأساسي اليوم هو رفع الصوت والتعاون مع القضاء والنيابة العامة وملاحقة المزورين لتأمين الدعم المباشر للمريض ولصحّة المريض.
الديار