هل حوّل “الحزب” المطار إلى وكر للتهريب.. عبر شركات طيران خاصة وتورّط مسؤولين؟
لم يكن ما كشفته قناة “العربية – الحدث” منذ أسبوع عن تهريب الأسلحة عبر مطار رفيق الحريري الدولي أمراً مستغرباً، فالقاصي والداني يعرف أن “حزب الله” يسيطر على المطار ويتحكّم بكل مفاصله، إلا أن التفاصيل التي أوردتها القناة تبدو محدّثة عن دور الحرس الثوري الإيراني وشركات طيران خاصة وتورّط مسؤولين في “الحزب” داخل المطار في نقل الأسلحة وما له من إمتيازات يستغلها في خدمة مرجعيته الايرانية.
أول من تلقّف المعلومات كانت “الجبهة السيادية” التي عقدت مؤتمراً صحافياً معلنة عن تقديمها إخباراً قضائياً أمام النيابة العامة العسكرية في بيروت حول هذه القضية، معتبرة أن المعلومات صحيحة حتى إثبات العكس، بدليل ما حصل في 7 أيار 2008 إذ كان أحد أسبابه ما اعتبره “الحزب” مسّاً بموقع قيادة جهاز أمن المطار. ولا أحد ينسى كيف فتح رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” السابق وليد جنبلاط ملف كاميرات المراقبة التي زرعها “الحزب” في محيط المطار، وقال حينها: “لا قيمة للاجراءات التي تقام لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 (الذي يقضي بمنع دخول السلاح الى لبنان) إذا كان رئيس جهاز أمن المطار وغالبية العناصر والضباط معه تابعين للحزب الذي لا يعترف بالدولة”، مضيفاً أن “عناصره بزرعهم كاميرات لمراقبة المطار يستطيعون أن يقوموا بعملية تخريبية ويراقبوا وصول شخصية لبنانية أو غير لبنانية وبهذه الطريقة يستطيعون أن يخطفوا أو يغتالوا على طريق المطار”. فاتخذت حكومة فؤاد السنيورة قرارات جذرية لمعالجة الأمر، إلا أن رد فعل “الحزب” أشعل حرباً أهلية لبضعة أيام، قبل أن تتدخل قطر وتدعو القوى السياسية الأساسية إلى الدوحة، والتوصّل إلى اتفاق لتتراجع الحكومة عن قرارها وينتخب العماد ميشال سليمان رئيساً.
هكذا سلّمت الدولة عبر مؤسساتها بنفوذ “الحزب” على المرافق العامة الاستراتيجية كالمرفأ والمطار والمعابر الحدودية مع سوريا.
لكن القصة لم تنتهِ هنا، بالنسبة إلى “الجبهة السيادية” التي تعتبر مصادرها “أن الاعلام العربي عندما يبث مثل هذا التقرير فهو لا ينطلق من الفراغ، انما لديه معطيات مؤكدة من داخل المطار، إلا أنه لا يمكنه أن يكشف عن مصادر هذه المعطيات كي لا يعرضها للخطر، لذلك تقدّمنا بإخبار إلى القضاء الذي يجب أن يتحرك، علماً أننا وضعنا توضيحات اضافية يستند اليها هذا التقرير وأصبحت بمتناول القضاء، وإذا بدا له أن هذه المعطيات غير صحيحة، فنحن مستعدون للاعتذار”.
ما لاحظته “الجبهة السيادية” أن القضاء لم يتحرّك، “وهذا يعني أن هناك من يمنعه من التحرّك ويكبّله، وهذه إدانة بحد ذاتها ما يؤكّد صحة تقرير العربية – الحدث، ومما لا شك فيه أن الحزب يستخدم المطار لأغراض أمنية، علماً أن تقارير دولية أشارت سابقاً بالمعلومات الدقيقة الى أرقام الطائرات التي تنقل السلاح وحددت المدرّج الذي تهبط فيه. كل ذلك، يشكّل خطراً على الناس، ويذكّرنا بإنفجار مرفأ بيروت والمواد الكيميائية التي دمّرت نصف بيروت”. وهنا تتساءل “الجبهة السيادية”: “أليس المطار مصمماً لمسائل مدنية؟ وهل يصلح لمسائل عسكرية؟ نحن نعرف أن كل ما يتعلق بنقل المحتويات العسكرية يجب أن يحصل خارج المدن وبعيداً عن السكان، علماً أن مطار رفيق الحريري الدولي هو المنفذ الجوي الوحيد إلى الخارج”.
ويبدو أن كل هذه الأمور تحصل تحت أنظار الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية في المطار، والحجة الأساسية أنها خاضعة للقرار السياسي والبيانات الوزارية، وهنا يقول عميد متقاعد في الجيش اللبناني: “ان التذرّع بالبيانات الوزارية وثلاثية جيش وشعب ومقاومة هي كذبة كبيرة، فهل البيان الوزاري يعلو على الدستور الذي يمنع هذه التصرفات؟ إضافة إلى ذلك، مفعول هذه البيانات الوزارية ليس دائماً، بل تزول مع رحيل حكوماتها، والمؤسف أن رجال الأمن في المطار خاضعون لسطوة الحزب، وكلنا شاهدنا كيف تصرّف الجيش اللبناني مع شاحنة الكحالة، وفي كل الحالات التي يكون الحزب طرفاً فيها”.
لا يستبعد العميد المتقاعد أن تقوم اسرائيل بضربة عسكرية لشحنات السلاح التي تصل إلى “حزب الله” في المطار انطلاقاً مما يحصل في سوريا، إذ تقوم اسرائيل بضربات لمطارات سوريا التي تتأكد فيها من احتضانها للسلاح والذخائر، ويؤكّد أن الاسرائيليين والأميركيين يجففون مصادر “الحزب” المالية والعسكرية، والسيطرة الأميركية على معبر البوكمال يثبت ذلك.
وترى “الجبهة السيادية” أن من الضروري انشاء مطار آخر في لبنان ليس لأسباب استخدامه من “حزب الله” وحسب، إنما لأسباب الإنماء المتوازن، إضافة إلى سلامة حركة الملاحة، ففي كل الدول هناك مطاران أو أكثر، وها هي قبرص التي تشبه لبنان من حيث المساحة وعدد السكان، تضم 6 مطارات. لكن “الجبهة السيادية” تعتبر أنه لو أنشئ مطار آخر، فلا شيء يضمن أن يكون بعيداً عن هيمنة “الحزب” الذي يضع يده على كل المنافذ الحدودية من أقصى الشمال إلى أقصى الشرق والجنوب.
وهذا ما يوافق عليه العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، ويروي نكتة تصف الوضع اللبناني مع “الحزب” بدقة، فيقول: “يُروى عن حفرة في حمص كانت تقع فيها السيارات، فإجتمعت البلدية هناك للتوصل إلى حلّ، أحدهم اقترح أن تستعين البلدية بسيارة اسعاف يتم ركنها قرب الحفرة، فاعترض آخر قائلاً ان هذا الطرح غبي، ومن الأفضل بناء مستشفى قرب الحفرة، فاعترض أحد الأعضاء بأن كلفة المستشفى ستكون كبيرة، واقترح حفر حفرة قرب المستشفى، وتبيّن أن المهم بالنسبة إلى أعضاء البلدية أن تبقى الحفرة، والحفرة هي حزب الله!”.
من جهة أخرى، لن تهدأ “الجبهة السيادية” ولن تستكين في هذه المسألة، وتلفت إلى أن قضية المطار مرّت بثلاث مراحل: الأولى التقرير الذي كشف الخفاء عما يحصل في المطار من تهريب للأسلحة، الثانية إخبار الجبهة إلى القضاء ووضع كل الداتا بتصرفه، والثالثة يتم درسها، وقد تتضمن تحركات شعبية للمطالبة بتشغيل مطار القليعات أو رياق أو حامات. فـ”الجبهة السيادية” تجزم بأن مطار رفيق الحريري الدولي تحت سيطرة “الحزب”، وبالتالي هو ليس آمناً، بدليل أن شخصيات سياسية مثل جبران تويني وغيره اغتيلوا بسبب انكشاف الداتا في المطار!
واللافت أن بعض الدول القريبة والبعيدة تضع المطار تحت المجهر، وكلّها تؤكّد أنه تحوّل الى وكر لتهريب السلاح والمخدّرات، ففي العام 2018، أعلن مدير برنامج “ستاين” لمكافحة الإرهاب والاستخبارات ماثيو ليفيت في تقرير أودعه في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” عن وجود أشخاص نافذين في “حزب الله” يُمارسون أنشطة تتعلق بتهريب السلاح والاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال عبر مطار بيروت، وتوفر هذه النشاطات الدعم المالي لـ “حزب الله” وأنشطته العسكرية. وفي العام 2018 أيضاً، أعلنت السفارة اللبنانية في طهران أنه، ومن أجل تسهيل سفر الإيرانيين من لبنان وإليه ، سيتم إلغاء ختم جوازاتهم لدى دخولهم أو خروجهم من مطار بيروت. علماً أن الحرس الثوري الإيراني يرسل مسلحيه الى عدد من دول المنطقة، لتأجيج الصراع والتدخل في شؤونها لتعقيد الأزمات، مثلما يحدث في سوريا والعراق واليمن.
وفي العام الفائت، أبلغ وزير الداخلية بسام مولوي معلومات بأن شركة الطيران الإيرانية “معراج” المرتبطة بالحرس الثوري الايراني تقوم بتهريب أسلحة ومعدات حساسة لـ”حزب الله”!
وننتقل من داخل المطار إلى خارجه، إذ في كل مرة يعيش سكان منطقة محيط المطار فرحاً أو حزناً أو نجاحاً أو إذا ما احتفلوا بقدوم عام جديد، وأحياناً بولادة طفل، يلعلع الرصاص من السلاح المتفلت، فيصيب المطار بطائراته ومدارجه، وما ينتج عن ذلك من تعريض حياة المسافرين عبره من لبنانيين وعرب وأجانب للخطر.
في شهر كانون الثاني 2022 تداولت بعض المواقع الالكترونية، معلومات عن تعرض طائرات في المطار لاطلاق نار، ما اعتبر مؤشراً خطيراً وغير مسبوق الى تدهور الأحوال الأمنية والعامة في لبنان، إلا أن وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية، نفى حينها هذه المعلومات، مؤكداً أنه تمت مراسلة جهات متخصصة في الولايات المتحدة لإعداد تقرير عن ثقب تعرضت له طائرة يونانية في مطار بيروت.
وخلال شهر تشرين الثاني 2022، أكد مصدر في ”طيران الشرق الأوسط”، إصابة طائرة تابعة للشركة برصاصة طائشة أثناء هبوطها في مطار بيروت. وأثناء رحلة عودة طائرة من العاصمة الأردنية عمان، اخترقت رصاصة من سلاح رشاش مقدمتها، قبل أن تحط على أرض المطار بثوان قليلة، وقيل إن الرصاصة جاءت نتيجة إطلاق نار أثناء مراسم تشييع في الضاحية الجنوبية، الأمر الذي أحدث حالة من الهلع بين ركاب الطائرة.
وفي بداية السنة الجارية 2023، أصيبت طائرتان لـ”طيران الشرق الأوسط” برصاص طائش، بحسب وسائل إعلام لبنانية، وأفيد بأن الطائرتين “T7-ME9” و “T7-ME2” سحبتا إلى حظيرة الطائرات لاصلاحهما. في 8 آذار 2023 نجت طائرة مدنية من كارثة محققة قبل هبوطها في المطار، وذلك إثر اشتباك مسلح بين آل صفوان وآل المقداد!
كل شيء يؤكّد أن المطار بات مستعمرة لـ”حزب الله” الذي يسطو على الدولة اللبنانية، ومطلب اللبنانيين اليوم هو تحرير هذا المرفق العام الحيوي، ونقله من “الدويلة” إلى “الدولة”.
جورج حايك- لبنان الكبير