لماذا ارتبط تاريخ الآيس كريم بالطبقات المرفهة؟

سمي في بعض وسائل الإعلام اختراعاً، ووصفه بعض الكتاب الغربيين المعاصرين بالاختراع العظيم، لكنه عربياً وشعبياً أدرج ضمن قائمة الأطعمة التي تعبر عن الترف والثراء، وهو السبب وراء استمرار تداول الاسم الأجنبي له شعبياً حتى يومنا هذا.

فالمثلجات أو الـ”آيس كريم” اختراع مسجل باسم الثقافة الغربية التي وضعت من خلال مراحل تشكيل بعض الأطعمة ومنها هذا الاختراع، حاجزاً طبيعياً حال دون الاختلاط بين عالمين تقليديين هما عالم الإنسان الغني والإنسان الفقير. وظلت الحال كذلك لمئات السنين، إذ حافظ بعض الأثرياء في العالمين القديم والجديد (حتى القرن الـ18) على هذا الاختراع بوصفه وجبة مترفة سرية تتنقل بين الحضارات عبر قرون من الزمن على شكل وصفة نخبوية أخفاها بعض الملوك والنبلاء بشكل متعمد عن بقية النخب المعاصرة لهم، وعن عامة الناس أيضاً.

بداية اللذة المثلجة

كانت المثلجات شعبياً بدأت من العالم القديم، إغريقياً ثم صينياً قبل أن تصل إلى أوروبا ومنها إلى جميع أصقاع العالم، لكن التحدي الكبير أمام هذا الاختراع في العالم القديم كان متمثلاً في تأخر العلوم وتخلف إنسان ذلك الوقت فيزيائياً، لأن تجميد الماء كان سهلاً ومتداولاً بالطبيعة، على عكس تجميد الحليب وبقية النكهات والمكونات التي أعطت المثلجات بريقها، أضف إلى ذلك صعوبة الحصول على الملمس الناعم والحريري الشهير لهذا الطبق الصيفي الشهي الذي أعد على مدى قرون طويلة من خلال وسائل تقليدية وبواسطة أدوات المطبخ العادية، إذ احتاج الإنسان إضافة إلى الوقت الطويل للعلم والآلة معاً من أجل تحويل المكونات العادية للمثلجات إلى (آيس كريم) من حيث الشكل والقوام والمذاق الذي يجذب الأنظار بخاصة السيدات والأطفال أكثر من غيرهم.

الـ”آيس كريم” والعلم

كانت المثلجات أشبه بعصائر مبردة من دون قوام مميز حتى وقت قريب، وبعد تجارب وبحوث كثيرة عرف الناس أن تجميد الحليب لا يحدث إلا عند درجتي (0.53 – 0.65 مئوية) وهي درجة تجمد أقل بكثير من درجة تجمد الماء، مع ذلك وصل القدماء إلى حل هذا اللغز من خلال وصفات شعبية اعتمد أشهرها على إضافة الملح إلى مزيج الماء والحليب ومن ثم تجميده بطرق بدائية، وكانت أشهر الوصفات للحصول على مثلجات منزلية عام 153 ميلادية تلك التي عرفت باسم وصفة “إيليس”، وهي السيدة الأوروبية التي أشار إليها المؤرخان روبين وكارولين وير، والتي يظهر أنها من الطبقة الأرستقراطية، إذ كتبت تقول “املأ صفائح الثلج بأي نوع من القشدة التي تحبها، عادية أو محلاة، مع فاكهة مضافة، وأغلق الصفائح بإحكام شديد وضعها في قبو حيث لا تصل إليها الشمس أو الضوء، سيتجمد خلال أربع ساعات”.

تجميد المكونات لم يكن العائق الوحيد، فالملمس الحريري والتجانس الذي يثير الشهية إضافة إلى الملونات، كلها عوامل لم يحصل عليها الإنسان إلى متأخراً جداً، وتحديداً في زمن الآلة بعد أن ابتكرت نانسي جونسون من نيوجرسي الأميركية عام 1843 مبرداً ذا ذراع يديوية سمح بإضفاء الملمس الحريري المميز للمثلجات، المعروف لدينا حالياً في المنازل والمتاجر التي تبيع هذا النوع من الحلويات.

مثلجات الحياة الاجتماعية

عبر فيلم “محامي خلع” 2002 لهاني رمزي، أطلقت الفنانة المصرية علا غانم جملتها الشهيرة مخاطبة والد المحامي الذي تطمح إلى الزواج به بقولها “إلحق يا عمدة ابنك حيغمس الآيس كريم بالعيش”، كناية عن رغبة المحامي ذي الأصول الريفية المحافظة، في الزواج بسيدة متمدنة تعمل في مجال الأزياء والموضة. هذا الإسقاط يثبت أن الـ”آيس كريم” والمثلجات حتى ذلك التاريخ ما هي إلا رمز غربي جسد بوضوح اختلاف ثقافة الأكل والغذاء في العصر الحديث بين طبقات المجتمع، فثقافة “العيش” في عوالم الفقراء، في كل مكان وليس في الريف المصري وحسب، تناقض تماماً ثقافة المثلجات التي تعد في كثير من الأحيان رفاهية بالغة لا يتمكن كثيرون من الحصول عليها والاستمتاع بمذاقها، لأنها مثل البسكويت لا تحل مكان الخبز والطعام العربي التقليدي، مع أن مكوناتها البسيطة وقوامها البيض والحليب والعسل والفاكهة وغيرها تكفي متفرقة لإثراء مائدة الأسرة الريفية بوصفها وجبة فطور أو غداء دسمة.

ويحتوي نصف كوب من المثلجات على ما يقرب من 140 سعراً حرارياً وسبعة غرامات من الدهون و14 غراماً من النشويات أو السكر. مع ذلك ظلت ثقافة الـ”آيس كريم” بمثابة حاجز وردي بسيط بين الطبقات حالت دون التماهي بين الغني والفقير، حتى أنه وضع حدوداً اجتماعية بين الرجل والمرأة والطفل في بعض الأحيان، إذ عرف هذا الطبق بكونه يناسب المرأة والأطفال أكثر من الرجال.

“آيس كريم في ديسمبر”

يظهر ذلك أكثر من خلال فيلم مصري آخر هو “آيس كريم في جليم” لعمرو دياب والمخرج خيري بشارة عام 1992، إذ أكد الفيلم الغنائي الذي حمل أغنية بعنوان “آيس كريم في ديسمبر” على هذا المعنى الطبقي للـ”آيس كريم” من خلال قصة تشبه قصة ساندريلا، إذ يقع البطل (المغني سيف) في حب الفتاة الفقيرة التي تأكل “آيس كريم” حتى في شتاء جليم القارس.

الإسكندر الأكبر، وملك روما متقلب المزاج نيرون، وتشارلز ملك إنجلترا في القرن الـ17، وأسرة تانغ الحاكمة الصينية ذائعة الصيت في العالم القديم، وصولاً إلى مشاهير كثر معاصرين كلهم وقعوا أسرى هذا الاختراع الذي قال عنه الطبيب والعالم الإغريقي أبقراط، إنه يسبب أمراضاً كثيرة منها الأرق وتقلبات المعدة وضعف المناعة وانعدام الشهية. وأثبت العلم الحديث صحة نظرية الطبيب الإغريقي، ثم أضافت دراسات كثيرة وبحوث علمية من مصادر عدة متداولة على الشبكة العنكبوتية معلومات وحقائق أخرى كثيرة حذرت من الإفراط في تناول المثلجات، لأنها تغير الإيقاعات الحيوية للإنسان، فتزيد معدل ضربات القلب وترفع حرارة الجسم لدى بعض الرجال الأصحاء، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بجودة النوم.

اندبندنت

مقالات ذات صلة