بعدما تناولها هوكشتاين… هذه حكاية “المنقوشة”: هيدا أصل المنقوشة/ المنقوشة.. لبنانيِّة!

الصورة التي تعمد نشرها المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين على منصة “اكس” وهو يتناول الفطور الصباحي، كاتباً “من الرائع العودة إلى بيروت قهوة سريعة ومنقوشة في الفلمنكي” أثارت ضجة كبيرة من ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، بين منتقد ومرحب. فقد إعتبر محللون محليون أنها جزء من “ديبلوماسية الصورة” التي اعتمدها لتأكيد أن زيارته ليست في “سياق معركة” وهي بعيدة عن “الصوت العالي”… وبسبب الضجة التي أثيرت حول تناول هوكشتاين “المنقوشة”، فإننا سنتناول حكايتها عبر الزمن.

حكاية “المنقوشة” وتاريخها:
“المنقوشة” سيدة الفطور اللبناني، وتحتل هذه الأكلة الرمز، بطعمها ورائحتها ودفئها، مكاناً مميزاً في ذاكرتنا على إمتداد السنين، بحيث تتصدر هذه الوجبة البسيطة مائدة الفقراء والأغنياء لطعمها اللذيذ. من إسمها تتخيل أن لوحة أثرية ستوافيك الآن على السفرة. عجينة دائرية نقشها خابزها بأصابعه كي لا تتحول إلى رغيف خبز. “المنقوشة” هي علامة فارقة ومميزة ولافتة في الواقع اللبناني. فهي الغذاء الصباحي لغالبية الشرائح الاجتماعية أو “الترويقة” السريعة التي يمكن تناولها في كل مكان، خصوصاً في أماكن العمل والوظيفة. وتعرف “المنقوشة” في لبنان بأنها من أشهر أصناف الفطور، ويرتبط إسمها بحسب العرف اللبناني، المشتق من كلمة “نقش” إرتباطا مباشراً بالزعتر والسمسم المخلوطين مع زيت الزيتون، بحيث يتم مد هذا المزيج على عجينة رقيقة تخبز في الفرن فتتصاعد منها رائحة زكية وشهية. إلا أن بعض المصادر التاريخية رجح أن أصل الكلمة التركية (manguš) من الفارسية منكوش (كوش تعني الأذن)، وإنتقلت من العثمانية إلى لغات البلقان مثل: “مندوشا” (mìnđuša) في البوسنية والصربية وبدخولها الى المغرب الكبير أعطت لبعض اللهجات الأمازيغية كالقبائلية كلمة “تمنكوشت”. وهي غير الحلويات المنقوشة وغير المنقوشة الشامية (أكلة)، ولا ترتبط بالعملات القديمة(Mancus) .

ولا يستبعد الباحثون في عادات الشعوب، أن يكون الايطاليون قد اتخذوا فكرة “البيتزا” من الشرق وذلك بسبب التبادل التجاري النشط مع العثمانيين، علماً أن “البيتزا” ظهرت مع بداية إستيراد البندورة من الولايات المتحدة الأميركية.

تطورها:
مع الزمن لحقت المنقوشة في لبنان تطورات كثيرة، فبعدما كانت أنواعها محصورة بالزعتر، إلا أنها اليوم تشهد لائحة طويلة من المكونات التي تدخلها تحت اسمها المشهور، إذ أضيفت إليها أنواع “مناقيش” أخرى مثل الكشك والجبن (من أنواع العكاوي والبلغاري والحلوم والقشقوان) وغيرها.

كتاب عن “المنقوشة”:
جذبت المنقوشة اهتمام الناشطة الغذائية والكاتبة اللبنانية بربارة مسعد التي ألفت لأجلها كتابها الأول”Man’oushe: Inside the Lebanese Street Corner Bakery”. كان الأمر بمثابة مغامرة جالت فيها على أكثر من 250 فرناً من مختلف المناطق اللبنانية تعرفت خلالها على طرق مختلفة لخبز “المنقوشة”. الكتاب كان مصدر إلهام لكثير من الناس كي يفتحوا مخابز لبيع “المنقوشة” حول العالم. تعطي مسعد وصفات بسيطة لصناعة “المنقوشة” والمكونات التي يمكن استخدامها، ولكنها تؤكد أن “المنقوشة” المفضلة لديها تبقى منقوشة الزعتر التي تتذوق من خلالها مذاق وطن الأرز. وترى أن “المنقوشة” باتت أيقونة لبنانية، بحيث إن أي زائر حين يصل الى مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت أول ما يفعله هو تذوق “المنقوشة” اللبنانية.

وحلمت مسعد في كتابها برؤية “المنقوشة” في كل أرجاء العالم، وتعتبر اليوم أن حلمها بدأ يتحقق لأن كثيراً من المستثمرين الجدد وبالتحديد من جيل الشباب باتوا يفتحون متاجر لبيعها في كل العالم كالولايات المتحدة ولندن وحتى أوستراليا. وكذلك إكتشفت خزاناً ثقافياً خلفياً يسند المناقيش ويستند اليها، مثل الأمثال الشعبية: “أعط خبزك للخباز ولو أكل نصّو”، و”نسوان الفرن”، اللواتي يثرثرن في انتظار نضوج العجين في الفرن، وتعرفت على مجموعات منهن وأصبحت صبحية الفرن لهنَّ “وسيلة يومية للتواصل ومناقشة مختلف المواضيع الاجتماعية وحتى السياسية”.

تجدر الاشارة الى أن “المنقوشة” لها يوم عالمي، يحتفل به في الثاني من تشرين الثاني من كل عام، وبمناسبة هذا اليوم، قال الشاعر نزار فرانسيس: زعتر وزيت مَرشوشِة/ ومشويِّة شوَيِّة شوَيِّة/ هيدا أصل المنقوشة/ المنقوشة.. لبنانيِّة.

زياد سامي عيتاني- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة