إنتحَرَ أم أُنتُحِر؟ رواية مفكّكة لـ”حزب الله”: لكن ما الغاية من كل هذه الرواية؟
في عِلمِ الجريمة، الثابت أنّ «ألف باء» التحقيقات ينطلق من تركيب «مجسَّم» عن كيفية حصول الجريمة، ومن دون هذا «المجسَّم»، يبقى التحقيق مجرَّد فرضيات تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب.
في حادثة حي السلَّم، شابت خبر الكشف عما حدث عيوب كثيرة، من شأن تفنيدها وضع الحادثة في دائرة الشبهة والتشكيك، وهذه نقطة تسجَّل على المحققين من «حزب الله»، ولا تُسجَّل لهم.
وَرَد، في ما نُشِر أن «وحدة الحماية في «حزب الله» توفرت لديها معلومات عن مشارك في التفجيرات التي حصلت في منطقة السيدة زينب، جنوب دمشق، وهي منطقة يسيطر عليها «حزب الله»، في تموز الماضي. تتبع الحزب الإرهابي وسام مازن دلةّ، (من مدينة التل في سوريا، وعمره 23 عاماً)، ودخل الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية».
المتهم قُتل بعدما رمى نفسه من الطابق السابع، خلال مداهمة من عناصر «الحزب» لمكان إقامته في حي السلم، في الضاحية الجنوبية، «المنتحِر ينتمي إلى تنظيم داعش وقام بعملية تفجير في سوريا، وهرَب إلى لبنان من خلال دخوله خلسة إلى الأراضي اللبنانية».
هناك حاجة إلى التدقيق في كل هذه الرواية:
إذا كان المنتحِر ينتمي إلى تنظيم داعش، فهل يُعقَل أن يضع رأسه في «فم الأسد»، أي أن يقطن في منطقة سيطرة «حزب الله»؟ بعدما قام بعملية تفجير في سوريا، في منطقة يسيطر عليها «الحزب؟».
أليس هناك من مكان يتوارى فيه في «بيئات» تحميه في البقاع أو الشمال أو حتى مخيمات النازحين السوريين أو اللاجئين الفلسطينيين؟ لماذا «اختار» الضاحية الجنوبية حيث نسبة تخفِّيه شبه معدومة؟
إذا كان قُتِل بعدما رمى نفسه من الطبقة السابعة، فكيف يرِد في الخبر ذاته أنه «توفي بعد نقله إلى المستشفى»؟
إذا كان صحيحاً أنّ «حزب الله» تعقَّبه منذ لحظة دخوله، خلسة، إلى لبنان، فلماذا لم يبلِّغ الجيش اللبناني عنه؟ لماذا لم يعتقله؟ لماذا تركه يصل إلى الضاحية؟ إذا كان الأمر يتعلَّق بضبطِه بالجرم المشهود، كأن تتم عملية الضبط أثناء محاولته تركيب عبوة أو ما شابه، فلماذا لم يظهر شيء من كل ذلك؟
لماذا لم يتم إبلاغ الجيش إلا بعد حدوث عملية «الإنتحار»؟ هل سلَّم «حزب الله» ملف التحقيق وما توافر لديه من»معلومات» إلى الجيش اللبناني؟
وكالات الأنباء العالمية، والوكالات المحلية، شكَّكت في رواية «حزب الله»، فحادثة التفجير في دمشق، والتي اتُهِم فيها «الانتحاري»، وقعت في أواخر تموز الفائت، وحادثة حي السلم وقعت منذ يومين، فكيف استطاع هذا الانتحاري التواري لقرابة العشرين يوماً؟ وفي حال صحَّت نظرية التواري، لماذا لم يُبلَّغ الجيش اللبناني؟
«مجسَّم» التحقيق مفكك، لكن ما الغاية من كل هذه الرواية؟ من منطقة السيدة زينب في دمشق إلى حي السلم في الضاحية الجنوبية؟ هل للقول إن «حزب الله» يحارب داعش في سوريا كما في لبنان؟ وأنه مكلَّف من تلقاء نفسه بهذه المهمة؟ إذا كان هذا هو السيناريو، فهذا يعني أنّ «حزب الله» وضع أجندته، بمعزل عن أولويات اللبنانيين، وكأنه يقول لهم: «أنا أحارب داعش، ولا وقت لدي لأي شيء آخر». بهذا المعنى، لا تعود انتخابات الرئاسة أولوية، ويكون «حزب الله» قد أخرج نفسه من الاستحقاقات الحياتية والاقتصادية والمعيشية، باعتبار أنّ أولويته هي محاربة الإرهاب، ولا أولوية تعلو عليها.
جان الفغالي- نداء الوطن