لبنان و”حزب الله”… مأزق بلا مخرج

لبنان في تراجيديا بلا نهاية، على عكس التراجيديا الإغريقية. مأزق ممنوع الخروج منه بقوتين متكاملتين: قوة المصالح باسم الطوائف، وقوة السلاح باسم المقاومة. لا مخرج مع أنه واضح. لا بالحوار على البارد، ولا بالصدام على الحامي. لا بالتوقف أمام صراخ الناس وضغوط الأزمات عليها، ولا بالرهانات على صفقة خارجية تعطي البلد فرصة لإبقاء رأسه فوق سطح المياه، والأمل في حد أدنى من الفساد واللصوصية والمحاصصة في إدارة الأزمات وتوظيفها. والأخطر هو تصرف أهل المصالح على أساس أنهم باقون ولو انتهى البلد وهاجر الشعب، ورؤية أصحاب القوة المأزق طريقاً مفتوحاً إلى لبنان آخر في شرق أوسط آخر. وليس المناخ المتوتر والصدام الذي حدث بعد انقلاب شاحنة ذخائر يرافقها مسلحون من “حزب الله” سوى صورة مصغرة لمشهد واسع في الوطن الصغير. ولا شيء يوحي بأن جماعة “الممانعة” في وارد المراجعة، ولا أن بقية اللبنانيين الذين طفح بهم الكيل من تمدد الهيمنة في وارد التراجع. خطاب الاستكبار والتبجج ازداد حدة، بحيث صار القول إنه “لا لبنان من دون المقاومة”. وخطاب التهديد والاتهامات بالعمالة لأميركا وإسرائيل لم يكتفِ بشعار “حمايه السلاح بالسلاح”.

وعلى طريقه المثل القائل “لا سوء حظ من دون بعض الحظ”، فإن الدعوات مرتفعة إلى تجنب الحرب الأهلية والتحذير من الفتنة. لكن ما نحن فيه ليس أقل سوءاً من الفتنة، ذلك أن السلاح ليس موضوعاً مجرداً في حد ذاته، بل مرتبط بوظيفته وهوية من يستخدمه ومشروعه. فـ”المقاومة الإسلامية في لبنان”، والتي قاومت الاحتلال الإسرائيلي ودحرته من الجنوب في عام 2000، ليست مجرد مقاومة لإسرائيل، بل لها أدوار أخرى. ومن طبائع الأمور أن تحتاج إلى خطوط إمداد ولوجيستيات وأمور أخرى، لكن توسعها في البلد ليس فقط لضرورات المقاومة، بل أيضاً لحاجات المشروع الإقليمي الإيراني. وإلا كيف نفسر دور “حزب الله” في حرب سوريا وأزمة العراق وحرب اليمن وأزمات إقليمية أخرى؟ وهل نحتاج إلى ترجمة سياسية لخطاب بالغ الصراحة ألقاه الأمين العام للحزب حسن نصرالله في عام 2019، قال فيه “نحن هنا من لبنان نقول للعالم كله إن إمامنا وقائدنا وسيدنا وعزيزنا وحسيننا في هذا الزمان هو سماحة آيه الله العظمى الإمام السيد الحسيني الخامنئي دام ظله، وإن إيران هي قلب المحور ومركزه الأساسي وداعمه الأقوى وعنوانه وعنفوانه وقوته وحقيقته”؟

لا أحد يجهل أن أكثر من طرف تعرض لانقلاب مع انقلاب الشاحنة المحملة بذخائر على كوع الكحالة. فما عاد من السهل على أي طرف أن يتجاهل المد الشعبي المطالب بوقفة مع “حزب الله”. ولا يكفي “المقاومة الإسلامية” أن تتمتع بتأييد طائفة واحدة في بلد من 18 طائفة. فهي في حاجة إلى بقية الطوائف، بالتالي إلى التفاهم على صيغة لحل مسألة السلاح والإمرة عليه والإمساك بقرار الحرب والسلم، قبل الحديث عن نزع السلاح خارج الشرعية، سواء كان في أيدي لبنانيين أو فلسطينيين. وهي تفعل كل ما يمكن لقطع الطريق على هذا التفاهم. وأبرز ما تفعله هو ثلاثة أمور: أولها التركيز على العمل في المنطقة ضمن متطلبات المشروع الإقليمي الإيراني. وثانيها التوقف منذ عام 2006 عن العمليات لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وخراج الماري من الاحتلال الإسرائيلي. وثالثها الإصرار على الهيمنة كل المؤسسات والمراكز السلطوية، وفرض الشغور في رئاسة الجمهورية بتعطيل الدستور واللعبة الديمقراطية مع تعميق الأزمات وتسريع الانهيار بداعي التسليم بخيارها أو لا رئيس ولا شيء.

أيام هيمنة “المارونية السياسية” شاعت معادلة تختصر موقف القادة الموارنة بالقول للآخرين “ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم”. واليوم مع هيمنة الشيعية السياسية، فإن المعادلة التي تختصر موقف قادة “الثنائي الشيعي” هي “ما لنا لنا، وما لكم لنا أيضاً”، لكن ما كان مكتوباً على الجدار أمام القادة الموارنة، مكتوب اليوم أمام القادة الشيعة. و”ما أكثر العبر وأقل الاعتبار”، كما قال الإمام علي.

اندبندنت

مقالات ذات صلة