لعب من تحت الطاولة… على المكشوف!
ثمّة من يُسجّل لرئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل ديناميكيته وقدرته على كسر الجمود والتنقّل بين المربّعات السياسية حتى لو كانت ذات طبيعة خصمة ومتواجهة، في محاولة منه لتحريك المياه الراكدة، بينما يكتفي الآخرون بتلقّف مبادراته، التي كان من الممكن أن تكون موضع تفاوض نوعي، لو لم تشوبها قلّة الثقة، اذا لم نقل انعدامها، وهي التي تعقّد المسارات الحوارية بين باسيل ومفاوضيه حتى لو كانوا من الحلفاء والأصدقاء، وهي حالة راحت تتزايد مع الوقت.
في الواقع، يقود باسيل أكثر من مشروع حواري، وعلى أكثر من خط، وإن كان مسار «حزب الله» هو الأكثر تعرّضاً للأضواء والاستيضاحات، والنهايات العملانية. لكنّ الصالونات السياسية تضجّ بكلام عن تفاوض مكتوم بين رئيس «التيار الوطنيّ الحر» مع جهات خارجية في محاولة لجسّ نبض الأثمان السياسية لخيار تأييده قائد الجيش جوزاف عون رغم كل الانتقادات التي يوجهها للأخير، فيما التشاور لا يزال قائماً بينه وبين قوى المعارضة تحت عنوان الإلتزام بخيار جهاد أزعور وما بعده.
ولهذا، يجزم عارفو الرجل أنّ كلّ ما يقوم به في هذه المرحلة بالذات هو من باب حرق الوقت لا أكثر. أي مناورات. يكادون يجزمون بأنّه مهما بلغ مستوى التفاوض مع «حزب الله» وتمكن الأخير من تأمين الضمانات التي يطلبها باسيل، ليحقق سلّة مطالبه المعلنة (اللامركزية الموسّعة والصندوق الائتماني) وغير المعلنة (حصصه في العهد الجديد)، فإنّ باسيل لن يمنح أصوات «تكتل لبنان القوي» لرئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية لأكثر من سبب وسبب.
ولعل أبرز تلك الأسباب، حالة الشيطنة التي مارسها بحق الأخير أمام القيادات والقواعد العونية والرأي العام والتي تجعل العودة إلى الوراء مكلفة جداً وصعبة جداً، وهو بالأساس يعتبر وقوفه إلى يمين عهد فرنجية، كأساً مرة يفضّل عدم تجرعها. وهو للحظة، لا يزال يردد في مجالسه الضيقة أنّه لن ينضم إلى قافلة مؤيدي فرنجية.
ثاني تلك الأسباب هي اقتناع كل من يعرفونه أنّ الشروط التي وضعها على «الحزب» شبه تعجيزية، ويتطلب تحقيقها مساراً طويلاً مطوّقاً بالصعوبات والمطبات، والتي تبدأ بمشروع اللامركزية حيث يطرح باسيل اللامركزية المالية الموسّعة وهي عنوان كبير قد يتطلب تعديلاً دستورياً، وفق بعض المواكبين. ما يعني أنّه في حال رسا الاتفاق مع «الحزب» على اعتماد اللامركزية الإدارية الموسّعة (مع صلاحيات مالية محدودة للوحدات الإدارية) سيتعرض للتصويب و»الرجم» من جانب خصومه لكونه يبيع المسيحيين أوهاماً مقابل شراكته السلطوية.
ثالث تلك الاشكاليات هي موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري من المشروعين المطروحين لا سيما من الصندوق الائتماني لكونه ينتزع بعض السلطة من أمام وزارة المال ويضعها لدى إدارة الصندوق المستحدث. ما قد يؤدي إلى اصطدام المشروع برفض «أمل». ولهذا يتعاطى بري مع حوار «الحزب»- باسيل بكثير من الحذر والترقب.
ومع ذلك، تدلّ المعطيات على أنّ «حزب الله» متمسّك بحواره مع باسيل (تمّ تقديم أولى الأوراق المكتوبة) ويسعى لتحقيق خرق فعلي قبل وصول الموفد الفرنسي جان- إيف لودريان إلى بيروت الشهر المقبل، على أمل أن تكون المفاوضات قد قطعت شوطاً مهماً يمكن تقديمها بمثابة اتفاق أولي، يجعل من ترشيح فرنجية أمراً وقعاً.
لا دعوة قريباً
وفق المعطيات، إنّ اقناع باسيل بهذا الاتفاق بعد تأمين مطالبه (أقله شفهياً) لا يعني أبداً الذهاب إلى مجلس النواب لتشريع اللامركزية الموسّعة ولا لإقرار الصندوق الإئتماني، ولا يعني أبداً الدعوة إلى جلسة انتخابية للاقتراع لسليمان فرنجية، في ظلّ التبدّل الحاصل في المناخ الإقليمي وتحديداً الأميركي- السعودي والذي قد يؤسس إلى ثلث معطّل يحول دون التئام الجلسة الانتخابية.
ولذا، فإنّ جلّ ما يمكن تحصيله خلال هذه المدة القصيرة التي تسبق وصول لودريان، هو فرض أمر واقع جديد يعيد تثبيت ترشيح فرنجية بعد تراجع حيثيته الترشيحية نتيجة انكفاء المبادرة الفرنسية. وها هو نجله النائب طوني فرنجية يؤكد التمسك بهذا الترشيح ليسقط كل التكهنات التي تحدثت خلال الأيام الماضية عن اتفاق بين «الحزب» وباسيل على مرشح ثالث. لا بل تؤكد المعطيات أنّ «الحزب» لن يتخلى عن ترشيح فرنجية، أقله في المدى المنظور، لا بل تزيده التطورات الحاصلة، محلياً واقليمياً، تصلبّاً واندفاعاً باتجاه التشدد لا التراخي.
ومن يعتقد أنّ حادثة الكحالة قد تدفعه إلى التراجع إلى الوراء، فهو يبني حساباته على معطيات خاطئة. صحيح أنّ الأجواء المشحونة التي خلّفتها الواقعة، ستحرج باسيل في حواره مع «الحزب» وتزيد من صعوبة التسويق للمفاوضات ونتائجها، لكن الوقت كفيل بتهدئة النفوس واطفاء الشحن السياسي. وهذا ما يعوّل عليه الطرفان، لكي يستعيدا مسارهما الحواري بنفس الزخم والأهداف.
واذا ما تحقق هذا التقاطع من جديد بين باسيل و»الحزب»، قد يطلب الأخير، وفق المعطيات من باريس التدخّل من جديد على أساس معادلة جديدة: لم يعد فرنجية محاصراً في بيئته المسيحية، لا بل صار في جيبه أغلبية تخوله العودة إلى الحلبة بقوة.
ومع ذلك، ثمة من يعتقد أنّ هذه العودة لرئيس «تيار المردة» كمرشح جدي، قد لا تسمح له بأن يدخل القصر في ضوء التشدد الاقليمي وتحديداً الأميركي- السعودي، بعدما كشفت الرياض أوراقها في اجتماع الدوحة الأخير للجنة الخماسية على نحو واضح لا لبس في. وهناك من يقول إنّ البيان كتب بحبر سعودي ليعبّر بشكل جليّ عن موقف المملكة بعدما حوّرت باريس المسار بمبادرتها. ويرى هؤلاء أنّه في حال نجح «الحزب» في تحقيق هذا الخرق، فسيعمل على توظيف هذا الخرق لتحسين موقعه التفاوضي لا خطف الرئاسة. بالأساس فرنجية بنفسه سبق له أن قال إنّه لن يفعلها من دون ضوء أخضر سعودي .
بالنتيجة، يرى المواكبون أنّ «الحزب» وباسيل يركنان إلى عامل الوقت كلّ لاعتباراته. رئيس «التيار الوطني الحرّ» يريد أن يبيع بضاعته لمن يشتريها ويستخدم أسلوب «الأجواء المفتوحة» لرفع أسعاره. فيما «الحزب» يعضّ على الجرح بعد انتكاسة المبادرة الفرنسية، وتعويم باسيل لترشيح أزعور، ويريد من الوقت أن يدعمه في خياراته من خلال التطورات الخارجية، وبالانتظار يعمل على تعزيز أوراقه ليكون على طاولة التفاوض في موقع متقدّم، لا مزروكاً في الزاوية.
كلير شكر- نداء الوطن