البلديّة لم تعد «دجاجة تبيض ذهباً»:استقالة عيتاني بـ«التلاتة»… مقابل عرض عمل في إحدى الدول الخليجيّة!»!
«الثالثة ثابتة»، ينطبق هذا القول على رئيس بلديّة بيروت جمال عيتاني الذي قدّم استقالته الأسبوع الماضي رسمياً، بعد محاولتين سابقتين. ومن المرجّح أن يقبل وزير الدّاخلية والبلديّات بسام مولوي الاستقالة اليوم أو غداً، ويدعو إلى جلسة انتخاب رئيس جديدٍ مطلع الأسبوع المقبل. وتشير المعطيات إلى أنّ عضو المجلس البلدي عبدالله درويش هو الأوفر حظاً لخلافة عيتاني كونه يحظى بموافقة تيّار المستقبل ومعظم الأطراف السنيّة والمسيحيّة..
ليست هذه المرّة الأولى التي يُشهر فيها رئيس بلديّة بيروت جمال عيتاني رغبته في الاستقالة، لكنّها قد تكون الوحيدة التي ستصل إلى «النهاية السعيدة»؛ منذ نحو سنتين، أسرّ عيتاني إلى الرئيس سعد الحريري برغبته هذه، فطلب منه الأخير الاستمرار في مهامه لاقتراب انتهاء ولايته بعد أشهر قليلة (قبل التمديد الأول للمجالس البلديّة). أمّا في المرّة الثانية، تحديداً قبل إقرار قانون التمديد للمرة الثانية في أيّار الماضي، فلم يعثر «الريّس» على من «يشدّ به» وبدأ فعلاً بـ«وشوشة» بعض أعضاء البلديّة، منذ مطلع عام 2023، بأنّه سيُقدّم استقالته رسمياً في حال إقرار قانون التمديد. لم يكتف عيتاني بتسريب الخبر، بل عمد إلى توضيب أغراضه ونقلها إلى منزله قبل أن يطلب من إداريي البلديّة «إزالة» صورته في مكاتبهم، وكاد المرشّح لخلافته أن يجلس مكانه. لكنه سُرعان ما بدّل رأيه، واعتبر أنّ استقالته هي من «تمنّيات» بعض خصومه، مردّداً بأنّه سيستقيل بإرادته وليس «تحت الضغط»!
مفاجأة عيتاني فهمها البعض على أنّه يسعى إلى «تظبيط» وضعه في الخارج، بعدما تردّد أنّه يدرس عقد عمل في إحدى الدول الخليجيّة لإدارة مؤسسة تُعنى بالنفط والبترول. ولأنّ عقد العمل كان يحتاج إلى بعض الوقت ليكون جاهزاً، أرجأ عيتاني الاستقالة ريثما تحسم إدارة الشركة الخليجيّة خيارها بتوظيفه من عدمه. إذاً، ربط عيتاني مصير البلديّة وخليفته والعاصمة بمصير عرض العمل الذي قُدّم إليه، خصوصاً أنّه رأى في الاستقالة المبكرة مخرجاً ذكياً لغسل يديه من الارتكابات التي حصلت خلال السنوات السبع الفائتة بعدما تأكّد أن الملفات لن تُفتح أصلاً، بالإضافة إلى ما هو أهم: لم تعد البلديّة «دجاجة تبيض ذهباً»، بل وصلت في عهده إلى حد الإفلاس فيما جُلّ ما اهتم به هو رفع الحوافز المعطاة له.
لم يعر عيتاني اهتماماً لكل الانتقادات التي توجّه إليه والتي وصلت إلى حدّ عدم دعوته في بعض الأحيان إلى نشاطات تخصّ بيروت، بل بقي يُداوم في مكتبه وانتظر حتّى حُسم أمر توظيفه، فقدّم استقالته الأسبوع الماضي إلى وزير الداخلية والبلديّات مباشرةً متذرّعاً بـ«الأسباب الصحيّة» وبأنّه ينوي السفر للعلاج في الولايات المتّحدة حيث مقر إقامة عائلته. ويُشير متابعون إلى أنّ هذه الاستقالة لم تُسجّل بعد رسمياً، نافين أن يكون عيتاني قد فاتح أياً من الأطراف السياسيّة بنيّته لأنّه اتّخذ قراراً لن يتراجع عنه. فيما يقول آخرون إنّ عيتاني «سمّع» رغبته إلى مقرّبين من الحريري الموجود خارج البلاد، وإن الجواب وصل عبر رئيس «جمعيّة بيروت للتنمية الاجتماعيّة» أحمد هاشميّة بأن أحداً غير متمسّك ببقائه، فبدأ العمل على «هندسة» البديل، خصوصاً أنّ العلاقة بين الاثنين متوتّرة أصلاً، إذ إن هاشميّة شأنه شأن كثيرين في بيئة «المستقبليين» الذين يعبّرون عن ندمهم لاختيار عيتاني رئيساً لبلديّة بيروت، لفشله في إدارة البلديّة وغيابه التام عن أبناء العاصمة، إضافة إلى «روائح الفساد» التي تنبعث من البلدية. لذلك، سعى هاشميّة إلى تسريع الإجراءات لتسلّم أحد الأعضاء السُّنّة مكان الرئيس المستقيل.
لم يتلقّ عيتاني أي مؤشر إيجابي من «المستقبل» لبقائه في منصبه
الطامحون كثر، بل يُمكن القول إن كل الأعضاء السُّنّة (7) يطمحون لخلافة عيتاني. لكنّ أسباباً عديدة تحول دون ذلك. وعليه، بات الأرجح انتخاب عبدالله درويش لرئاسة البلديّة من دون منافس، علماً أن العائق الوحيد الذي كان أمامه هو قربه من الوزير السابق محمد شقير وانضمامه إلى تجمّع «كلّنا بيروت» (أسّسه شقير) وهو ما توجّس منه تيّار المستقبل، إلا أنّ الأمر لم يأخذ الكثير من الوقت باعتبار أنّ درويش أفضل الخيارات المتاحة، وأنه لم يلتصق بشقير إلى حد انصهاره بالتجمّع الجديد بل أبقى على شيءٍ من التمايز، فلم يقطع يوماً «شعرة معاوية» مع «التيّار الأزرق» في عزّ هجومه على شقير، وكان من القليلين الذين التقوا الرئيس سعد الحريري خلال زيارته الأخيرة لبيروت سمع منه موافقته على تسلّم المنصب الجديد.
وإذا كان «المستقبل» يعدّ درويش من «حصّته»، فإنّ بقية الأطراف البيروتيّة لم تضع «فيتو» على اسمه، كشقير والنائبين فؤاد مخزومي ووضاح الصادق، خصوصاً أنّه يُحسب لدرويش أنّه يمتهن لعبة «تدوير الزوايا» وامتلاكه حيثيّة شعبيّة وانفتاحه على كلّ القوى السياسيّة بما فيها الأحزاب المسيحيّة التي لم تُعارض بدورها وصوله إلى الرئاسة.
وعليه، من المفترض أن يقبل مولوي استقالة عيتاني في اليومين المقبلين. لكنه لن يدعو إلى جلسة لانتخاب رئيس جديد حتّى بداية الأسبوع المقبل بسبب ذكرى انفجار مرفأ بيروت، ويُرجّح أن تُعقد جلسة الانتخاب في الوزارة بدعوة من مولوي وليس من محافظ بيروت.
لينا فخر الدين- الاخبار