«هذا قديس من بلادي»: “إحترامي للحرامي”!
مَن شاهدَ رياض سلامة يروي سيرته «العطِرة» في حاكمية مصرف لبنان لأكثر من ثلاثة عقود، افتقدَ حتماً تلك الغيمة التي تكلّل صور المكرَّمين والطوباويين، ولربما دهمَه الحبور فهتف «هذا قديس من بلادي».
هي قمة المسخرة أن يعربد ساعتين بهدوء مسؤولٌ يتهمه القضاء الاوروبي واللبناني، ومطلوبٌ بمذكرة توقيف أصدرها الانتربول، فيؤدي دور الضحية ويذرُّ الرماد غاسلاً يده من موبقات سياسة نقدية مهَّدت لسرقة ودائع الناس وانهيار العملة الوطنية.
لا نقاش بحقِّ سلامة في الدفاع وإعطاء نسخته من الرواية، لكن الأَولى عدم إهانة اللبنانيين واحترام حقهم في رؤيته موقوفاً على ذمة التحقيق استناداً الى أبسط مخالفات «قانون النقد والتسليف» والإخلال بالواجبات، قبل أن يكون مشتبهاً به بالإثراء غير المشروع والتبييض وتنفيع الأقارب والأصحاب، ومن غير أن نصل الى قصص تواطئه مع المنظومة والتدقيق بملفات المؤسسات التابعة للمصرف المركزي وتركيبات القروض التي تشبه قصص الحيَّات.
ولقائلِِ بأن سلامة ليس سوى فرد في «المنظومة» التي هي فعلياً «عصابة أشرار» باعت السيادة وانقلبت على الدستور وتسببت بتفكك مؤسسات الدولة، نقول نعم هذا صحيح، لكنه لم يكن مجرد بيدق او عسكري مأمور بل حاكماً وحامل أقفال يتمتع بحصانة قول «لا»، لذا وجب عليه التمثُّل بأخلاقيات ادمون نعيم، وليس بدناءة أهل السلطة والسلطان.
ليس لنا أن ندخل في الألاعيب المحاسبية والأكاذيب التي أوردها سلامة، فقد فنَّدها الخبراء على مدى سنوات، وشهد «صندوق النقد» و»البنك الدولي» على تهافُتها. كنَّا بين أول من نبَّه الى خطورة ممارساته وكسَرَ «حرم» التعرض لسياساته. ورغم بُعدنا عن «سالخي جلد الطريدة» بعد وقوعها، فإن «سِحنة البوكر» مستفِزة، والإنكار استغباء للمواطنين. أما اتهام الإعلام بحملة مغرضة لتشويه صورة «ناصعة» فيدفع الى الغثيان، ذلك ان علاقته بالإعلام «مادَّة إجرها من الشباك»، لو استعرنا قول الرئيس بري الشهير. ويمكن الجزم بأنه لم يمر في تاريخ لبنان أن تجندت شبكة إعلاميين واقتصاديين وسياسيين ورجال دين عابرة للطوائف والأحزاب، ليس للدفاع عن مرتكب فحسب، بل أيضاً لخوض معارك ضد من فضحوا المستور ووضعوا الإصبع على الجرح بعدما هالَهم أن تُنهب المدخرات ونصير شبه دولة على قارعة الأمم.
لستَ «كبش محرقة» كما تدَّعي يا رياض. وليست وقاحتك الا مِن ضِعة عدالة مستتبَعين، وما ثقتك المفرطة بنفسك إلا لأنك محصنٌ بمنظومة فساد كرست مبدأ «الإفلات من العقاب» ولديك من أسرار صندوقها الأسود الكثير، ما يجعل ارتكاباتك «لعب عيال» امام جرائم الاغتيال وتفجير النيترات، ويحوِّلك نعجة تمثُل أمام القضاء باطمئنان مقارنة بسياسيين وأمنيين وقضاة مارسوا الفجور حين تمردوا على القانون.
في موعظتك الوداعية سخرتَ من سؤال: هل انت محاسب المنظومة؟ وادّعيت عدم معرفتك بما تعنيه. سأشرح لك بتبسيط شديد يُغنيك عن ضنَك القراءة وحكّ الدماغ:
إرجع بالذاكرة الى أيام المؤتمرات والحفلات حين كنتَ تجلس مع أصدقائك السياسيين وكبار المسؤولين في واجهة الحضور، ثم افتح «اليوتيوب» واستمع الى قصيدة شهيرة باللهجة الخليجية عنوانها: «إحترامي للحرامي صاحب المجد العصامي».
هو مدخلٌ سريع لنشوء المنظومة وارتقائها، وسلامة فهمك يا رياض.
بشاره شربل- نداء الوطن