دخول حزب الله بقوة إلى منطقة سيروب: تعويض عن “المية ومية”!
تقدم إلى الواجهة مؤخراً في صيدا، دخول حزب الله بقوة إلى منطقة سيروب (إحدى المناطق الشعبية في ضاحية صيدا الشرقية)، وتركيزه فيها على استمالة واستقطاب مجموعات وحالات وأفراد من ذوي “التاريخ الأمني” أو “المشكلجية”، ممن كانوا يدورون في فلك تنظيمات وأحزاب وقوى لبنانية وفلسطينية، بحكم استفادتهم المباشرة منها أو من تغطيتها لهم عند أي إشكال أو مشكلة أمنية يتورطون بها. وكانت مهمتهم تعزيز نفوذ هذا الفريق أو ذاك في هذه المنطقة أو تلك وإحداث شيء من توازن القوى بين فريق وآخر، خصوصاً إبان الاستحقاقات الكبرى. وبعدما فقدوا الحماية والاستفادة المادية، انتقل هذا الدور إلى خدمة حزب الله مع تبدل ولائهم إليه.
الخدمات وحاجة الناس
سبق ذلك دخول الحزب إلى “سيروب” من بوابة الخدمات البيئية والحياتية، سعياً لتعزيز حضوره بشكل أشمل تحت هذا العنوان، في مدينة صيدا وضواحيها، مستغلاً تزايد الحاجة لدى الناس بفعل الأزمات المختلفة، وضعف إمكانيات البلديات ومؤسسات الدولة المعنية، ولا سيما على صعيد مواجهة أزمتي الكهرباء والنفايات، محاولاً ملء الفراغ الخدماتي الذي أحدثه انكفاء قوى سياسية صيداوية، وعجز أخرى عن تلبية احتياجات الناس، خصوصاً في المناطق والأحياء ذات الثقل الشعبي (السنّي) بما فيها تلك الواقعة ضمن نطاق بلديات الجوار.
بين إهمال رسمي واستغلال سياسي
كما كثير من المناطق التي تعاني حرماناً وإهمالاً مزمناً من قبل الدولة ومؤسساتها، تنعكس غياباً للخدمات الأساسية والحياتية، وقعت منطقة سيروب (الواقعة إلى الجنوب الشرقي من صيدا على تخوم مخيم عين الحلوة، وتنسب تسميتها لرجل أعمال أرمني يدعى سيروب كيزيريان اشترى قديماً الجبل الذي قامت عليه لاحقاً) في براثن الإستغلال السياسي والأمني، من قبل جهات وتنظيمات لبنانية وفلسطينية، تملك أو ترتبط بأجندات خارجة عن إطار ومشروع الدولة، وتستغل ضعفها أو غيابها، لتأخذ دورها حياتياً وخدماتياً وحتى إنمائياً، بهدف التوظيف السياسي والأمني لهذا الدور لاحقاً. ورغم أن سيروب تقع جغرافياً وإدارياً ضمن نطاق بلدية درب السيم (المسيحية) فهي لا تستفيد من خدمات البلدية!
وشهدت منطقة سيروب مؤخراً تنامياً متسارعاً ومقلقاً لحالات ومجموعات لبنانية وفلسطينية مسلحة، متعددة الانتماءات والولاءات، تنشط في المنطقة بثوب اجتماعي خدماتي إنمائي، وتفرض نفسها بقوة السلاح و”البلطجة” حين تدعو الحاجة. وتتلقى هذه المجموعات دعماً معنوياً ومادياً من أحزاب وتنظيمات لبنانية وفلسطينية، وتعمل على استقطاب شباب المنطقة لربطهم بها واستخدامهم ” كقوة شعبية “عند الضرورة! وذلك في ظل غياب لافت لفاعليات صيدا وقواها الرئيسية، سياسياً وخدماتياً وانمائياً عن سيروب.
آل الزينو
مجموعة “آل الزينو” كانت في الماضي موزعة الولاء بين تيار المستقبل والتنظيم الشعبي الناصري، لكنها ابتعدت عن هذين القطبين الصيداويين، بعدما لم تعد تحظى بأية تغطية سياسية أو دعم منهما، فكانت نتيجة ذلك انتقال ولاء هذه المجموعة إلى حزب الله طمعاً في أن يتكفل بتأمين هذا الغطاء لها.
“النصرة” والحزب معاً!
ومن الحالات المستجدة في هذه المنطقة تلك التي يمثلها الفلسطيني إبراهيم الحاج المقرب من اللواء منير المقدح، والذي شغل سابقاً مهام المسؤول الإعلامي للقوة الفلسطينية المشتركة في مخيم عين الحلوة. لكن المفارقة أن الحاج هو صهر الشيخ أسامة الشهابي (الذي برز اسمه أبان الحرب في سوريا على أنه أحد قياديي الشباب المسلم في مخيم عين الحلوة، الذين بايعوا “جبهة النصرة”. وتردد حينها أنه مسؤولها في المخيم). ويحظى الحاج كذلك بدعم من حركة حماس. وهو مقيم في سيروب. واستطاع أن يحشد حوله مناصرين، وأن ينسج علاقات مع مختلف المكونات اللبنانية والفلسطينية في سيروب، بما فيها حزب الله!
أما الحالة الثالثة، فهي الفلسطيني عيسى الصالح، والذي يعتبر فعلياً المسؤول عن سرايا مقاومة فلسطينية تابعة لحزب الله في سيروب، وتتخذ من مشروع سكني في المنطقة مقراً ومنطلقاً لها.
مصالحة أشبه بالمبايعة!
إذاً، نجح حزب الله بالتغلغل في سيروب ليس فقط بخدماته، بل وأيضاً عبر دعم ورعاية هذه الحالات والمجموعات، والنفاذ من خلالها أو عبر ما تنخرط فيه من أطر عمل مشتركة مثل “لجنة سيروب” و”تجمع شباب سيروب”، التي تحولت مهمتها من التسابق لخدمة السكان إلى صراع على نفوذ. ويبدو أن مهمتها الآن ستكون تعزيز حضور ونفوذ الحزب نفسه، خصوصاً بعد دخوله مؤخراً على خط مصالحة بين رئيس “لجنة سيروب” محمد ديب الزينو ورئيس “تجمع شباب سيروب” إبراهيم الحاج، برعاية وحضور مسؤول قطاع صيدا في الحزب زيد ضاهر، وعضو قيادة الساحة في حركة فتح اللواء منير المقدح. وذلك إثر إشكال شهدته المنطقة بين الجانبين على خلفية التنافس بينهما. وبدت هذه المصالحة شكلاً ومضموناً أقرب إلى مراسم المبايعة من قبل هاتين المجموعتين للحزب، بعدما أصبحتا -بما تضمان من أعضاء وما تمثلان من امتدادات- تحت جناحه!
سيروب تعويض للحزب عن “المية ومية”
لكن ماذا يريد حزب الله من سيروب؟ لماذا هذه المنطقة تحديداً تحظى باهتمامه إلى هذا الحد؟
يعتبر مراقبون أن لمنطقة “سيروب” بالنسبة لحزب الله أهمية تتعدى حرصه على تعزيز دوره السياسي والخدماتي والإنمائي، إلى تموضع أمني ذي بعد استراتيجي. فالحزب الذي خسر مخيم المية ومية، بعد إخراج ذراعه العسكري الفلسطيني “تنظيم أنصار الله” وأمينه العام جمال سليمان من المخيم في العام 2018، إثر الأحداث الدموية التي شهدها المخيم حينها، حيث فقد بذلك موقعاً استراتيجياً أساسياً مشرفاً على صيدا ومخيم عين الحلوة وعلى طريق الجنوب وعلى بعض بلدات وقرى شرق صيدا، في وقت لم تستطع حركة حماس -الأقرب للحزب بين التنظيمات الفلسطينية- لعب الدور الأمني الذي كان يؤديه أنصار الله انطلاقاً من هذا المخيم، في خدمة مصالح وأجندات الحزب وإيران. وبالتالي، بات هذا الأخير يبحث عن موقع بديل ومواز بالأهمية الجغرافية تعوضه خسارة مخيم المية ومية، ووجد في جبل سيروب المواجه للمخيم ضالته المنشودة. ولذلك، فهو يسعى للسيطرة على هذه المنطقة والتموضع فيها، ليكمل بذلك سيطرته على كافة التلال الواقعة على كتف صيدا والطريق الساحلي بين الجنوب وبيروت من الغازية جنوباً مروراً بسيروب ومار الياس وعبرا شرقاً، ووصولاً إلى الشرحبيل-بقسطا شمالاً.
المدن