“إدارة موقّتة” أو حارس قضائي لمصرف لبنان… حلول أم هرطقات؟
تتكثف الاتصالات والمفاوضات مع نواب حاكم مصرف لبنان لمعرفة الخطوات المنويّ اتخاذها نهاية الشهر الجاري، بعد شغور مركز الحاكمية.
وفيما لا تزال الأمور يكتنفها الغموض واللاقرار وسط كمّ هائل من التسريبات والشائعات عن مصير المرحلة، ظهرت تطورات في الملف تمثلت في أمرين، الأول هو إعلان رئيس مجلس النواب #نبيه بري عن إمكانية تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان في جلسة الحكومة الخميس، وما تلاها من تسريب أسماء تدغدغ الفئة المسيحية لـ14 آذار أو الفريق السيادي عبر طرح كميل بو سليمان أو شقيق النائب السابق فارس سعيد لعلها تحظى بتغطية مسيحية من فئة معينة، وسط رفض قاطع من التيار الوطني الحر لإقدام الحكومة على هذا الأمر.
وبحسب آخر المعلومات والتصريحات المعلنة يبدو أن التعيين في جلسة الغد لن يكون متاحاً وسط إعلان وزيرين مقاطعتهما مجلس الوزراء، بالإضافة الى عدم حماسة “المردة” للدخول في أمر مماثل يكبّل عمل الرئيس المقبل، حتى إن صمت “حزب الله” قرئ بطريقة سلبية تجاه التعيين.
هذا في جانب الحكومة، أما على جانب المعارضة فلا تبدو “#القوات اللبنانية” أيضاً مستعدة لتغطية هذا القرار ولو أن اسم كميل بو سليمان هو الأكثر تداولاً.
وفي خضم هذه المعمعة وفي إعلان مفاجئ، أعلنت وزارة العدل أنها “تتحضّر للتقدّم بطلب تسمية مدير موقّت لمصرف لبنان لدى قضاء العجلة الإداري أمام مجلس شورى الدولة، وذلك في ضوء ما يمكن أن يستجدّ من تطورات خلال اليومين المقبلين، وتفادياً لأيّ فراغ يصيب مركز حاكمية مصرف لبنان، وتأميناً لسير المرفق المالي والنقدي”، وكرّر “التيار الوطني موقفه من أن الشغور في منصب حاكم المصرف المركزي يُعالجه قانون النقد والتسليف. أما إن كان هناك رفض لتحمّل المسؤولية، فإن التيار يرى المخرج بتعيين حارس قضائي”.
وتعليقاً على هذه المواقف، أكد النائب #ملحم خلف أن ما يجري يصح وصفة بالـ”هرطقة الدستورية والقانونية”، مؤكداً أن “في البلد قوانين مرعيّة الإجراء تنظم عمل المؤسسات يجري ضربها بالكامل”.
وقال لـ”النهار”: المادة 13 من قانون النقد والتسليف واضحة، ولا يمكن تعيين مدير موقت لمصرف لبنان، سائلاً في هذا الإطار “لماذا لا يُعيَّن مدير موقت على رئاسة الجمهورية إذا اردنا السير بهذه الخيارات”؟.
ولفت خلف الى أن من الخطأ الاستناد إلى ما جرى في تلفزيون لبنان من خلال تعيين مدير موقت، فتلفزيون لبنان تصنيفه شركة خاصة والدولة تمتلك أسهماً فيها وما يصحّ عليها لا يصح على المصرف المركزي.
ورأى أن موظفي المصرف المركزي لديهم صفة خاصة، وهم أشخاص يرعاهم القانون الإداري ولا ترعاهم القوانين الخاصة، مضيفاً: هناك أشياء لا يمكن فهمها ولا تفسيرها.
وشدّد خلف على أنه “إذا استقال نواب الحاكم فعليهم الاستمرار بتحمّل مسؤوليتهم تبعاً لمبدأ استمرارية المرفق العام وعليهم أن يطبّقوا القانون، فنحن مشكلتنا الأساسية هي عدم تطبيق القانون، موضحاً أن كل الأمور في لبنان تؤخذ في السياسة ويجري التعامل مع نائب الحاكم الأول على أنه ممثل لطرف سياسي أو طائفي بينما يجب أن يكون محسوباً على الدولة وراعي مصالحها لا الطرف الذي عيّنه، وهنا تكمن المشكلة الاساسية”.
وختم خلف حديثة بالتأكيد أن “الحل يبدأ من انتخاب رئيس للجمهورية لتتنظم المؤسسات، وما داموا يؤخرون الانتخاب فسياسة الضياع ستبقى مستمرة”.
بدوره المحامي الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ قال لـ”النهار”: “إذا حصل وأصرّ أحد نواب الحاكم على عدم تسيير أعمال المصرف، وهو الأمر الذي أستبعده ويرتّب عليه مسؤولية جزائية أعتقد أنه يدركها تماماً ويدرك مسؤولياته، فإنه يمكن للحكومة أو هيئة القضايا أو أي طرف متضرر من الفراغ في مصرف لبنان تقديم طلب لمجلس شورى الدولة، وهو القضاء الإداري الذي لديه صلاحية التدخل في هذه الحالة وفقاً للمادة 65 من نظام مجلس شورى الدولة. بموجب هذه المادة، ينظر مجلس شورى الدولة في النزاعات المتعلقة بقضايا الموظفين المعينين بموجب مرسوم، وبإمكانه أن يصدر قراراً يسمح بتعيين مدير أو مسؤول مؤقت لتسيير أعمال المصرف ومنع حدوث فراغ في منصب الحاكم. هذا رغم أنني أستبعد هذا السيناريو ولا أدعو إليه”.
وأضاف: “هناك سابقة ولو مختلفة من حيث الطبيعة القانونية، ففي تاريخ 8/07/2013، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت حكماً لافتاً بتعيين إدارة موقتة لشركة تلفزيون لبنان وهو ما يختلف عن مصرف لبنان. وكانت الحكومة المستقيلة قد تقدّمت بدعوى طلبت فيها تعيين مدير موقت للشركة بسبب انتهاء ولاية أعضاء مجلس الإدارة الحاليين دون أن تكون الحكومة قادرة على تعيين بدائل لهم.”
وأردف مرقص: “يمكن استخدام هذه السابقة فقط لإبراز أن المدير الإداري الموقت يمكن أن يُعيَّن في حالات الفراغ لتسيير المؤسسات والمصالح العامة. وبالتالي، في حالة الفراغ في مصرف لبنان، يمكن لمجلس شورى الدولة على ما جاء في المادة 66 من نظامه أن ينظر على وجه العجلة ويصدر قراراً يسمح بتعيين مدير أو مسؤول موقت لتسيير أعمال المصرف ومنع حدوث فراغ في منصب الحاكم، وذلك لضمان استمرارية عمل المصرف وحماية المصالح المالية والاقتصادية في البلاد رغم تحفظي على ما سبق.”
وشدد على أنه “لا حاجة ولا لزوم لتعيين مدير موقت لمصرف لبنان، لأن نائب الحاكم تُنقل إليه بموجب المادة 25 صلاحيات الحاكم، فلا فراغ في حاكمية مصرف لبنان، بالإضافة الى أن الإدارة الموقتة هي إدارة تقليدية ومحدودة الإطار، فهي ترمي الى المحافظة على المؤسسة موضوع الإدارة ولا ترمي الى تطويرها أو تدخلها لضبط سعر السوق أو غيرها من المهام التي يضطلع بها مصرف لبنان”.
وأضاف: “نحن في أزمة مستفحلة وبحاجة الى إدارة خلّاقة مبدعة وفاعلة في المصرف المركزي ولسنا بحاجة الى إدارة موقتة فقط”.
وعن تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان كما يطالب “التيار الوطني الحر”، قال مرقص: “بالنسبة لصحّة تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان بدلاً من حاكم، فإن الأمر يتطلب تعدّي السلطة القضائية على سلطة وصلاحية مجلس الوزراء الذي يعود إليه تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، فيجب على قدر المستطاع الاحتفاظ بفصل السلطات في أي نظام ديموقراطي، حيث يكون لكل سلطة دورها واختصاصها الخاص بحيث لا تتعدّى أي سلطة على صلاحيات مكرّسة ومنصوص عليها في القانون لمصلحة سلطة أخرى، وعملاً بمبدأ الفصل بين السلطات الذي نصّ عليه الدستور اللبناني”.
وفي رأيه، أن “المصلحة العامة والوطنية تتطلب تعيين حاكم جديد يمكنه إدارة المالية العامة للبلاد وإدارة الأزمة الاقتصادية لمنع ارتفاع حدّتها، وتتطلب وجود استمرارية وثبات في موقع جوهري كمنصب حاكم لمصرف لبنان”.
النهار