عشاء سعودي لنواب سنّة: ما اسبابه؟
عشاء سعودي لنواب سنّة: ثوابت الطائف والعلاقة مع الدولة
إذا كان أحد الأسباب الأساسية لتجاوز مسألة انعقاد الحوار، هو نتيجة عدم توفر مكون سنّي متعاضد ومتجانس، قادر على تمثيل رؤية ووجهة نظر هذه الطائفة على الطاولة، فهذا يعني أن البحث عن إعادة تنظيم الطائفة السنية مستمر، وإن بشكل هادئ ومن دون ضوضاء. صحيح أن الدول المعنية بالملف اللبناني، ولا سيما دول الخليج، خصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة قطر، تركزان على ضرورة إجراء الإصلاحات في بنية الدولة، وخطتها الاقتصادية والمالية بالإضافة إلى الإصلاحات السياسية، والتي يفترض أن يقوم بها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزراء من غير المتورطين بملفات فساد أو بمساومات سياسية. ولكن لدى تقديم أي مقاربة واقعية، فالجميع يعلم أن لبنان بلد موزع طائفياً، والطوائف هي عصب التمثيل وعصب السياسة فيه.
مواكبة الاستحقاقات
من هنا، يبرز اهتمام في إعادة تكوين السلطة، وفي إعادة التوازن إليها، بعدما افتقد هذا التوازن طوال السنوات الماضية. ولذا، تضج الكواليس السياسية والديبلوماسية بالكثير من التحركات للبحث عن إعادة تشكيل كتلة سنية متجانسة، في ظل ما هو مشهود من تشتت سنّي. في هذا الإطار تبدو السعودية وقطر، وانطلاقاً من التنسيق بينهما، معنيتين بالنسبة إلى اللبنانيين ومن وجهة نظرهم بإعادة تكوين أو إنتاج حالة سياسية سنّية تكون قادرة على مواكبة الاستحقاقات المقبلة. على قاعدة أن السنّة هم من أوائل المنخرطين في الدولة ومؤسساتها، بعيداً عن التجمعات الطوائفية. إذ لم يكن السنة في تاريخهم جزءاً من صناعة الحروب، بل كانوا دوماً من بناة الدولة والمنخرطين فيها، إن في الحرب الأهلية، أو في مرحلة الطائف وحتى بعد اغتيال رفيق الحريري، وفي خضم تصاعد وتيرة الصراع على خلفية الثورة السورية.
كل هذه الوقائع والتي أسهمت في تراجع إقليمي على المستوى العربي، لصالح تقدّم المشروع الإيراني، أسهمت في كسر التوازن داخل لبنان، وذوبان الطائفة السنية سياسياً. بينما الآن يستمر العمل على إعادة تشكيل مجموعات متجانسة، في سبيل استعادة التوازن، والذي لا بد من الوصول اليه في أي تسوية مقبلة، خصوصاً بعد الانهيار المالي والاقتصادي والسياسي الذي ضرب البلاد، مع إشارة تاريخية إلى أنه لا يمكن إعادة إنقاذ الوضع من دون استعادة ذلك التوازن وعودة السنّة للعب دورهم التاريخي، الذي كانوا فيه حاجة وضرورة لكل الزعامات المارونية التاريخية، خصوصاً بما يمثل السنّة في بعدهم العربي.
التعامل مع الدولة
قبل فترة، انطلق تحرّك في بيروت من خلال لقاءات مع النواب السنّة، في سبيل التجمّع على موقف واحد. تعرّض اللقاء إلى التباس. إذ أن بعض من فيه ادعوا أنهم يمثلون السعودية ويتحدثون باسمها، الأمر الذي استدعى نفياً من مسؤولين سعوديين، أكدوا أن لا أحد يمثل السعودية في لبنان إلا السفير السعودي وليد البخاري. وهو ما احتاج إلى إعادة ترتيب للأولويات، خصوصاً أن السفير السعودي يتحدث عن علاقات من دولة الى دولة، وليس وفق آليات موجودة في عقول اللبنانيين، حول دعم السعودية للطائفة السنّية، مع الإشارة إلى أن الرياض والدوحة تتواصلان مع كل القوى اللبنانية من كل الطوائف، ومشاريعهما مقدمة للبنان كدولة.
كل هذه التطورات، استدعت حركة متجددة للسفير السعودي في بيروت، والذي زار قبل أيام دار الفتوى، والتقى مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، مشدداً على أهمية التمسك باتفاق الطائف، فيما كانت الزيارة هادفة لدعوة المفتي إلى عشاء تكريمي مع النواب السنّة باستثناء النواب المنتمين إلى كتلة الوفاء للمقاومة. وحسب المعلومات، فإن الغاية من العشاء، هي تأكيد الثوابت السعودية والخليجية حول التمسك بالطائف، والعلاقة مع الطائفة السنية وغيرها من الطوائف في لبنان، من دون الذهاب إلى تبنٍّ واضح ومباشر لمسألة تشكيل كتلة سنية متجانسة تكون موالية للسعودية أو لغيرها.
في المقابل، هناك وجهة نظر تقول إنه في اللحظة التي يتم فيها وصول رئيس للحكومة موثوق داخلياً وخارجياً ويتمتع بالمواصفات المطلوبة، فهو بإمكانه تشكيل الحيثية لإعادة استنهاض الواقع السنّي في البلاد.
منير الربيع- المدن