انتخابات “التيّار”: المعارضة قدّمت هديّة لباسيل الذي يعرف كيف يقتنص الفرص!
اقترب موعد انتخابات رئاسة التيار الوطني الحرّ في منتصف أيلول المقبل. وهي انتخابات إشكاليّة منذ أن زكّى الرئيس الروحي للتيار، ميشال عون، النائب جبران باسيل ليجلس على كرسيه.
لكنّ سنوات ولاية باسيل حملت الكثير من الجدل في كيفية إدارته التيار، وأفرزت مجموعة تناقضات في صفوف القيادات، وصولاً إلى تشكّل “كتلة نيابية” معارضة لجبران داخل الكتلة النيابية.
وصل حجم الاختلاف إلى حدوده القصوى في الاستحقاق الرئاسي الأخير خلال الإعداد لجلسة الرابع عشر من حزيران الرئاسية. اعترضت “مجموعة الخمسة” على خيار جهاد أزعور، وهدّد أعضاؤها بعدم انتخابه، وهو ما وضع جبران في موقف حرج أظهره غير قادر على التحكّم بكتلته النيابية، في لحظة اشتباكه مع الحزب، بل في أوج لحظات هذا الاصطدام، حتّى ذهب باسيل إلى اتّهام الحزب بالتدخّل في شؤون كتلته على الرغم من أنّ النواب المعارضين يسمّون الخلاف “اختلافاً”.
“استدعاء” بوصعب وآلان عون
على مرّ السنوات الماضية، صدرت عن المجلس التحكيمي للتيار الوطني الحرّ أحكام فصلت عدداً من القيادات وأخرجتهم من رحم التيار لأسباب عدّة، وشكّلت إشكالية دائمة في صفوف المحازبين.
خلال الأيام الماضية، علم “أساس” أنّ أمانة السرّ في المجلس التحكيمي المتمثّلة بالنائب نقولا الصحناوي اتّصلت بكلّ من النائبين الياس بو صعب وآلان عون لدعوتهما إلى “فنجان قهوة” وسؤالهما عن تصويتهما في جلسة الرابع عشر من حزيران، لا سيّما بعدما رافق هذا التصويت شكوك في عدم التزام النائبين التصويت لمصلحة جهاد أزعور.
في المعلومات أيضاً أنّ بو صعب وعون لم يلبّيا الدعوة لقناعتهما بعدم صوابيّتها. غير أنّ هذا المجلس التحكيمي الذي طالما تعرّض أداؤه لانتقادات يرأسه الرئيس ميشال عون لا جبران باسيل. ولذا كلّ استدعاء أو قرار يتّخذه هذا المجلس يصدر بموافقة عون لا باسيل.
هنا لا بدّ من العودة إلى الأسبوعين اللذين سبقا جلسة الانتخاب الأخيرة. في ذلك الوقت كان ميشال عون حريصاً على أن يرأس اجتماعات كتلته لتأكيد أهميّة الإجماع على انتخاب أزعور.
يومها قيل إنّ باسيل طلب من “عمّه” التدخّل للتأثير المعنوي، والقضاء على أيّ احتمال للتشويش على صفاء قراره بانتخاب أزعور. كان جبران باسيل يخشى من تسرّب أصوات خارج كتلته يُظهره ضعيفاً وغير مسيطر عليها.
لكنّ من يعرف التيار من الداخل، يعرف أنّ قرار عون يقرّره عون نفسه، وكلّ القرارات السابقة الصادرة بفصل أو تأديب أو الحدّ من خلاف هنا أو هناك، اتّخذها ميشال عون نفسه لا جبران باسيل. وعون اليوم حريص أكثر من أيّ وقت مضى على تثبيت هرميّة التيار الوطني الحر كما هي والحدّ من أيّ محاولة للقفز فوقها. وهو ما نجح فيه بعد فشل محاولة النواب المعترضين الأخيرة في إثبات جدّيّتها.
المعارضة قدّمت هديّة لباسيل
من صمد في المعركة؟
كانت شرسة المعركة الداخلية في صفوف التيار، بقدر شراسة المعركة الانتخابية بين مؤيّدي رئيس تيار المردة ومعارضيه.
في تصريحات علنية على شاشات التلفزة، وفي برامج مسائية، تقصّد النواب المعارضون لخيارات باسيل التعبير عن تمايزاتهم. وبات الانقسام الداخلي في التيار علنيّاً لدرجة أنّ أحداً لم يعد يستطيع التغاضي عنه، لا سيّما أنّه أتى في مرحلة دقيقة من الاشتباك السياسي اللبناني والاصطفاف المسيحي – المسلم حول الرئاسة.
لطالما كان لهؤلاء النواب حيثيّة جيّدة في بيئاتهم. فعدد منهم خرج من رحم “النضال في التيار” إلى مقاعد النيابة. غير أنّ الاختلاف هذه المرّة لم يكن لمصلحتهم، بعد الكلام عن توقيت سيّئ اختاروه لإثبات “التمايز”.
في الحسابات الداخلية للتيّار أكثر من معطى:
– أوّلاً: برز تحدٍّ في خطاب “الثنائي الشيعي” ضمن الملفّ الرئاسي جاء لمصلحة شدّ العصب المسيحي داخل التيار حول باسيل، خصوصاً أنّ موقفه المعارض لمرشّح “الثنائي” أعاد له “شعبية مسيحية” كان يخسرها، وعزّز من أسهمه داخل بيئة التيار الوطني الحرّ نفسها.
– ثانياً: موقف الرئيس ميشال عون الرافض لأيّ تمايز لمصلحة “الثنائي” جاء مكمّلاً لموقف باسيل وداعماً ورافعاً له داخل جدران التيار.
– ثالثاً: الانقسام العامّ المسيحي – المسلم في البلد جعل كلّ من يعترض على التقاطع المسيحي لمصلحة الثنائي موضع تشكيك في البيئة المسيحية.
عند هذه النقطة لا بدّ من الإشارة إلى معارضة واجهت النواب الذين حاولوا أن يتمايزوا. فقد قوبلوا باعتراضات من داخل مجموعاتهم الضيّقة. وقيل لهم: كنّا معكم في اختلافكم… لكن أن تذهبوا إلى هذا الحدّ بعيداً عن التقاطع المسيحي، فهذا الأمر “ما بيقطع”.
إعادة النظر في “المعارضة”
بناءً عليه، أعاد المعترضون حساباتهم بعد الجلسة النيابية التي “خضّت” التيار. فالنواب المعارضون، الذين سبق أن عبّروا عن اعتراضاتهم علناً، أثاروا تساؤلات لدى زملائهم. وبدل أن يخرجوا بخطاب متماسك يجيب على التساؤلات المطروحة، ذهبوا إلى توزيع الاتّهامات بأنّ هناك من يشنّ حملات ضدّهم.
في المعلومات أنّ جلسة ثنائية جمعت باسيل بالنائب آلان عون شهدت مصارحة في حقيقة المواقف، وخلصت إلى اتفاق على أن يعبّر النواب عن رأيهم داخل التكتّل لا خارجه.
لقد تبيّن أنّ هؤلاء النواب سارعوا إلى لملمة وضعيّتهم في بيئاتهم في حين اعتقد كلّ من رافق حركتهم قبل الجلسة الشهيرة أنّهم سيتّجهون إلى إعلان مجموعتهم المعارضة. وفي الخلاصة كان أن قدّموا هديّة مجّانية لباسيل الذي يعرف جيّداً كيف يقتنص الفرص الداخلية كهذه لتثبيت رئاسته على من أصبح يسمّيهم “تياريّين”.
الحزب يعود إلى الحوار مع باسيل
كان واحد من الرهانات الخاسرة هو انتظار توسّع الخلاف بين الحزب وباسيل، وأن يضعه خلافُه مع الحزب في موقع محرج، فيصير محاصراً مسيحياً أوّلاً، ووطنياً ثانياً.
غير أنّ كلّ هذا الرهان سقط حين نجح باسيل في التقاطع مع حزبَيْ القوات والكتائب وعدد كبير من المستقلّين على التصويت للمرشّح جهاد أزعور.
اعتقد البعض أنّ هذا التقاطع سيُبعد باسيل أكثر عن الحزب. غير أنّ تمسّك الحزب بموقفه اصطدم بضرورة العودة إلى الحوار مع باسيل… وهذا ما حصل.
عند مبادرة باسيل إلى الحوار مع الحزب في شأن الرئاسة من دون شروط مسبقة، وافق الأخير مباشرة على إعادة الحوار، على الرغم من كلام باسيل الصريح عن استمراره برفض رئاسة سليمان فرنجية.
يدرك الحزب بطبيعة الحال أنّ رغبة باسيل بالحوار معه تهدف إلى التخلّص من فرنجية ومن قائد الجيش جوزف عون. إلا أنّ ذلك لم يمنع الحزب من العودة إلى الحوار لقناعته بأنّ الخلاف مع باسيل أدّى أيضاً إلى عزل الحزب مسيحياً.
عليه، يكون باسيل قد ربح معركته الداخلية وربح جولته مع الحزب، وسط صعوبة قصوى في تحقيق الربح نفسه في الرئاسة الأولى. وقد جاء خلافه مع “مجموعة الخمسة” لمصلحته، فارتفعت أسهم رئاسته في بيئة التيار الداخلية.
جوزفين ديب- اساس