الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمواجهة “تهديدات” المناخ.. أي الخيارات للتكيف والمقاومة؟
تشهد دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة، مع تسجيل موجات حر شديدة، تثير قلقا ومخاوف بشأن انعكاسات الظواهر المناخية المتطرفة على بلدان المنطقة.
وبعد تسجيل درجات حرارة قياسية في يونيو الذي سجل أعلى معدلات الحرارة على مستوى العالم على الإطلاق، بحسب خدمة “كوبرنيكوس” لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، أعلنت الأمم المتحدة، الثلاثاء، أن على دول العالم “الاستعداد لموجات حر أكثر شدّة”.
وفي تصريح للصحفيين في جنيف، أفاد مستشار شؤون الحرارة الشديدة في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، جون نيرن، بأن “شدة هذه الظواهر ستستمر في الازدياد، وعلى العالم أن يستعد لموجات حر أكثر شدة”.
وشهدت مناطق واسعة من العالم موجات حر شديدة، خلال الأسابيع الأخيرة، وفي أميركا الشمالية وآسيا وشمال أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، من المتوقع أن تتجاوز درجات الحرارة الـ40 درجة مئوية، هذا الأسبوع، بسبب اشتداد الحر في النصف الشمالي من الكوكب.
“تعقيد الوضعية”
ويتوقع محللون وخبراء تحدثوا لموقع الحرة أن تزيد هذه المستويات القياسية من تعقيد الوضعية المناخية والبيئية بعدد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة التي تعاني أصلا من شح الموارد المائية وتوالي سنوات الجفاف.
وترتفع درجات الحرارة في المنطقة بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي، إذ زادت بين عامي 1980 و2022، بمقدار 0.46 درجة مئوية لكل عقد من الزمن، أي أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 0.18 درجة، وبالمقابل تتضاءل معدلات هطول الأمطار.
بدوره، يكشف تقرير لمنظمة غرينبيس، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من ظاهرة الاحترار بوتيرة “تقارب ضعف المعدل العالمي”، لافتا إلى أنها “عرضة للآثار والتداعيات الخطيرة الناجمة عن تغير المناخ، بما في ذلك الشح الحاد في المياه”.
وتفيد المنظمة الدولية غير الحكومية بأن الكثير من البلدان في المنطقة تشهد “ظروفا جافة ودافئة للغاية مقارنة بأجزاء أخرى من العالم”، مشددة على ضرورة العمل العاجل لمواجهة الاحترار، وشح المياه ومقاومة مخاطر الأمن الغذائي في منطقة حارة وجافة بالفعل.
“تهديدات التغير المناخي”
الخبير في شؤون البيئة والمناخ، حسان التليلي، يؤكد أن منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط “تستهدفها تهديدات التغير المناخي بشكل أكبر من باقي مناطق العالم”، ما يجعلها أمام “تحديات أكبر في ظل تزايد الظواهر المناخية المتطرفة، مثل اشتداد موجات الحرارة وامتداد فترات الجفاف لسنوات”.
ويشير التليلي في حديثه مع موقع “الحرة” إلى أن مشاكل الجفاف متمثلة في ندرة التساقطات المطرية وتراجع منسوب المياه الجوفية كانت مطروحة بشدة في دول الشرق الأوسط، خاصة الخليجية، لكن اليوم تتسع لتصل دول أخرى، من بينها الدول المغاربية التي تعاني من نقص المياه وتعاقب مواسم جفاف حادة.
ويؤكد الخبير أن تأثيرات الارتفاعات القياسية في درجات الحرارة، ستطال المحاصيل الزراعية ومنسوب المياه الجوفية، التي تعد خزانا استراتيجيا لكل بلد، لافتا إلى أن “تزايد الضغوط على المياه في كل دول العالم يؤدي إلى قلتها”.
من جانبه، يبرز الخبير المناخي، عبد الرحيم الكسيري، أن التزايد المسجل في معدلات الحرارة “كان متوقعا وحذر منه علماء المناخ والبيئة منذ عقود”، ويشير إلى أن الجديد هو بروز ظواهر جديدة تتسبب في الإخلال بـ”التوازن الهش” للتيارات البحرية والهوائية، ما يؤدي إلى ارتفاع الحرارة.
ويكشف الكسيري في تصريحاته لموقع “الحرة”، أن تأثيرات ارتفاع متوسط حرارة الأرض، من 16 درجة إلى 17.23 درجة، بداية الشهر الجاري “ستطال جميع دول العالم، وستتضرر منها بشكل أكبر دول المنطقة التي تتميز أصلا بمناخها الجاف، وتعاني من مشاكل ندرة المياه.
ويضيف الخبير ذاته أن الارتفاع المسجل سيؤدي إلى تساقط الأمطار في مناطق، مقابل جفاف حاد في مناطق أخرى، ومن بينها دول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المهددة بتعاقب مواسم جفاف وبتراجع مواردها المائية، بسبب تبخر المياه السطحية وجفاف التربة الذي سيؤدي إلى ارتفاع نسب التصحر، بالإضافة إلى ارتفاع نسب حرائق الغابات، وكلها إشكالات تفاقم “أزمة الماء”.
خيارات التكيف المقاومة
وأبرز تقرير حديث للبنك الدولي أن التغيرات المناخية، وخاصة موجات الجفاف الشديد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحمل مخاطر متزايدة على المالية العامة لعدد من دول المنطقة، حيث يمكن أن تصل الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية وحدها ما يقرب من ملياري دولار سنويا.
وفي هذا الجانب، دعا الكسيري دول المنطقة إلى اعتماد سياسات بديلة لـ”محاولة تجاوز هذه الفترة العصيبة، عبر إقرار إجراءات وتدابير سريعة للتكيف والمقاومة”، موضحا أنه “لا ينبغي التصرف وكأن الوضع عادي”.
وعن خيارات مواجهة ندرة المياه والجفاف، يقول حسان التليلي إن هناك توجها عاما نحو إنشاء محطات لتحلية المياه، غير أن هذه الخطوة ترتبط بـ”إكراهات مادية خاصة بالنسبة للدول غير الطاقية، وأيضا بيئية بالنظر إلى الأخطار المرتبطة بهذه العملية على المستوى البيئي، بالتالي لا ينبغي الاعتماد عليها كليا”.
ومن بين البدائل الأخرى المطروحة، يشير الخبير ذاته إلى أن على دول المنطقة “تطوير قدراتها في تجميع المياه المطرية التي تجف أو تتبخر أو تصب في البحر دون استغلالها، وذلك من خلال سياسة إنشاء السدود، التي تبقى خطوة أساسية في مقاومة الجفاف وندرة المياه”.
والخيار الثاني، وفق الخبير البيئي، يتمثل في تغيير سلوكيات الإنتاج والاستهلاك المتبعة مع الماء، مشيرا إلى أن بالرغم من مشكلة شح المياه وتزايد الضغوط عليها، لاتزال المشكلة غير “حاضرة في ذهنيات الكثيرين” الذين يقومون بإهدارها بشكل لا عقلاني ولا مسؤول.
ويبقى البديل الآخر المطروح، بحسب المتحدث ذاته، الاستثمار في محطات معالجة المياه العادمة أو مياه الصرف الصحي، لإعادة استغلالها في المجال الفلاحي، على غرار تجارب دول أخرى مثل إسرائيل وسنغافورة.
ويؤكد التليلي أن هندسة المدن الجديدة ينبغي أن تقوم على “سياسة المدن الخضراء”، من خلال “تخضير الفضاءات العامة بما من شأنه المساهمة في تلطيف أجوائها وجعلها قادرة على تحمل فترات الجفاف الطويلة”، مشيرا إلى استثمارات دولتي الإمارات والسعودية في هذا الجانب.
ويضيف أن مكافحة التغيرات المناخية والتكيف معها يمران أساسا عبر “امتلاك المعلومة العلمية الصحيحة لاستخدامها في المجال”، ويلفت إلى أن “الاستثمارات في البحث العلمي والتكنولوجيات العلمية لاتزال ضعيفة بدول المنطقة”، مشددا على ضرورة “تقويتها مستقبلا للاستجابة لكل التغيرات المناخية الطارئة”.
الحرة