قطر تحمل “الخيار الثالث”… والملفّ الرئاسي على طريق الحلّ تحت سقف الطائف!

قطر تحمل “الخيار الثالث”… و”مفاوضات” بكركي – عين التينة

 

مساران يسيطران على المشهد الرئاسي في لبنان:

– خارجي: يتمثّل في اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة لمحاولة إيجاد مخرج للأزمة الرئاسية اللبنانية تحت عنوان “البحث في إنجاح الخيار الثالث وفق طاولة حوار توافقية وبرعاية دولية”، على ما يقول دبلوماسي رفيع معنيّ بالاجتماع.

– وداخلي: يتمثّل في السعي إلى توافق على “رفض أيّ إملاءات خارجية”، وهو ما تقاطع عليه سمير جعجع وجبران باسيل في خطابَيهما الأخيرين أمس الأوّل. وذلك لقطع الطريق على أيّ طبخة يمكن أن تنضج في العواصم المعنيّة بالشأن اللبناني خارج موافقتهما ولا يُستبعد دخول إيران عليها بشكل غير مباشر. وفي معلومات “أساس” من الكواليس السياسية بين بكركي وعين التينة، أنّه يجري البحث في حوار أو ما يشبهه من “مفاوضات” في مجلس النواب، لضمان حصول الانتخابات ضمن تفاهمات معيّنة.

بين المسارين بدأت تُطرح أفكارٌ على نحو جدّيّ بعد “passe” من عين التينة باتجاه بكركي، من خلال الدعوة إلى حوار. وتتريّث بكركي بانتظار نضوج مسار يبحث جديّاً في الدعوة إلى “مفاوضات” تقوم مباشرة، وتقود إلى جلسة انتخاب الرئيس ضمن تفاهمات معيّنة.

هذا ما سيتمّ طرحه في المقبل من الأيام، خصوصاً بعد عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان حاملاً مقاربة جديدة تحفظ دور فرنسا في التسوية اللبنانية الدولية المقبلة. فهل يلتقي المساران في خلاصة واحدة، أم تقطع مواقف باسيل وجعجع المنتقدة لـ”الخارج” الطريق على خلاصات اللجنة الخماسية؟

لماذا الدوحة لا الرياض؟

في معلومات “أساس” أنّ أحد النقاشات التي حصلت قبل تحديد مكان اجتماع اللجنة الخماسية من أجل لبنان، تناول الدور الذي ستلعبه الدولة المضيفة، وأنّ نقاشاً تناول إمكانية عقد الاجتماع في الرياض، خصوصاً أنّ الموفد الفرنسي جان إيف لودريان زارها والتقى مستشار الديوان الملكي نزار العلولا.

لكنّ معلومات “أساس” تشير أيضاً إلى أنّ المملكة فضّلت أن لا يكون الاجتماع على أرضها بل في الدوحة، لأنّ الدولة المضيفة ستكون معنيّة بشكل مباشر بتقديم مقاربة للحلّ الرئاسي اللبناني، وهذا الدور لا تريد أن تلعبه السعودية، تماشياً مع موقفها الدبلوماسي الذي اتّخذته منذ بداية الأزمة حتى اليوم.

لذلك يتّسم مكان انعقاد الاجتماع بأكثر من حيثيّة ودلالة تنسحب على العلاقة بين المملكة العربية السعودية وإيران، وإمكانية التواصل الأميركي الإيراني غير المباشر .

– أوّلاً: كلّ المعطيات التي رافقت التقارب السعودي الإيراني تحدّثت عن اتفاق على عدم التدخّل بشكل مباشر في الأزمة الرئاسية اللبنانية، والمحافظة على موقف متقارب منها. فكان الموقف السعودي المعروف بعدم التدخّل بالأسماء ووضع القوى اللبنانية أمام مسؤوليّاتها في انتخاب رئيس. وهذا ما عبّرت عنه المملكة أكثر من مرّة على لسان سفيرها وليد البخاري في لقاءاته مع القوى السياسية اللبنانية ومن خلال المقرّبين من السفارة في لبنان. وهذا أيضاً ما عبّرت عنه إيران في زيارة وزير خارجيتها الأخيرة للبنان.

في المعلومات أنّ المملكة وإيران لا تريدان الاصطدام في الملفّ الرئاسي اللبناني، وهذا ما جعلهما على مسافة واحدة من الأزمة. لذلك استمرّت الأزمة من دون تسجيل أيّ خرق في ظلّ الانقسام الداخلي وغياب أيّ إشارة إقليمية أو ضوء أخضر لانتخاب أيّ مرشّح، ولا سيّما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

– ثانياً: جاء اختيار قطر مكاناً للاجتماع لأنّها صاحبة مقاربة ستُترجم في المقبل من الأيام إلى جانب عودة فرنسا إلى لبنان بمقاربة جديدة. قطر التي أعادت علاقاتها الوثيقة مع المملكة، وقطر المعروفة بتقاربها اللصيق مع الولايات المتحدة الأميركية وبقدرتها على التحاور مع إيران عند الحاجة، شكّلت عامل تقاطع فاستقبلت كلّاً من سفراء ومستشاري الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية على أن ينطلق في هذا الاجتماع بدء البحث في إمكانية نجاح الخيار الثالث الذي ستلعب فيه الدوحة دوراً محورياً. ولذا ترجّح المعلومات المرافقة لاجتماع الدوحة أنّ قطر أكثر قدرة من باريس وغيرها على التواصل مع إيران بشأن الملف الرئاسي. وفي هذا الإطار تحدّث مصدر دبلوماسي مقرّب من دوائر الإليزيه عن علاقة “تحسّنت” بين باريس وإيران، لكنّها لا تسمح بعد بأن تقوم باريس بحوار مع طهران بشأن الملف الرئاسي اللبناني، وانطلاقاً من هذه المعلومات سيكون الأرجح أن تقوم الدوحة بهذا الدور وإن كان مرفقاً بجهود فرنسية.

– ثالثاً: مشاركة جان إيف لودريان خلاصة جولته الرئاسية مع المجتمعين حول طاولة “اللجنة الخماسية” ستُستكمل بمقاربة فرنسية جديدة ستشارك في تقديمها الدوحة، وذلك لضمان الالتزام بالاتفاق الناتج عن هذه اللجنة. لودريان الذي سيتوجّه إلى باريس بعد انتهاء الاجتماع لتقديم خلاصاته إلى الإليزيه، يُتوقَّع أن يعود إلى بيروت في الرابع والعشرين من تموز الجاري لتقديم خلاصة اللجنة الخماسية.

اعتادت فرنسا أن تكون حاضرة في بيروت على مرّ العقود، منذ زمن دعمها المارونية السياسية قبل اتفاق الطائف وصولاً إلى علاقتها الوطيدة مع الرئيس رفيق الحريري بعد الطائف، لكنّها خسرت ثقة المسيحيين في مقاربتها الرئاسية الأخيرة، لأنّها تريد أن تكون حليفة القوّة الأقوى في الساحة السياسية. لهذا بدأت مسارها عشيّة تفجير الرابع من آب في قصر الصنوبر بلقائها القوى المختلفة وبينها الحزب. وتتحدّث مصادر دبلوماسية عن رغبة فرنسا بالتقارب مع “الثنائي الشيعي” انطلاقاً من مسار تحالفاتها التاريخية مع القوّة الأقوى في كلّ مرحلة.

لكن هذه المرّة اصطدمت باريس بواقع مختلف تمثّل في إجماع القوى المسيحية على موقف يعارض تحالفها، فتغيّرت كلّ الحسابات وباتت بحاجة ماسّة إلى مخرج ستمنحه لها قطر من خلال مشاركتها في المقاربة الرئاسية المقبلة.

هكذا سيعود لودريان حاملاً معه خلاصة الاجتماع الخماسي لطرحها في بيروت مع احتمال أن تواجهه مطبّات داخلية لن يكون سهلاً حلّها.

بانتظار نضوج أحد المسارين، الداخلي والخارجي، أو تلازمهما، يعبّر “الثنائي الشيعي” عن ليونة، من دون التخلّي رسمياً عن مرشّحه سليمان فرنجية. وأمّا باسيل فيحاور الحزب على مرشّح ثالث قطعاً للطريق على التوافق على رئاسة قائد الجيش جوزف عون، مراهناً على الوقت لانتهاء ولايته في قيادة الجيش مطلع العام المقبل وإسقاط حظوظه الرئاسية، فيما جعجع لن يوافق على تسوية ليس شريكاً فيها.

الخلاصة أنّ الملفّ الرئاسي يحتاج إلى إنضاج لن يكون سهلاً أن يظهر في الأيام المقبلة، لكنّه حتماً على مسار الحلّ بقيادة قطرية فرنسية ورعاية دولية مشتركة دائماً تحت سقف الطائف.

بيان اللجنة الخماسيّة

مساء الإثنين، صدر بيان مشترك عن المجتمعين لمناقشة الحاجة الملحّة للقيادة اللبنانية إلى التعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية من أجل الوفاء بمسؤوليّاتها تجاه مواطنيها، ولا سيّما إصلاحات صندوق النقد الدولي. وأكّدت البلدان الخمسة الالتزام بسيادة لبنان واستقلاله، غير أنّها تتابع بقلق عدم انتخاب رئيس للجمهورية. وأشار البيان إلى أهمية أن يلتزم أعضاء البرلمان اللبناني بمسؤوليّتهم الدستورية وأن يشرعوا في انتخاب رئيس للبلاد. وناقشت البلدان خيارات محدّدة في ما يتعلّق باتّخاذ إجراءات ضدّ أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدّم في هذا المجال.

وشدّدت الدول المجتمعة على الحاجة الماسّة إلى الإصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون، ولا سيما في ما يتعلّق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت عام 2020.

وأكّدت أهميّة تنفيذ الحكومة اللبنانية لقرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقيات والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي تضمن الحفاظ على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية في لبنان.

جوزفين ديب- اساس

مقالات ذات صلة