قتل الانسان ببساطة: السلاح غير الشرعي لعنة لبنان!!

يُعتبر لبنان غابة من السلاح غير الشرعي، وهذا يعود إلى أسباب عديدة أهمها ضعف الدولة اللبنانية، وعدم وجود قرار رسمي بنزع السلاح غير الشرعي وحصره في يد الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية المولجة حماية المواطنين ومصالحهم، وهذا ما دعا إليه البرلمان الأوروبي مؤخراً، مؤكداً ضرورة نزع سلاح الأحزاب المسلّحة بصورة غير قانونية، وخصوصاً أنها تعرقل العملية الديموقراطية وتشرّع سياسة الافلات من العقاب!

لا شك في أن الشعب اللبناني، تاريخياً، يحب اقتناء السلاح، لكن الوضع في لبنان أصبح خطيراً لأنه تجاوز التقاليد والأعراف في ما يتعّلق بالسلاح، إذ بات في يد مجموعات وتنظيمات وأحزاب وطوائف منظّمة لا تثق ببعضها البعض، ما يجعل لبنان عرضة للإنفجار في أي لحظة. وما يحصل من وقت إلى آخر في مناطق متفرقة من اشتباكات ويكون طرفاً فيها عادة “حزب الله” أو مجموعات تابعة له، هو برهان واضح على خطورة وضع السلاح المتفلّت. وقد اعتاد اللبناني يومياً نشرات الأخبار وعناوين الصحف وهي تطالعه بأخبار القتل والجرائم والأحداث الأمنية المتنقلة بين المناطق اللبنانية، وذلك بسبب تفشي ظاهرة انتشار السلاح غير الشرعي بين أيدي المواطنين.

لكن عندما نتكلّم عن السلاح غير الشرعي، علينا التمييز بين مستويين: الأول منظّم ويتضمن أسلحة حربية ثقيلة ومتوسطة وخفيفة، والثاني غير منظّم ولا يتجاوز السلاح الفردي الخفيف.

هرمياً، نبدأ بالأكثر امتلاكاً للسلاح والأكثر تنظيماً أي “حزب الله” وهو أشبه بجيش لأنه مدرّب ويضم بإعتراف مسؤوليه ما لا يقل عن 100 ألف مقاتل، هو الشريك الأكبر للحرس الثوري الايراني وعناصر “فيلق القدس”، إذ سعت طهران الى تحسين القدرات العسكرية لـ”الحزب” من خلال إمداده بمنظومة دقيقة من أنظمة التسليح، والصواريخ، والقذائف والمسيّرات.

أساليبه تركز على حرب العصابات والاستنزاف والتنقل وجمع المعلومات الاستخبارية والمناورات الليلية. وتنتشر أسلحته ما بين الضاحية الجنوبية والبقاع وبعلبك والجنوب.

وامتداداً لـ”حزب الله” هناك ما يسمّى “السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي”، وتضم عناصر من كل الطوائف، إلا أن ولاءهم لـ”الحزب” الذي يتولى تدريبهم ونشرهم في كل المناطق اللبنانية. وتسلّح هذه السرايا لا يتجاوز الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بحسب الحاجة.

يتسلّح “الحزب” بشعار المقاومة ضد اسرائيل، لكن هذه الذريعة باتت واهية بعد إنسحاب اسرائيل من الجنوب في العام 2000، فصارت المقاومة بلا هدف. وحده الحزب جعل من المقاومة مهنة لا مهمّة تنتهي بانتهاء ما وجب تحقيقه. وباتت مخاوف اللبنانيين أكثر من أهداف هذا السلاح، وخصوصاً أنه اصطدم مرات عدة مع قوى الداخل كما حصل في بيروت في 7 أيار وخلدة وعين الرمانة!

من ناحية أخرى، لدى “الحزب” هواجس أخرى، فهو نشأ على قضايا ما فوق لبنانية. في الداخل قال إنّ مهمّته تحرير القدس. قاتل في البوسنة. عندما ضاقت الدنيا على إيران أغاثها في سوريا، العراق واليمن. هدّد أمن دول الخليج برمّتها، من الكويت إلى السعودية والبحرين والامارات… ضرب في أصقاع العالم النائية وصولاً إلى الأرجنتين وأميركا اللاتينية وأوروبا. نظّم خلايا نائمة في دول عدّة حتى بات قادراً على زعزعة استقرارها الوطني بواسطة قرار يُتّخذ من منطقة في ضاحية بيروت الجنوبية.

والمفارقة أن محور الممانعة الموالي لايران يُصنّف كل من ينتقد سلاح “الحزب” بأنه عميل لاسرائيل، مع العلم أنه ليست هناك مادة في الدستور اللبناني تشرّع سلاح أي مجموعة تحت مسمّى “المقاومة”. ان سلاح الحزب لا يتعدى كونه سلاحاً لميليشيا باتت تحكم لبنان بالكامل بقوة السلاح.

“حزب الله” عبارة عن “قوة أمر واقع” تخالف شريعة العيش المشترك، أي إن مفهوم الحزب بالوجه القانوني غير موجود، وهو منبثق من مكوّن اسمه الشيعة، ولا يمثل باقي المكوّنات، ولا يحوز وجوده على رضاها، وبالعودة الى مقدمة الدستور فإن لا شرعية لسلطة تخالف مقتضى العيش المشترك!

إلى “حزب الله”، يأتي السلاح الفلسطيني داخل المخيّمات وخارجها في المرتبة الثانية، وهو يعتبر قنبلة موقوتة، على الرغم من ادعاء المسؤولين الفلسطينيين في المخيمات أنه موجّه ضد اسرائيل، علماً أن أكثرية استخدامات هذا السلاح كانت في حروب صغيرة بين الفلسطينيين أنفسهم، إضافة إلى مواجهات مع الجيش اللبناني كما حصل في نهر البارد.

تشكّل المخيّمات الفلسطينيّة، مناطق أمنيّة مقفلة على السلطات الرسميّة اللبنانيّة، ويوجد فيها ألوف المقاتلين الموزّعين على عشرات الفصائل والتنظيمات! وليس سرّاً أنّ هذه المخيّمات تشكّل مواقع مفتوحة لتجارة الأسلحة على إختلاف أنواعها، بيعاً وشراء. وبالتالي، إنّ كلام الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس خلال زيارته الأخيرة الى لبنان عن أنّ “السلاح في المخيّمات هو تحت أمرة الدولة والحكومة اللبنانية”، ما هو إلا كلام ديبلوماسي لا يمتّ الى الواقع بصلة! وأصلاً، إنّ تعدّد وتنوّع المرجعيّات التي تدير هذا السلاح وتتحكم به، أكانت بصورة ميدانية محلّية أو إقليمية خارجية، تجعل “مونة” عباس على هذا السلاح جزئية ومحصورة في أماكن محدّدة.

ويتنوّع هذا السلاح بين الخفيف والمتوسط والثقيل، وصواريخ الكاتيوشا لكن حتماً أقل فاعلية وتطوراً من صواريخ “حزب الله”، وينتشر هذا السلاح في مخيمات عين الحلوة والمية ومية والبداوي ونهر البارد وبرج البراجنة وصبرا وشاتيلا، إضافة إلى البقاع حيث مخيمات التدريب في النبي سباط وعين البنية، وفي ينطا، حلوى، دير العشائر وعيتا الفخار… وشكلت بعض المناطق كتعلبايا، وبر الياس وسعدنايل أماكن وجود شعبي وأمني وعسكري للفلسطينيين.

ويزعم قادة الفصائل بأن هذا السلاح مرتبط بسلاح المقاومة وموجّه ضد اسرائيل ومكرّس للقضية الفلسطينية، إلا أن الواقع لا يدعو إلى الاطمئنان في بعض المناطق وهناك هواجس لدى الكثير من اللبنانيين بأن هذا السلاح مرتبط بأجندات خارجية وخصوصاً في إطار محور الممانعة!

يحتل الحزب “السوري القومي الاجتماعي” المرتبة الثالثة من حيث اقتناء السلاح غير الشرعي، والأسباب المعلنة هي المقاومة ضد اسرائيل، فيما الحقيقة أن تاريخ هذا “الحزب” في الحرب الأهلية لا يبشّر بالخير، فهو ربط نفسه بالاحتلال السوري سابقاً، والآن يسند ظهره إلى محور الممانعة و”حزب الله”.

يعتبر الحزب جزءاً من المقاومة المسلّحة التي يقودها “حزب الله” ويؤكد أن سلاحه موجّه إلى اسرائيل، علماً أنه في العام 2008 شارك في اجتياح بيروت، أو ما يُسمى “أحداث 7 أيار” مع “حزب الله” وحركة “أمل”، وقام بإحراق مبنى تلفزيون “المستقبل” في بيروت، ورفع علمه عليه بعد حرقه. كما شارك منذ العام 2011 في الأحداث السورية إلى جانب النظام السوري. ويمتلك معسكرات تدريب في مناطق الكورة وبعلبك، ويقال إن لديه معسكر تدريب في إحدى قرى عكار المجاورة للحدود السورية – اللبنانية، حيث يُجري تدريبات لعناصره، وهو يقتني أسلحة متوسطة وبنادق روسية الصنع، تركها النظام السوري لحلفائه قُبيل انسحابه من لبنان، بالاضافة الى قاذفات من نوع “هاون” وصواريخ كاتيوشا وقذائف “الآر بي جي”. وتؤكد المصادر الأمنية أن عدد المسلحين التابعين للحزب يبلغ 5000 مسلح، ينتشرون في مناطق مختلفة في لبنان. ومؤخراً، أعلن “القومي” عودته إلى ساحة الجهاد، أي عودة القرار إلى العمل المقاوم المرتبط بفلسطين، وفق تعبيره.

بعد هذه التنظيمات، يستحوذ على السلاح غير الشرعي على نحو متوسط وخفيف كل من حركة “أمل” والحزب “التقدمي الاشتراكي” وحزب “البعث” و”الجماعة الاسلامية” و”الأحباش” وبعض المجموعات الاسلامية المتطرفة.

وفي أسفل الهرم، يأتي كل من “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل”، لأن السلاح في هذه الأحزاب ليس منظّماً، بل هناك أفراد ينتمون اليها ويملكون السلاح الفردي الخفيف فقط، علماً أن بعض هذا السلاح مرخّص بهدف حماية المسؤولين، والبعض غير مرخّص.

وهناك مؤشّر الى إنتشار السلاح غير الشرعي على نحو كثيف، وذلك من خلال استخدامه كأداة للتعبير عن المشاعر، سواء كانت فرحاً أو حزناً أو غضباً، فثقافة استخدام السلاح السائدة في لبنان كإطلاق العيارات النارية في الأعراس أو في الجنازات عشوائياً، تتسبب بمقتل العديد سنوياً جراء سقوط هذه الرصاصات على رؤوس الناس. وطبعاً هذا السلاح ينتشر في كل المناطق اللبنانية، إلا أن كثافته تتفاوت بين منطقة وأخرى، وبالتالي يُمكن بسهولة أن يلاحظ الرأي العام وجود عدد هائل من السلاح في الضاحية الجنوبية والجنوب وبعلبك. فكم مرّة في العام، تتناول وسائل الاعلام أخبار إشتباكات مسلّحة، بين عائلتين أو عشيرتين في الضاحية أو في بعلبك على سبيل المثال لا الحصر!

وتتدرّج الكثافة والنوعية لتصبح أقل في مناطق كطرابلس وعكار والناعمة والطريق الجديدة، وهذا أمر طبيعي. فالفرق كبير بين رشّاش مع بضعة مماشط مخبّأة في قبو أحد المنازل في طرابلس، وبين أسلحة متكاملة تظهر إلى العلن غير آبهة لا بقانون ولا بهيبة دولة في الضاحية الجنوبية وبعلبك! وهناك وجهة خطيرة للسلاح حتى الفردي، عندما يستخدم لحل خلاف على أحقية المرور أو حول الميراث، وأسباب غيرها تؤدي الى قتل الانسان ببساطة!

هيبة السلطة والدولة لا يمكن أن تصح إلا بمعادلة العدالة على الجميع، ولا حل للسلاح المتفلت إلا بصورة شاملة تعود فيها الدولة إلى سلطتها الوحيدة ومن ثم يمكن إيجاد حل شامل للسلاح خارج السلطة الشرعية.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة