!ما تبقى من دولة… يقوم على كتفيّ هيفاء وهبي
اذا كانت «الفيغارو» تعتبر أن الفوضى الأمنية التي تندلع في فرنسا بين الحين والآخر، ناتجة عن «فائض الديمقراطية»، فقد سبق لها واعتبرت أن الفوضى السياسية في لبنان ناتجة عن «فائض الطائفية»، التوتاليتارية الطائفية. لذا لا مجال للرهان على حل مستدام الا باجتثاث تلك الطبقة «المتعددة الطبقات»!
ما عاد به جان ـ ايف لودريان يجعل الفرنسيين أكثر يأساً حول امكانية التوصل الى تسوية داخلية للأزمة. المبعوث الرئاسي فوجئ بالمسافات الضوئية (والنرجسية) التي تفصل بين الأفرقاء، وحيث المصلحة العليا للطائفة تتقدم بأشواط على المصلحة العليا للدولة.
ما يستشف من الصحف والشاشات الفرنسية ألاّ جدوى من الحوار بين القوى المتصارعة، ولو عقد على سطح المريخ. «الثنائي الشيعي» يطرح فكرة الحوار، ولكن حول سليمان فرنجية ولا أحد سواه. والفريق الآخر يرى أن حزب الله الذي جرّنا الى الخراب، يجرّنا الآن مستنداً الى ترسانته العسكرية الهائلة، الى تغيير الصيغة أي النظام. في قناعتنا أن هذه المسألة ليست واردة على الاطلاق في الاسترتيجية االسياسية للحزب. وهو يتهم من يروجون لذلك بأنهم يعملون لتوسيع الهوة بدلاً من ردمها.
على كل حال، حين لا تتيح التقاطعات (والتناقضات) الدولية والاقليمية اختيار رئيس للجمهورية، وبصلاحيات فولكلورية، كيف يمكن لها أن تتيح التوافق على تغيير المنظومة، تالياً… النظام؟
يتردد أن لودريان لن يعود الى بيروت، الا بعد الحصول على دعم الرياض وطهران للعملية الديبلوماسية التي يقودها الرئيس ايمانويل ماكرون، والا العودة الى الدوران السيزيفي بين الأشباح…
لا ندري الى مدى صحة المعلومات التي تقول ان الأمير محمد بن سلمان لن يدخل بشكل مباشر وفاعل في الأزمة اللبنانية، قبل تسوية الأزمة اليمنية التي دونها تضاريس قبلية وحتى جيوسياسية، وان بوجود تطابق بين الأزمتين. هناك صراع القبائل وهنا صراع الطوائف.
هذه مسائل تعكس الأزمة البنيوية، أو الأزمة الفلسفية في كل من البلدين. الكل يرى ألاّ حل من دون الخارج. والكل في الخارج منهمكون في أمكنة أخرى. قاعة الانتظار تحولت الى ما يشبه… الزنزانة!
من قال ان اللجنة الخماسية ـ كهيئة وصاية ـ اتفقت على اسم محدد، أو أنها تمتلك رؤية موحدة أو مفهوماً موحداً للتسوية، التي ينبغي ألاّ تتوقف عند الجانب المرئي من الأزمة، أي ملء الموقع الرئاسي، دون الجوانب اللامرئية وحيث توجد الأسباب الجوهرية للأزمة.
هذه اللجنة لا تصطدم فقط بالتعقيدات الداخلية، وانما أيضاً بالتعقيدات الخارجية. كيف للموقف الأميركي أن يتقاطع مع الموقف الايراني، ولبنان ورقة على الطاولة؟
بالرغم من أن ادارة جو بايدن منشغلة في صراعات تكاد تكون وجودية (اذا أخذنا برأي السناتور لندسي غراهام: معركتنا الآن لا تقتصر على دورنا في العالم، وانما على وجودنا في العالم)، فان التصريحات التي تصدر بين الفينة والأخرى، تؤكد الرفض الأميركي انتخاب أي رئيس يكون «ظلاً أو أداة» لطهران ودمشق!!
الأميركيون ليسوا معنيين بأن يكون الرئيس العتيد من داخل المنظومة أو من خارجها. اذ متى لم يراهنوا في سياساتهم على «الرؤوس العفنة»، لا على من يرون في أنفسهم «كهنة الخلاص». المسألة لا تتعلق فقط بلبنان. رؤية فلسفية تطبق في أرجاء المعمورة.
تفاءلنا كثيراً، وكان ينبغي أن نتفاءل كثيراً، لدى الاعلان عن اتفاق بكين بين السعودية وايران، لتتدحرج التسويات من جبال مران في اليمن الى ضفاف المتوسط في لبنان. الآن، بعد أشهر من الاتفاق، نخشى أن يكون فد توقف عند تكريس الستاتيكو، أي وقف الصراع دون الحل، ربما بانتظار أن يتبلور المشهد الدولي الذي لا بد أنه يثير القلق لدى السعوديين والايرانيين على السواء.
ولكن ألا يعني الستاتيكو ـ وكما يرى لودريان ـ زوال ما تبقى من الدولة في لبنان؟ هذا لا يعني شاشاتنا، وهي تلقي الأضواء (الصاخبة) على الاحتفالات الغنائية في هذا الصيف، كما لو أن الدولة تقوم على كتفيّ هيفاء وهبي. على كتفيّ مَن اذاً تقوم؟
نبيه البرجي- الديار