لا عودة إلى 7 أيار أو القمصان السود: الحزب يريد ضمانات أكثر جدّية
دخول إيران على ثلاثيّ نيويورك: مسار رئاسيّ مشترك؟
فيما يبدو الداخل اللبناني مقفلاً، سيعود الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان، على وقع غرق إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون في أزمتها الداخلية من جهة، وعلى إيقاع تفهّمها أنّها خسرت زمام المبادرة اللبنانية بعد فشلها منذ أشهر في التسويق لمقاربتها للحلّ، من جهة أخرى.
سيعود لودريان ليقدّم خلاصة مقاربة اللجنة الخماسية للرئاسة اللبنانية. وبعدما كانت فرنسا تملك مفتاح الحوار مع الحزب وإيران أصبحت اليوم المملكة العربية السعودية أقرب إلى الأخيرة بفعل التقارب بينهما. ولذلك أصبح الملفّ الرئاسي اللبناني حاضراً جدّاً على المستوى السعودي، على أن ينعكس ذلك في مضمون زيارة لودريان المقبلة التي ستترافق معها أو تليها زيارة للبنان يقوم بها مسؤول سعودي يرجّح أن يكون مستشار الديوان الملكي نزار العلولا ومعه اقتراحات الحلّ المفترض لكلّ القوى اللبنانية.
لا حوار يتناول النظام
في زيارته الأولى حاول لودريان أن يطرح إمكانية حصول حوار بين اللبنانيين. غير أنّ الفكرة تطوّرت فأصبح النقاش يتضمّن حواراً في النظام نفسه وإمكانية إجراء تعديلات تطول دور الطائفة الشيعية فيه.
تكشف مصادر دبلوماسية لـ”أساس” عن استحالة الذهاب إلى تعديل النظام، مشيرة إلى أنّ الحوار إن حصل فسيكون داخلياً بين القوى اللبنانية وسيشمل ما تطلبه كلّ القوى لا فريق واحد من ضمانات.
غير أنّ الاتجاه الإقليمي والدولي اليوم لا يشجّع على أيّ حوار يتّصل بالنظام أو الطائف لأسباب عديدة:
– أوّلاً، الدول مشغولة بقضايا أكبر من لبنان.
– ثانياً، هناك قرار أميركي سعودي مصري فاتيكاني بعدم المسّ بالنظام اللبناني تحت أيّ مسمّى. وبالتالي كلّ محاولات وضع النظام تحت المجهر من بوّابة دخول الحزب إليه كقوّة سياسية طائفية لم تكن حاضرة في اتفاق الطائف أو من باب التهويل أو على الأقلّ من باب ملء الوقت الضائع.
– ثالثاً، الكلام الأكثر جدّية هو تحوُّل هذا النقاش إلى حوار داخلي يطلبه الحزب في الأساس، ويهدف إلى حصوله على ضمانات لسلاحه يطلبها مقابل التوافق على رئيس. مصادر مقرّبة من الحزب تتحدّث عن عدم رغبة الحزب في العودة إلى خيارات مثل 7 أيار أو نشر القمصان السود. بل هو يريد أن تكون الضمانات هذه المرّة أكثر جدّية من تلك التي حصل عليها في اتفاق الدوحة. وبالتالي سيكون الحوار المقبل حول ماهيّة الضمانات التي يقدّمها الرئيس المقبل لعدم تكرار “تجربة الرئيس ميشال سليمان” التي لا يتوقّف الحزب عن الكلام عنها في معرض قراءته المرحلة الماضية وما يريد أن يتجنّبه في المقبل من السنوات.
ضمانات المسيحيّين
مقابل كلّ الكلام عن ضمانات يريدها الحزب لضمان وجوده في الدولة ومشاركته في القرار السياسي وحماية السلاح، هناك كلام آخر عن ضمانات يريدها المسيحيون في ظلّ ما يعتبرونه تهديداً لوجودهم ودورهم في لبنان، تارة بلعبة الديمغرافيا وطوراً بالكلام عن تضخّم المواقع المسيحية مقابل الحجم الحقيقي للطائفة.
آخر هذا الكلام استُخدم في الحملة الإعلامية والسياسية التي خاضتها ماكينة الثنائي الشيعي في دعمها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مروراً بكلّ الكلام عن رفض الحزب اقتراح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة على اعتبارها مشروعاً تقسيمياً في مفهوم الحزب.
بناء على الانقسام السياسي الذي انعكس انقساماً طائفياً في البلاد، تعزَّز الخطاب المسيحي الداعي إلى أيّ شكل من أشكال إعادة تنظيم الخلاف بالجغرافيا والإدارة الماليّة، وعلت الأصوات المطالبة بالفدرالية من جهة، وباللامركزية من جهة ثانية، وهو ما جعل المسافات بين الخصمين المسيحيَّين اللدودين باسيل وسمير جعجع أقصر من أيّ وقت مضى.
بناءً عليه، تتحدّث مصادر سياسية مسيحية عن أنّ مطلب الحزب الحصول على ضمانات له لن يكون يتيماً، لأنّ المسيحيين أنفسهم بحاجة إلى ضمانات سيطلبونها في أيّ حوار داخلي مقبل. وبالتالي لن تكون مهمّة الرئيس المقبل قيادة مسار الإصلاح والنهوض بالبلاد، بل ستبدأ بقيادة حوار لترتيب البيت الداخلي وإطفاء نار مخاوف الطوائف وإدخال البلد في مرحلة مختلفة على مستوى الإدارة، بدءاً من الإدارة المركزية ووصولاً إلى تطبيق اللامركزية المنصوص عليها في الطائف لتكون ضمانة للمسيحيين قبل الانتقال إلى بنوده الأخرى المتعلّقة بمجلسَيْ النواب والشيوخ.
إجماع خماسيّ على الحلّ
لن يستمرّ طويلاً هدوء العطلة السياسية التي تلت زيارة الموفد الفرنسي. إذ سرعان ما ستظهر نتائج عمل اللجنة الخماسية حول لبنان، وخلاصتها أنّ اللبنانيين لا يملكون ترف الخيارات المتعدّدة لأنّ لودريان سيعود بخريطة طريق واضحة سيكون على القوى السياسية الالتزام بها وإلّا فسيُترَكون لمصيرهم، إضافة إلى أنّه لا توجد واحدة من العواصم لديها ما يكفي من الوقت والصبر لتحمّل الفشل اللبناني المتراكم. وستحمل معها زيارة المسؤول السعودي اقتراحات ستجعل اللبنانيين مجبرين على اتخاذ الخيار والذهاب إلى إنجاز الاستحقاق بناء على المعطى الفرنسي المقبل عليهم، وبناء على حوار سعودي أميركي إيراني سيقدّم مقاربة جامعة للتوازنات في لبنان. وإذا حدث غير ذلك فسيغرق لبنان في أزمته وفراغه وأزماته الاجتماعية والماليّة.
جوزفين ديب- اساس