رياح صيف لبنان لن تكون لطيفة: غبار شديد يحجب الرؤيا رئاسياً!
يدخل لبنان بدءا من اليوم مدار عطلة عيد الأضحى المبارك، حيث من الطبيعي أن يغيب معه أي حراك تشاوري بشأن الاستحقاق الرئاسي، فيما تبقى الزيارة التي قام بها المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت ولقائه مختلف الأطياف السياسية تخضع للعديد من التفسيرات والاجتهادات المتباينة تملأ الساحة المحلية، في انتظار الزيارة المقبلة التي من المتوقع حصولها في تموز المقبل من دون أن تبرز أي معطيات عن إمكانية إيجاد حل قريب للأزمة الرئاسية، ولا سيما ان جلسة الانتخاب الأخيرة كرّست موازين القوى الموجودة داخل المجلس النيابي والتي الى الآن تقطع الطريق على أي فريق من أن يفرض مرشحه للرئاسة.
وإذا كانت حصيلة ما قاله الموفد الفرنسي لودريان أمام المسؤولين قد عكس وجود إرادة دولية من قبل الدول المعنية بالملف اللبناني، لتحقيق خرق في جدار الأزمة الرئاسية، غير ان المناخات الدولية الموجودة حاليا تؤكد بأن باريس ليس في استطاعتها وحدها ابتداع الحل المنشود، وان هناك من الدول المعنية بالشأن اللبناني لم تأخذ بعد القرار بتضمين التسوية التي اقترب اكتمال حياكتها للمنطقة، وان ذلك ربما يعود الى بعض العثرات التي برزت على طريق تنفيذها تفاهمات تم التوصل إليها بين هذه الدول، وهو ما يعني ان رياح صيف لبنان قد لا تكون لطيفة، وربما تحمل معها حرارة مرتفعة مصحوبة بالغبار.
صحيح ان رأس الدبلوماسية الفرنسية السابق الذي شوهد في معظم لقاءاته يحمل ورقة بيضاء يدوّن عليها ما يسمعه، لم يودع المسؤولين اللبنانيين أي طرح أو أفكار فرنسية تتعلق بالاستحقاق الرئاسي، غير انه نبّه من المخاطر التي ستنجم عن إطالة أمد الفراغ الرئاسي، وأكد ان فرنسا التي طالما وقفت الى جانب لبنان في أحلك الظروف لن تتركه اليوم يقع فريسة النكد السياسي الذي يتحكم وحده باللعبة السياسية الداخلية، لكن الموفد الفرنسي وفق مصادر مطّلعة عبّر عن وجع رأس ودوّار انتابه نتيجة عدم إدراك اللبنانيين لمخاطر ما هم قادمون علية إذا بقي كل فريق متمترساً وراء مواقفه.
وفي هذا السياق، فان مصادر سياسية تسنَّى لها الاطّلاع على بعض جوانب اللقاءات التي أجراها لودريان في لبنان، دعت الى عدم الإفراط في التشاؤم، رغم إدراكها مدى «عصلجة» الملف الرئاسي، مشيرة الى انه سبق ان مّر لبنان بتجارب مماثلة تجاوز عمر الفراغ الرئاسي فيها السنتين ونصف السنة، وبالتالي هي تعتبر ان الوقت ما زال مبكرا للحكم على نتائج المسعى الفرنسي الذي ما زال عمليا في خطواته الأولى على طريق الألف ميل.
وتتوقع المصادر أن يقوم الرئيس الفرنسي في الفترة الفاصلة من الآن الى الجولة الثانية لموفده الخاص الى لبنان بمروحة من الاتصالات مع كل من طهران والرياض اللتين يرى فيهما الرئيس ماكرون عاملين مساعدين على الحل وانه من العبث البحث عن حلول لقضايا المنطقة بمعزل عنهما.
وفي رأي المصادر ان العقبة الرئيسية الموجودة اليوم تتمثل بالموقف التي تتخذه الولايات المتحدة التي رفضت من الأساس المبادرة الفرنسية التي كانت تقوم على مقايضة رئاسة الجمهورية برئاسة الحكومة، وهي تجاهر بأنها تميل الى وصول قائد الجيش العماد جوزاف عون الى سدة الرئاسة، وان واشنطن ليست وحدها في هذا الاتجاه بل معها قطر أيضا، التي حاولت عن طريق موفدها الى بيروت إقناع حزب الله بطرحها وكان جواب الحزب آنذاك وهو ما زال على حاله الى هذه الساعة بان «حزب الله» يدعم ترشيح فرنجية وان العودة عن ذلك يتمُّ في حالة واحدة وهي أن يعلن فرنجية شخصيا الانسحاب من المعركة الرئاسية.
وتعتبر المصادر ان فرنسا وصلت الى قناعة تامة بأن الحل الفعلي للعقدة الرئاسية يكمن في الدعوة للحوار، وقد حاول لودريان جسّ نبض المسؤولين من خلال قوله للرئيس نبيه بري: أنت أب وأم الحوار وباستطاعتك الدعوة إليه، فكان جواب الرئيس بري بالرفض لسببين: الأول انه دعا الى الحوار قبل اشتداد الأزمة الرئاسية مرتين وجوبه بالرفض. وثانياً: انه الآن طرفا في المعركة من خلال ترشيحه فرنجية، وانه مستعد لحضور أي حوار عن طريق من يمثله فيه، وكان رئيس المجلس يفضّل أن ترعى بكركي هذا الحوار غير ان البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي رفض ذلك خوفا من أن يذهب الحوار الى أبعد من انتخاب رئيس بما يشكّل قفزة فوق اتفاق الطائف وهو ما لا يريده.
وأمام هذا المشهد فان فرنسا قد تلجأ الى الدعوة بنفسها الى حوار لا يزال غير معروف المكان والزمان لأنها تعرف ان الاستمرار في حالة المراوحة قد يزيد الأمور تعقيدا.
حسين زلغوط- اللواء