التعيينات العسكريّة قيد البحث… وأزمة في تعيين رئيس الأركان!
يَدفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي باتّجاه إجراء تعيينات تطال المجلس العسكري في قيادة الجيش ومجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي ضمن إطار “تفادي الأعظم” في حال استمرار الشغور الرئاسي بالتزامن مع إحالة قائد الجيش إلى التقاعد بداية العام المقبل أو انتخاب رئيس للجمهورية وتعذّر تشكيل حكومة تُقرّ التعيينات المطلوبة.
تقول أوساط رئاسة الحكومة لـ “أساس”: “هناك أسئلة مشروعة تطرحها قوى عدّة، من ضمنها رئيس الحكومة، عن مدى إمكانية الاستمرار بتصريف الأعمال إذا استمرّ الشغور الرئاسي. لا شيء محسوماً بعد وما زالت الأمور قيد البحث مع المكوّنات السياسية في شأن التعيينات وأمور أخرى تتجاوز بالعادة منطق تصريف الأعمال”.
تشير الأوساط إلى أنّ “البحث ينطلق من اعتبارات دستورية ووطنية فقط، ومن سؤال بديهي هو مدى القدرة على الاستمرار بـ “التصريف” في حال بقيت الأزمة أو ساءت أكثر بتراكم المواقع الشاغرة، لا سيّما أنّ البعض يحمّل الحكومة مسؤولية ما يحصل ويتّهمها في الوقت نفسه بتجاوز صلاحيّاتها”.
على مستوى قيادة الجيش يُزكّي العماد جوزف عون خيار بتّ الحكومة التعيينات لتفادي الشغور في قيادة الجيش من خلال تعيين رئيس أركان ينوب عن “القائد” إلى حين تعيين قائد جيش جديد في ظلّ فيتو شيعي عَكَسه الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله عبر التأكيد أن “لا صلاحية لحكومة تصريف الأعمال بالتعيين”. وهو فيتو يتقاطع مع الرفض الكامل للنائب جبران باسيل إقرار أيّ تعيين يخرج عن إطار تصريف الأعمال.
أزمة تعيين رئيس الأركان
لكنّ ملفّ التعيينات أخذ أبعاداً أكثر تعقيداً في ظلّ معطيات عدّة. فهناك حديث عن قرار ضمنيّ بتجاوز ما تفرضه المادّة 27 من قانون الدفاع التي تنصّ على صلاحيّة وزير الدفاع رفع اقتراح بالأسماء لتعيين المفتّش العامّ ورئيس الأركان والمدير العامّ للإدارة، وهي المواقع الشاغرة حاليّاً في المجلس العسكري.
هو أمرٌ بالغ الصعوبة ويُشكّل مخالفة صريحة للقوانين مع رصد ملاحظة أساسية: المفتّش العامّ والمدير العامّ للإدارة يتمّ تعيينهما باقتراح من وزير الدفاع “بعد استطلاع رأي قائد الجيش”، وهذا يعني أنّ رأي القائد غير ملزم. فيما تعيين رئيس الأركان يتمّ بناء على اقتراح وزير الدفاع “المَبنيّ على إنهاء قائد الجيش من بين الضباّط العامّين المجازين بالأركان والذين لم يسبقوا أن وُضعوا بالاحتياط”. وهذا يعني أنّ هناك دوراً أساسياً لقائد الجيش في التسمية.
في الأيام الماضية رُصدت تسريبات تتحدّث عن ضغط لتعيين رئيس أركان إذا لم يكن بالإمكان إجراء تعيينات لكلّ أعضاء المجلس العسكري مع حسم قائد الجيش سلفاً اسم قائد اللواء 11 العميد حسّان عودة بالتوافق مع النائب السابق وليد جنبلاط. لكنّها خطوة مرتبطة أيضاً بالتعيينات في مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي. وقد علم “أساس” بوجود تعارض حول الأسماء بين وزير الداخلية بسام المولوي والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.
إشكاليّة البديل
تضجّ أروقة وزارة الدفاع عمليّاً بالإشكاليّة المتعلّقة بمن سينوب عن قائد الجيش في حال استمرار الشغور الرئاسي أو تعذّر تشكيل حكومة (في حال انتُخب العماد عون رئيساً أو غيره) قبل إحالة قائد الجيش إلى التقاعد. من جهته، ينفي الفريق الداعم لجنرال اليرزة أيّ احتمال لتسلُّم الأعلى رتبة في حال عدم تعيين رئيس للأركان، معتبراً أنّ هذه الخطوة غير قانونية وتشكّل سابقة. في المقابل يذكِّر فريق آخر، من ضمنه وزير الدفاع موريس سليم، بمبدأ استمرارية المؤسّسات ويعود إلى المادّة 13 من المرسوم الاشتراعي رقم 10 تاريخ 1967 التي تفيد بأنّه “عندما يتغيّب القائد الأعلى للجيش لأسباب طارئة مهما كان نوعها يتمتّع من يتولّى القيادة العليا بالوكالة عنه بصلاحيّاته ومهامّه”. ثمّ أتى المرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 1983 عقب أحداث 6 شباط ليتحدّث عن تعيين رئيس الأركان الذي يمكن بمرسوم في مجلس الوزراء ترقيته حتى رتبة لواء مع منحه القدم الأقدمية اللازمة في سبيل ممارسته حقّ الإمرة على ضبّاط وزارة الدفاع، ومُنِح أيضاً صلاحيّة أن “ينوب عن قائد الجيش في حال غيابه وممارسة مهامّه وصلاحيّاته طوال فترة غيابه” (لا وجود لنصّ قانونيّ عن ممارسة رئيس الأركان صلاحيّة قائد الجيش إذا أُحيل إلى التقاعد من دون تعيين قائد جيش أصيل مكانه).
صعب أم القبيّاتي؟
لا أحد قادر فعليّاً على توقّع مسار التطوّرات السياسية والحكومية من الآن حتى إحالة قائد الجيش إلى التقاعد. لكنّ هناك سيناريوهات مطروحة، منها احتمال تعيين رئيس أركان (ما دام رأي قائد الجيش ملزماً في هذا السياق)، لكن مع غموض حيال كيفية تجاوز ضرورة رفع وزير الدفاع اقتراح بالاسم، أو إجراء تعيينات تطال المواقع الثلاثة الشاغرة في المجلس العسكري، أو عدم إجراء تعيين والدخول في متاهة “الضابط الأعلى رتبةً يَتسلّم”: فهل يكون اللواء بيار صعب من المجلس العسكري، وهو أمر مرفوض من قائد الجيش لأنّ هيكليّة المجلس منفصلة عن هيكلية الجيش ولقربه من باسيل، أم العميد مارون القبيّاتي من مؤسّسة الجيش، وهي إشكالية كبيرة جدّاً لأنّ هناك عضوين برتبة لواء في المجلس العسكري: اللواء بيار صعب واللواء محمد مصطفى؟
خلاف الوزير والمدير العامّ
في السياق نفسه، علم “أساس” أنّ ثمّة خلافات تتراكم بين وزير الداخلية بسام المولوي واللواء عثمان تُوِّجت بخلاف على تسمية أعضاء مجلس القيادة، وهو ما أدّى إلى تكريس القطيعة بينهما. فقد رفض المولوي، وفق أوساط وزارة الداخلية، تسلّم مراسيم جاهزة بالأسماء أعدّها عثمان ولم يعطِ المولوي رأيه فيها، مع العلم أنّ قانون قوى الأمن الداخلي يلزم الوزير بالأخذ باقتراح المدير العام، وتشمل المواقع المرشحة لمجلس القيادة: قائد شرطة بيروت (تثبيت العميد أحمد عبلا (سنّيّ) بالأصالة)، رئيس وحدة الإدارة المركزية (شيعي)، قائد وحدة القوى السيّارة (ماروني) من خلال تثبيت العميد جان عوّاد بالأصالة، قائد المعهد (سنّيّ)، ورئيس الأركان (أرثوذكسي).
كما علِم “أساس” أنّ اللواء عثمان وربطاً بمسألة تعيينات مجلس القيادة أصدر مذكرة فصل بتعيين قائد منطقة الجنوب العميد بلال حجار مساعد أول لقائد المعهد بالتزامن مع إحالة العميد معين شحادة إلى التقاعد وتعيين رئيس شعبة المعلوماتية العميد علي سكينة مساعد أول لقائد الدرك. وبدا لافتاً تعيين سكينة (شيعي) في هذا المنصب مع قرب إحالة قائد الدرك العميد مروان سليلاتي إلى التقاعد. يعتبر سكينة من الضباط المقرّبين من اللواء مدير عام قوى الأمن الداخلي. وكان قد أثار قرار فصله من قبل عثمان إلى قيادة منطقة الشمال استياء عين التينة حيث أوعز بعدها الرئيس نبيه بري إلى وزير المال آنذاك علي حسن خليل حجب توقيعه عن المخصّصات المالية لقوى الأمن الداخلي.
ملاك عقيل- اساس