لبنان ثالث منتِج للحشيشة في العالم: زيادة أعداد المدمنين “4 أضعاف”
تتزايد في لبنان أعداد المدمنين على المخدّرات، وأهمّها الكبتاغون، بوتيرة سريعة ومتواصلة، فتصيب بفخّها الفئة الشبابية والطلاب، من دون أن يُفلح في تخطّي خطورتها إلا 6 في المئة من مجموع المدمنين في لبنان.
ويُصَنّف لبنان، وفقاً للأمم المتحدة، ثالث منتِج للحشيشة في العالم بعد أفغانستان والمغرب. وفي ظل غياب إحصاءات رسمية حول العدد الفعلي لمتعاطي المخدرات في لبنان، فإن نسبة الزيادة في أعداد المدمنين – على وجه التقدير – تبلغ 400 في المئة، وفق جمعية “جاد”.
إلى ذلك، تشير الإحصاءات والدراسات المختصّة، حسب تقرير الأمم المتحدة، إلى أنّ ما يقارب 60 في المئة من المتعاطين ينتمون إلى الفئة العمريّة من 16 إلى 35 عاماً.
لا يخفي أيّ متابع أو معنيّ بملف مكافحة المخدرات مدى زيادة نسبة المدمنين والمروّجين للمخدرات، إلا أن اللافت اليوم هو زيادة نسبة النساء اللواتي يتعاطين أو يروّجن المخدرات، التي بلغت 20 في المئة، بعد أن كانت لا تتعدّى 4 في المئة.
التحدّي اليوم لا يتمثل بالقبض على شبكات تجار المخدرات والمروّجين، والأخبار الأمنية تكشف واقعاً مخيفاً لما أصبح عليه لبنان من أرض خصبة للتعاطي والترويج والتصدير، وإنما يكمن في متابعة الملفات الأمنية وفي تعاطي القضاء مع كبار التجار الذين خرج بعضهم كالشعرة من العجينة، فيما قسم منهم استطاع الهرب.
والأخطر أن ما يختبره بعض الموقوفين بتهمة الترويج والاتجار بالمخدرات في داخل السجن لا يختلف عمّا يحياه خارج أسواره؛ وكمية المخدرات المهرّبة إلى الداخل تدلّ على مدى تحكّم البعض من هؤلاء التجار بالداخل، وبما وراء القضبان.
يشرح رئيس الهيئة العربية لمكافحة المخدرات، المدرّب الدولي الدكتور محمد عثمان، العوامل والأسباب التي أدّت إلى زيادة هذه الظاهرة في لبنان، والتي تعود إلى بداية جائحة كورونا، حين وجّهت الدولة تركيزها الأساسي على كيفية الحدّ من انتشار الفيروس وجنّدت الأجهزة الأمنية لمراقبة القرارات ومدى تنفيذها.
ولذا، أثّرت جائحة كورونا على موضوع المخدرات، فنشط عمل المروّجين أكثر فأكثر، وبات توصيلها أسهل، في ظلّ غياب رقابة الأجهزة الأمنية آنذاك. وهذا الأمر أدّى إلى انتشار أوسع لترويج وتعاطي المخدرات، بينما أثّرت الحرب السورية في انتقال عمل معظم تجّار المخدّرات السوريين إلى لبنان، وهذا أسهم بانتشار هذه الظاهرة أكثر.
وعن الحلول والخطوات المطلوبة لمواجهة هذه الظاهرة المخيفة، يشدّد رئيس الهيئة العربية لمكافحة المخدرات على أهمية تنفيذ قانون المخدّرات الحديث، ورفض حماية أيّ مروّج أو تاجر مخدّرات أو إصدار عفو خاصّ نتيجة ضغوط سياسية.
ويضيف: “لا نريد تساهلاً في الموضوع، لذلك علينا معالجة كل الثغرات ومنها المشكلة القضائية وأن يكون هناك مدّعٍ عامّ خاصّ بالمخدرات لبتّ هذه الأمور، ثم توسيع مكتب مكافحة المخدّرات وزيادة عدد الموظّفين ليُصبح فرعاً شبيهاً بفرع المعلومات، فيتمكّن من تغطية كلّ الأراضي اللبنانية”.
ويقترح “تركيب أجهزة سكانر في كلّ السجون والمعابر الجوية والبرية والبحرية لكشف المخدّرات المهرّبة، فنجتاز شوطاً كبيراً في مكافحة تهريب المخدرات. والأهمّ أن يرفع السياسيّون أيديهم عن هذا الملف، وأن يتركوا الأجهزة الأمنية تعمل، علماً بأنّ هيئة إدارة مكافحة الإدمان المؤلّفة من رئيس الحكومة ووزراء ومستشارين موجودة في القانون، لكنها غير مفعّلة، وهناك بعض الوزراء لا يعلمون أنّهم أعضاء في هذه الهيئة”.
وفي تطوّر لافت، داهمت شعبة المعلومات شبكة ترويج مخدرات، فأوقفت معظم زبائنها من طلاب المدارس والجامعات.
القصة بدأت في الضاحية حيث اشترى طفل يحمل حقيبته المدرسية المخدرات لتعاطيها، فنفّذت القوة الخاصة في الشعبة أكبر عملية مداهمة، وتمكّنت خلالها من توقيف تسعة متورّطين، وضبطت 46 كلغ من المخدرات، منها 34 كلغ من الكوكايين موضّبة في أكثر من 13000 ظرف.
في هذا السياق، يُثني جوزف حواط رئيس جمعية “جاد” على الجهود المبذولة من القوى الأمنية، ويقول: “تمنيت على وزير الداخلية بعد لقائي به أمس أن يضرب بيد من حديد، وأن يحرص على عدم تغيير الملفات وتساهل القضاة. الوضع الكارثي ويؤثر على عناصر القوى الأمنية بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية، فرواتبهم تدفع بتجّار المخدرات إلى إغرائهم بمبالغ كبيرة جداً”.
ويعترف حواط بأنه “في لغة الأرقام تبدو واضحة الزيادة في أعداد المدمنين بحوالى 3 إلى 4 أضعاف أكثر ممّا كانت عليه في العامين الماضيين مع تدنّي أعمار المدمنين عليها،وذلك من الحالات التي نعاينها، بالإضافة إلى ملاحظة ارتفاع نسبة دخول النساء إلى عالم المخدرات بنسبة 20-22 في المئة، بعدما كانت لا تتخطى الـ4 في المئة”.
وبعد أن كانت المرأة تعمل في زراعة المخدرات، نجدها اليوم تعمل في صناعة وترويج وحتى تعاطي المخدرات، ممّا يحتم علينا دقّ جرس الإنذار خصوصاً أن المرأة هي أساس المجتمع ومربية الأجيال والعنصر الأساسي في العائلة.
أما الفئة الأكثر تعاطياً للمخدرات فهي فئة الشباب، ومتوسط أعمارهم هو 16 عاماً. ووفق حواط، فإن أكثر الأنواع استخداماً في لبنان هو الحشيش الذي يحتلّ المرتبة الأولى، ثمّ “حبوب الكبتاغون”. ويعود السبب إلى سهولة توافرها وزراعتها، والأهمّ تكلفتها المتدنّية، علماً بأنّ سعر حبّة الكبتاغون 20 ألف ليرة، فيما تكلفة صناعتها 17 سنتاً.
لكن المضحك المبكي أن تسليم المخدرات صار يتم بطريقة وقحة بوساطة “الدلفيري”، بل الأخطر أن ظاهرة تعاطي المخدرات أصبحت في كل لبنان، بعد أن كانت سابقاً محصورة في بعض المناطق. ويبدو لافتاً أن منطقة طرابلس وعكار تضم زيادة في عدد المدمنين، إذ كشف حواط “أن من بين 10 مدمنين، 4 منهم من مناطق طرابلس والشمال.”
أما بالنسبة إلى رئيس جمعية “عدل ورحمة” الأب نجيب بعقليني فإنه يلاحظ تزايد نسبة النساء المدمنات، ويرى أنه “في خضمّ الانهيار الاقتصادي يزداد أعداد المرتهنين للمخدرات الذين يلجؤون إلى هذه الموادّ للهروب من واقعهم، ثم سرعان ما يكتشف بعضهم أنهم أخطؤوا في الخيار. ولذا، نشهد انغماساً كبيراً من فئة الشباب والمراهقين على المخدرات، بعد حالة من اليأس والقلق، في ظلّ تردّي الأوضاع السياسية والمالية والاجتماعية في البلد. ونستقبل في الجمعية نحو 230 شخصاً للعلاج من الإدمان شهريّاً”.
يبقى أن عوامل كثيرة دفعت بالأشخاص إلى تعاطي المخدرات، وهي ليست محصورة بالفقر والبطالة، بل تتعدّى ذلك إلى عدم حب الذات، ورفض الشخص، واليأس، والكآبة، والضجر، وغياب الأفق، والعزلة، والغضب. ويُعدّ الهيرويين والكوكايين والكبتاغون والحشيشة أكثر الموادّ المخدرة استخداماً، وهي تروّج في أماكن مختلفة وعديدة ومعروفة.
وفي العودة إلى بعض الأحكام، صدر حكم قضائيّ بحق تاجر مخدرات كبير ومعروف بسجنه 7 سنوات فقط، بالرغم من مسؤوليته عن وفاة 2000 إلى 3000 شخص نتيجة تعاطيهم المخدرات، إذ ينتج معمله نحو مليون حبّة كبتاغون يومياً، من دون أن تصادر أمواله أو توضع اليد على ممتلكاته أو سجنه مؤبداً…
من جهتها، أصدرت محكمة الجنايات في بيروت، في كانون الأول 2022، حكماً بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة بحقّ “حسن دقو” الملقّب بـ”ملك الكبتاغون”، أحد أبرز تجّار حبوب “الكبتاغون” في منطقة البقاع.
هذا، وقد شهدت صناعة الكبتاغون والاتجار بها خلال السنوات الماضية ازدهاراً في لبنان. وتُعدّ سوريا المصدر الأبرز لتلك المادّة، وباتت مركزاً أساسياً لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا، وصولاً إلى دول الخليج، مروراً بدول أفريقية وأوروبية. وتُعدّ السعودية السوق الأولى لـ”الكبتاغون”. وتتخطى قيمة تجارة “الكبتاغون” السنويّة في المنطقة، وفق تقديرات لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”، أكثر من عشرة مليارات دولار.
وفق تقرير المخدرات العالميّ لعام 2022 الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تعاطى نحو 284 مليون شخص، تراوح أعمارهم ما بين 15 و64 عاماً المخدّرات في جميع أنحاء العالم في عام 2020، بزيادة قدرها 26 في المئة عن العقد السابق.
أما في لبنان، فتشير الأرقام إلى أن زيادة الإدمان ارتفعت بنسبة 400 في المئة، وهي زيادة مقلقة ومخيفة. ولكن ما الذي يدفع الشخص إلى عالم المخدرات والإدمان بحسب علم الاجتماع؟
ترى الدكتورة في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية سوزان منعم في حديثها لـ”النهار” أن أسباب اللجوء إلى المخدّرات عديدة، أهمّها الحشرية والتقليد، خصوصاً عند فئة الشباب والطلاب، وتكون بداية دخول هذا العالم من خلال أحد الأصدقاء.
كذلك تؤثر المشكلات العائليّة وتفكّك العائلة في الهروب من هذا الواقع واللجوء إلى المخدّرات، مع العلم بأنّ الكثيرين لا يعرفون مدى خطورة انغماسهم في هذا العالم. كذلك تؤدّي الضغوط الاقتصاديّة والاجتماعيّة إلى دفع الأشخاص باتجاه البحث عن مخرج آخر بعد وصولهم إلى حائط مسدود، ممّا يتسبب بانجرافهم إلى هذا العالم.
ويؤدّي دوراً مهماً في هذه النقطة عدم متابعة الأهل أطفالهم، وعدم ملاحظة أيّ علامات تحذيريّة، خصوصاً عند الفئات الصغيرة.
وبرأي منعم “علينا تكثيف حملات التوعية للكشف عن مخاطر الظاهرة وتداعياتها الصحية والنفسية منذ الصغر، كما أن متابعة الأهل لأولادهم ركيزة أساسية لتحصين الولد وتوعيته بما قد يتعرّض له أو يُعرض عليه من دون معرفة. والأهم أن نطلب المساعدة، إذا انزلق الشخص في عالم المخدرات، وأن ندعمه حتى يخرج من هذه الحلقة ونضمن عدم سقوطه فيها مرة أخرى”.
ليلى جرجس- النهار