الشعب والجيش و”فاغنر”:«حزب الله» أصعب من «فاغنر» في روسيا!
لعل من المبكِر جداً استكشاف حقيقة ما حصل في روسيا بين الجيش الروسي ومجموعة «فاغنر»، فهذا النوع من الأحداث والمعارك لا تُكشَف خلفياته إلا بعد إماطة اللثام عن وثائق تُصنَّف تحت عنوان سرِّي «للغاية». لكن ما هو مؤكد أنّ ظاهرة «ثنائية الجيش والميليشيا» تتوسَّع وتتفشَّى ولا سيما في الدول «الديكتاتورية» والدول «الأوتوقراطية»، حتى ولو جرى تغليفها بغشاء رقيق من «الديموقراطية».
حرب روسيا على أوكرانيا كشفت الدور الهائل لميليشيا «فاغنر» التي بلغ بها «فائض القوة» حدَّ تهديد مكانة «القيصر» فلاديمير بوتين. ثنائية»الجيش الروسي وفاغنر»، ليست حالة فريدة في العالم، بل هناك مثيلاتها، وبعضها أكثر خطراً، وقد تفوقت على الجيش، وبعضها أقل خطراً لكنها تحاول استيعاب الجيش أو السيطرة عليه:
في السودان برز الصراع بين الجيش السوداني و»قوات الدعم السريع» وهو المسمَّى للميليشيات السودانية التي يبدو أنها حققت توازناً عسكرياً مع الجيش السوداني.
في العراق، التباين واضح بين الجيش العراقي والميليشات التي تتخذ أكثر من مسمَّى: من «الحشد الشعبي» إلى «عصائب الحق»، وفي أكثر من محطة بدا الخلاف واضحاً بين «الجيش والميليشيا»، وكم من المرات تدخَّلت إيران لفضِّ خلاف قبل أن يتفاقم.
حتى في إيران، هناك تباين بين الجيش الإيراني و»الحرس الثوري» الإيراني، ولكلٍّ من»الجيش» و»الحرس» حيثياته، وثمة مَن يقول هناك توزيع أدوار. أكثر من محطة بدا فيها «الحرس الثوري» أقوى من النظام القائم، وأكثر من مرة استقال مسؤول إيراني رفيع بسبب «ملاحظات» من الحرس الثوري على أدائه.
لبنان، منذ العهود المتعاقبة بعد الطائف، لم يشذ عن هذه القاعدة، الثنائية كانت قائمة: النظامان السوري والإيراني دعما «حزب الله» حتى النهاية، وكانت العهود المتعاقبة: من عهد الرئيس الياس الهراوي إلى عهد الرئيس إميل لحود، وصولاً إلى عهد العماد ميشال عون، كانت المعادلة «الذهبية»: الجيش والشعب والمقاومة، أحد الشروط الأساسية لصدور أي بيان وزاري. وحين كانت مصلحة الدولة تصطدم بمصالح «حزب الله»، كان الأخير يستخدم القوة وفائض القوة، ليعيد الأمور إلى «نصابها» من وجهة نظره، هذا ما فعله في 7 أيار 2008، ولم يُقِم وزناً للقوى الشرعية، بل إن مصالحه جاءت فوق كل اعتبار، إلى درجة أنّ الأمين العام لـ»حزب الله» وصف يوم السابع من أيار بأنه يومٌ مجيد.
كما أنّ «ازدواجية المعايير» لا تصح في السياسة، هكذا «ثنائية القوة» لا تصح في الاستقرار. إزدواجية القوَّة دمَّرت العراق وأنهكت إيران، والسودان على طريق الدمار والانهيار، واليوم روسيا. أمّا لبنان فالمشكلة أنّ «حزب الله «يعتبر نفسه «الأول» في ثنائية القوة، وهذا ما هو أصعب من «فاغنر» في روسيا، و»الدعم السريع» في السودان، و»الحشد الشعبي «في العراق، و»الحرس الثوري» في إيران.
جان الفغالي- نداء الوطن